من يطّلع على عشرات المقالات التي تنشر في الصحافة الغربية بصفة عامة وفي أمريكا وبريطانيا بصفة خاصة، ومن يقرأ التقارير السياسية التي تصدر تباعاً عن مراكز الدراسات السياسية، ومراكز المعلومات في أوروبا وأمريكا يدرك أن الجنوح إلى أساليب السَّطو العسكري من قبل أمريكا وبريطانيا قد أحدث هزَّةً سياسية خطيرة في العالم، وقد اشعل فتيل أزمة كبرى في اتجاهات العالم وعلاقاته السياسية المتشابكة، ويُشير معظم تلك المقالات والدراسات إلى خطورة الخطوة العسكرية التي تمَّت في العراق، بعد تلك الخطوة التي تمَّت في أفغانستان، وأنَّ تلك الخطورة تكبر بصورة خطيرة على الولايات المتحدة وبريطانيا، وعلى العالم كلِّه. والذي يميز تلك الدراسات والمقالات أنها تنطلق من قاعدة التفكير الهادئ، والنظرة المتأنَّية للأحداث، والتقدير الصحيح لحالات الأمم والشعوب التي تعرَّضت لهجمات السَّطو العسكري بعيداً عن الشعور الأعمى بالقوَّة والعظمة، ذلك الشعور الذي يُعمي البصيرة، ويباعد بين صاحبه وبين الرؤية الحقيقية الصائبة للأحداث والمواقف والأمم والمجتمعات. وتجمع تلك الدراسات والمقالات على أنَّ السياسة الأمريكية قد ساقت مركبة العلاقات الأمريكية مع كثير من دول العالم إلى مضائق ربما يكون الخروج منها صعباً ومكلفاً، إن لم يكن مستحيلاً. وتتفق تلك المقالات والدراسات على مشكلة مبدأ رامسفيلد في شنِّ الحروب الأخيرة، وأنه مبدأ متأثر بنظرة متطرِّفة بعيدة عن الرؤية الصحيحة للأحداث، وربما كان متأثرا في هذا المبدأ بالآراء المتعصبة للصهيونية التي يطلقها «اللوبي اليهودي» المهيمن على كثير من وسائل النشر والإعلام في أمريكا، وعلى كثير من مراكز الدراسات والمعلومات الكبرى التي يعتمد عليها وزير الدفاع الأمريكي وغيره من كبار المسؤولين في وضع الاستراتيجيات، والخطط العسكرية، ويكاد يجمع الكاتبون على وجود خلل كبير في هذا المنهج الرامسفيلدي لن تجني منه دولتُه إلا الأزمات التي تضرها ولا تنفعها. «إن القوة وحدها لا تصنع مجداً»، هذا ما يؤكده عقلاء الغرب في مقالاتهم التي يتناولون بها القضايا الساخنة التي تجري في عالم اليوم، وما يوجِّهونه من نصائح إلى الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا بعد أن اشتعلت نيران حرب العراق الأخيرة التي أصبحت واضحة المعالم بعد انهيار حزب البعث العراقي.
ومما يشير إليه أولئك الكتاب والمحلّلون السياسيون ما تتضمنه هذه الحرب من استغلال وإهدار لحقوق الإنسان، وانتهاك للقوانين، وتجاوز للأعراف الدولية لم تشهد له السياسة المعاصرة مثيلاً من قبل. إنَّ الدولة التي تريد أن تنقذ شعوباً، وتنصر مظلومين، وتسقط أنظمةً ظالمة، لا تجيز لنفسها أن تنتهك القانون باسم القانون، وأن تصادر حريات الآخرين باسم الحريَّة، وأن تهشِّم الواجهات البرَّاقة للديمقراطية باسم الديمقراطية، ولا تستقدم معها جيشاً عَرَمْرَماً من المجلاَّت الفاضحة، والأفلام السينمائية الرخيصة تبثُّه بين المغلوبين بحجة الترويح عن نفوسهم، وتخفيف ويلات الحرب عليهم، لأن تلك الدولة التي تفعل هذا تناقض كلَّ دعاياتها ودعاواها الإصلاحية التي ظلَّت تروِّج لها سنوات طويلة. «إن العالم يعيش في أتون أزمة خطيرة»، هذا ما يجمع عليه الدارسون في الغرب، وما يردّدونه في برامجهم وتقاريرهم ومقالاتهم، مشيرين إلى هذه الأجواء القاتمة، والعلاقات الدولية المتوتِّرة، التي كانت طبيعة الاستعلاء والاستكبار والاغترار بالقوة سبباً مهماً من أسباب حدوثها بهذه الصورة المؤسفة.
هذا ما يقوله عقلاء الغرب، وهو كلام واضح يمكن أن يكون ردَّاً على بعض كتَّاب المسلمين الذين يلمِّعون ما جرى ما دام مرتبطاً بالغرب الذي يحبون.
إشارة
يا بني أمتي، بكاء حروفي
لو فطنتم إليه أسمى بكاء
|
|