Wednesday 13th august,2003 11276العدد الاربعاء 15 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في افتتاح الندوة النقدية بمهرجان جرش في افتتاح الندوة النقدية بمهرجان جرش
نقاد عرب وأردنيون يناقشون العلاقة الإشكالية بين القصيدة والحدث

* عمان الجزيرة «خاص»:
أقيمت في مركز الحسين الثقافي على هامش مهرجان جرش للثقافة والفنون أولى الفعاليات النقدية التي جاءت بعنوان «القصيدة والحدث» وشارك فيها الناقد السوري صبحي حديدي والزميل فخري صالح ود. رشيد يحياوي من المغرب.
وترأس الجلسة الدكتور محمد عبيدالله، وكانت الورقة الأولى للناقد صبحي حديدي وحملت عنوان «القصيدة والحدث: ملاحظات وأسئلة» وهو ملخص لأهم ما جاء في ورقته. فقال: القسم الأول من الورقة يبدأ من حدث اضطرار السيدة الأولى الأمريكية، لورا بوش إلى الغاء حفل شاي شعري خشية ان يلقي بعض الشعراء قصائد مناهضة للحرب على العراق.
ورد الشعراء بافتتاح موقع على الإنترنت وصلت إليه 13 ألف قصيدة ضد الحرب، وهذه الواقعة تستدعي ثلاث ملاحظات حول العلاقة بين الشعر والحدث: إن الشعر أمر خطير وان الشاعر لا يستطيع إدارة الظهر للحدث الفاصل، وان الشعر حين يقترن بالحدث فإن ولادة 13 ألف قصيدة لا تعني ترجيح كفة الشعر إلا بالمعنى الكمي المحض أولاً كما لا تعني بالضرورة ولادة الكثير من نماذج الشعر الجيد ثانياً.
أما القسم الثاني، يتوقف عند قصيدة محمود درويش «محمد» التي تعتبر واحدة من أفضل النماذج على «شعر الشهادة» من جهة أولى، وبين أفضل الأمثلة على جدل العلاقة بين الشعر والحدث، وهي عمل يبرهن ان درويش شديد الحرص على أداء واحدة من أكبر وأنبل وظائف الأدب، والشعر بخاصة: تسجيل شهادة عن العصر، وتثبيت حق الواقعة النوعية في احتلال موقع شعري داخل حوليات العصر.
والقسم الثالث يناقش بعض الأسئلة النظرية حول العلاقة بين القصيدة والحدث:
كيف يفلح الشاعر في عدم إدارة الظهر للعالم الفعلي بهمومه وهواجسه وانشغالاته وحوادثه، ولكن دون ان يعتنق في الآن ذاته وظيفة الخطيب البليغ المفوه الذي يلهب الاكف ويحرك حناجر الجماهير قبل افئدتهم وعقولهم؟
ما الفارق بين صورة العالم كما تبدو عند وقوع الحدث، وصورة العالم ذاته كما تلتقطها القصيدة المنشغلة بالحدث؟
لماذا يجد الشاعر، وليس الروائي أو المسرحي أو التشكيلي، ان من واجبه التعامل مع الحدث؟ ولماذا، في الجانب الآخر من السؤال ذاته، تجد الجماهير ان الشاعر هو الفنان المعني أكثر من سواه بالكتابة الشعرية عن الحدث؟ وهذا القسم يتناول، في أمثلة تطبيقية، قصيدة أمجد ناصر «قصيدة مؤجلة لنيويورك» وقصيدة محمود درويش «القربان».
ومن جانبه قدم الزميل الناقد فخري صالح ورقة بعنوان «عن الشعر والتاريخ اليومي» وأهم ما جاء فيها:
بقدر ما هي علاقته بالتاريخ مركبة وملغزة يبدو الشعر مسكوناً بالتاريخ بصورة سرية مصنوعا في لحظاته الأكثر كثافة من مادة هذا التاريخ رغم محاولة الشعر الدائمة التخلص من أرضيته وتحرير نفسه من الاشتباك بنسيج اليومي والعارض ليسمو في معارض الخيالي والمنقطع عن عرق الحاضر ودمه النازف. كانت هذه الرغبة تسكن كثيرا من شعر العرب في القرن العشرين، ما انتج كثيرا من الشعر الأثيري ذي النزعة الميتافيزيقية وابتعد بالكتابة الشعرية عن مصادرها اليومية وجعل هذه الكتابة تمرينا في تأمل العالم والعيش من عل، من نقطة بعيدة في برج الشاعر العاجي تجعل البشر والموجودات مجرد سديم لا يتشكل في سماء القصيدة.
وأضاف قائلاً: هذه النزعة الأثيرية في الكتابة الشعرية تقابلها نزعة مضادة لا ترى في الشعر سوى انعكاس لليومي، والحدث العارض فتسعى إلى تسجيل وقائع التاريخ، أولاً بأول، وتتشبث بالأحداث الكبرى من انتصارات مأمولة وهزائم متكررة لتبني مادتها الشعرية منها. وقد ازدحم كتاب الشعر العربي المعاصر بقصائد ودواوين لا عد لها لا تسمو بالعارض واليومي إلى مصاف الكتابة الشعرية الحقيقية، وتكتفي بالوصف والانسياق وراء الحدث وتطوراته.
وأشار: لكن الشعر الحقيقي لا يسكن في أرض هذين النزوعين المتباعدين بل فيما يؤلف بينهما، فيما يطلع من أرض التاريخ ولكنه يعيد تأليفه وترتيب ذراته ليكون الحدث، وما يسمى التاريخ بمعناه الشامل الذي يرفعه من وهدة التسجيل التاريخي «مجرد ماء سري يسري في أحشاء الكتابة الشعرية». وهكذا يبدو شعره من شبهة اليومي والتاريخي، وهو يقيم علاقة معقدة مع التاريخ، فليس بالإمكان قراءة شعره الذي أنجزه على خلفية تاريخ سياسي واجتماعي عاصف ودامٍ عام وشخصي دون رؤية النسيج المعقد الذي يربط السياب بزمنه، وعلاقة الشاعر الرائد بالتحولات التاريخية التي صنعت عصره. في هذا السياق تقرأ قصائده «رحل النهار» و«انشودة المطر» و«غريب على الخليج» و«حفار القبور» وما كتبه عن جيكور وعدد آخر من قصائده التي يبدو فيها نسيج التاريخ منشبكا بنسيج الكتابة الشعرية، ولا يمكن للهوس الدائم بكتاب الأساطير في شعر السياب، والرغبة بعجن الشعر بعناصر الاسطورة، ان تضللنا عن مادة الحدث اليومي التي تشكل عصب قصيدته والزمان التاريخي الذي يبدو كمرآة يسطر الشاعر على صفحتها غير الصافية رؤيته المشظاة المنكسرة للعالم.
وأكد صالح في مداخلته قائلاً: في السياق نفسه تبدو علاقة ادونيس بالتاريخ، واليومي فيه، علاقة اشكالية معقدة، ويبدو شعر ادونيس بدءا من «أوراق في الريح» وانتهاء ب«الكتابة» وكأنه يعيد كتابة التاريخ عبر استدعاء شخصياته الشعرية من زمان العرب القديم مهملا في الظاهر لا على الحقيقة، صراعات الحاضر وسلسلة احداثه وشخوصه. ان ادونيس منشغل باستعادة التاريخ والكتابة عن شخصياته، واعادة موضعة هذه الشخوص في كتاب التاريخ العربي ليمكن لنا ان نعيد تأويل ادوارها ومعنى هذه الأدوار في سياق تاريخي من الاستبداد الذي قمع الأصوات الهامشية وأجبر من كانوا على هامش السلطة على تبني الحكايات الكبرى للفئات السائدة. ولعل «الكتاب» ان يكون ذروة طموح ادونيس في هذا النوع من الاستعادة الشعرية التاريخية لشخوص ووقائع وأفكار تتصارع على صفحات هذا العمل الشعري الضخم لتعرض لنا تأويل الشاعر، بل اعادة تركيبه لتاريخ العرب في واحدة من ذراه الكبرى.
