Wednesday 13th august,2003 11276العدد الاربعاء 15 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي أقتصادي رأي أقتصادي
الإنفاق الثانوي
د. محمد اليماني

يقول الاقتصاديون إن الإنسان عندما يطلب سلعة أو خدمة فإنه يسعى في فعله هذا الى اشباع حاجة لديه تدفعه للحصول على هذه السلعة أو الخدمة.
فهو عندما يشتري سيارة مثلا فهو يقوم بذلك لأنه بحاجة الى وسيلة نقل تنقله من مكان إلى آخر وتكون قادرة على الوفاء باحتياجاته في هذا الجانب. وفي احيان كثيرة تكون سيارة متوسطة الثمن قادرة على القيام بالمطلوب، لكن ما السبب الذي يدفع بالبعض إلى شراء سيارة باهظة الثمن تصل قيمتها الى اضعاف قيمة السيارة التي يحتاجها حقيقة؟
بناء على المنطق الاقتصادي، فإن ما يدفعه لشراء السيارة الأخيرة ليس مجرد الحاجة إلى وسيلة تنقل فهذا ما تقدر على تلبيته السيارة الاولى بل لابد من وجود حاجة اخرى لا يمكن إلا للسيارة الثانية الوفاء بها، وهذه الحاجة في غالب الأحوال لا تخرج عن حب الظهور بمظهر اجتماعي معين، وما ينطبق على السيارة في هذا المثال ينطبق على العديد من السلع والخدمات التي تطلب جزئيا أو كليا لاغراض المباهاة والتفاخر.
ولا يقتصر هذا السلوك الاستهلاكي على الأفراد بل ربما امتد إلى مؤسسات القطاع العام.
وتكمن خطورة هذا النمط الاستهلاكي في قدرته على استنزاف موارد المجتمع وصرفها فيما لا طائل من ورائه، وربما كان احد أسباب ارتفاع حجم المديونية، ولاشك ان هذا النوع من الإنفاق لا يتوقع منه زيادة الإنتاجية أو زيادة القدرة على الإنتاج مستقبلا فهو يمثل هدرا في جميع الحالات.
ويتصف الإنفاق الاستهلاكي التفاخري بأنه يولد لدى من يمارسه حالة تشبه الإدمان فهو لا يستطيع الخلاص منه ومستعد لأن ينفق بدون حساب، ولو اضطره الأمر الى الاقتراض.
فمن يشتري سيارة يحاول من خلالها اكتساب صفة معينة لا يلبث ان يشتري بدلاً عنها متى اصبحت غير قادرة على تلبية حاجته، ومن يرى أن إقامة المناسبات لا يمكن ان تتم إلا وفق طقوس معينة وفي أماكن لها برستيج معين فهو يسعى جاهدا إلى الالتزام بما اشترطه إلى نفسه والارتقاء بصفة مستمرة بعدد ونوع هذه الشروط ولا يرى إقامة المناسبات في اماكن عادية وبأسلوب بسيط يفي بالغرض ملبيا لحاجته.
ولعل هذا النمط الاستهلاكي الذي يكون اكثر شيوعا في مجتمعات الدول الغنية النامية يوفر تفسيرا لحجم اسواق بعض السلع والتي تقدر بمليارات الريالات مثل السيارات والجوالات والكمبيوترات والعديد من السلع الكمالية، فضخامة حجم ما ينفق على هذه السلع لا يعبر فقط عن حجم الحاجة الحقيقية لها بل يعبر أيضا عن مدى الاستعداد للإنفاق على المظاهر والمباهاة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved