لا.. شيء الاّ ما احتوته ذاكرتك..
فأنت الآن تبحث عن مكان آمن.. مكان لا تسطو على ترابه الجّرافات ولا تنتزعه عنوة مخالب الفقر.
إذن عد للوراء.. ابحث في ذاكرتك عن مخبأ للتأمل.. اسحبها كدلو في بئر عميق.. علّك تروي ما جفّ من بريق وما تمزق من حلم..
ها أنت تعود لترى..
فيما يشبه «رحلة بعير» لا يعرف غير ما يتقافز حوله من شوك الطلح..
ففي مشارف العام السبعين بعد 19 قرناً كنت تسند هذا الرأس الصغير على حافة جدار الطين.. وتضيع عينك في المدى المفتوح أمامك..
لا يكسر نظرك شيء.. وتهجس كنتَ بيوم قادم لم تدرك ما لونه.. وتفاصيل غير ما يدور في محيط رأسك.. لا ينهي هذا التوحد غير صوت تألفه.. يصرخ من شباك. /الشباك مسلسل/ السلاسل موصدة بأقفال حديدية/ الأقفال يبس رجاؤها بمن يفتحها..
تقفز تاركا نظرك يهيم.. تخطو نحو الشباك.. وتمدُّ جذعَك الصغير.. لتقف على رؤس أصابعك ك«لاعب باليه» مبتدئ.
وتعيد نظرتك من «المدى المفتوح» إلى المدى المغلق وتقول.. في حوار معجون بشقاء الشارع:
ليش أنت هنا؟!
يقول: لأنني أذبح الطيور؟!
** طيِّب ليش؟
لأنها تطير..
تضحك شفاهك الطفلة.. ولا تدري كيف تواصل الحوار وتعيد هامتك الصغيرة على قدميك مرة أخرى..
وتهم بالرحيل.. يناديك الصوت «وين تروح» ودون ان تلتفت «أصيد العصافير».
تذبحها ؟! قال..
«مدري» قلت..
قال: الله يخليك لا تذبحها..
كيف..؟! وتعود مسرعا إليه، ولكنَّك قلت إنهم يحبسونك لأنك تذبح الطيور.. صح..؟
قال: صح.. هم يقولون كذا..
وأنت..!!
قال.. أنا أبغى أطير.. شوف «ويدفع ذراعيه من خلف القضبان».. عندي اجنحة.. شف وبدأ يحركهما للاعلى وللاسفل.. و«هو يردد» شوف.. حتى خلت انه يطير..
الآن وبعد مرور 30 عاما على «احتجاز الطفل»..
أجد أن هذه «الثلاثين عاما» زحفت على عصافير روحي، لتقيم متاريس بثقل الكرة الأرضية،
ترى هل لأني أريد أن اطير.. هكذا هكذا..
هل رأيتم..
فالغفران الوحيد لقبح «القيود»
هو «جمال التحليق»..
فلنحاول معا.. تفكيك قيودنا.. شبابيكنا الموصدة..
قضبان الوجع..
.. ربما نطير
الآن فقط أدركت لماذا يروج أهل الطفل قبحهم على الطفل..
الذبح.. وحده الذي يعزل الطفل عن حلمه..
وعنا وعنكم.. فلا تذبحوا الطيور..
لا تذبحوني!
|