وعن اشكالية العلاقة بين الشعر والتاريخ اليومي مستشهدا بأعمال أخرى فقال: هناك نموذج اشكالي آخر في العلاقة بين الشعر والتاريخ اليومي يمثله عمل محمود درويش، فعلى الرغم من ان هناك انشباكا واضحا بين شعر درويش والتاريخ اليومي طوال مسيرته الشعرية إلا ان هذه العلاقة المعقدة التي تقوم بين قصيدته والحدث السياسي، بصورة خاصة، قد فهمت خطأ في النقد العربي المعاصر من خلال تأويل كتابة درويش الشعرية بوصفها انعكاسا لقضيته الكبرى «فلسطين».
لكن العلاقة بين شعر درويش والتاريخ اليومي لا تقل تركيبا وايحاء عن تلك العلاقة التي تضفر شعر ادونيس بالتاريخ. ليست قضية فلسطين سوى الخلفية التي يتحرك استنادا إليها انجاز درويش الشعري، وهي كتراجيديا كبرى في تاريخ البشر المعاصرين تكوّن العمود الفقري لقصيدته حيث تلقي بثقلها على خياله الشعري وصوره وايقاعاته ورؤيته الشعرية للعالم.
في هذا الإطار يطور درويش الذي كتب العديد من قصائده تحت ضغط الوقائع التاريخية المعاصرة، علاقة شعره بالحدث اليومي العابر رافعاً هذا الحدث إلى مقام الاسطوري الذي يتخطى العارض والمؤقت والزائل.
أما الورقة الثالثة والأخيرة فكانت لرشيد يحياوي من المغرب وجاءت تحت عنوان «تصدع الحدث.. تصدع القصيدة» وأهم ما جاء في ورقته حيث قال: تناقش المداخلة في البداية العلاقة المتداخلة بين فعلي الحدث والقصيدة مميزة بين الأحداث الكبرى وبين الأحداث العابرة، لكنها تضع هذا التميز موضع تساؤل بالنسبة للقصيدة على أساس ان القصيدة لا تكون قصيدة بمجرد تعلقها بحدث معين، ولكن تكون كذلك بقدر عمق ادراك الشاعر وتلقيه للمخفي في الحدث نفسه ولهذا الاعتبار قد لا يؤثر الحدث الكبير في الشاعر ويؤثر فيه الحدث العابر وكذلك العكس، وقال: بعد ذلك تشير المداخلة إلى وجود نوعين من الأحداث بحسب طابعها الفردي الذاتي أو الجمعي وان الحدث الجمعي اكثر اثارة لمناقشة سؤال الحدث في القصيدة إذ يستقطب إليه في العادة حشداً من الشعراء بخلاف الأحداث ذات الطابع الشخصي والحميم.
وأضاف: وترتيبا على ذلك تنتقل المداخلة لمناقشة سؤال الحدث والقصيدة في ضوء الحدث الأخير المتمثل في العدوان الأمريكي على العراق، مع مناقشة الآراء المعبر عنها من طرف الشعراء والمثقفين عامة خلال فترة الحرب.
وأشار: وإذا كانت هذه المداخلة قد سجلت وجود حشد كبير من القصائد التي كتبت بمناسبة الحدث المذكور، فإنها لاحظت في الوقت نفسه أي انه لم يندرج بشكل مباشر فيما يسمى بشعر النضال والثورة والمقاومة وذلك بخلاف ما طمح إليه الرأي العام الثقافي على مستوى الوطن العربي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved