Wednesday 13th august,2003 11276العدد الاربعاء 15 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
الحواشي
حسين علي حسين

كلنا درسنا عبر المناهج المدرسية الموجودة الآن، لكننا لم نكن نتلقى العلم من غيرها، فقد كانت كافية ووافية، رغم ما يعتري بعضها أحياناً من شطط وبعض المعلومات التي يمكن الاستغناء عنها وقد لا تخدم الطالب في حاضره أو مستقبله، لكن الجميع كانوا ينظرون إليها كمواد تدرس، ليؤدى فيها الاختبار، في آخر العام.. أما المدرس فقد كان جاداً وصارماً، وهو يلقي درسه، فلا يخرج عنه بنثر آرائه أو ثقافته، التي قد تتنافى مع المقرر، الذي يدرسه لتلاميذه، بل إن بعض المدرسين كان يدخل إلى الفصل قبل الصافرة، فيقضي تلك الثواني في ممازحة الطلاب، ومسامرتهم، لكنه حالما يدق الجرس، يدخل في الفورمة التربوية، وحالما يدق الجرس مرة أخرى، مؤذناً بانتهاء الحصة، يلملم أوراقه أو يرمي الطبشورة التي في يده، ويخرج من الفصل، لأنه يعرف أن أي دقيقة زيادة يمضيها في إعطاء المزيد من الشرح لن تجد قبولاً، وهذا في ظني هو الأسلوب التربوي الصحيح، فإذا لم تكن قادراً على توصيل درسك أو معلومتك في الوقت المحدد، فإنك لن تستطيع ذلك، والأفضل ترك الأمر للحصة المقبلة!.
أما الفسحة فقد كانت مجالاً واسعاً للبهجة والمرح البريء، كرة القدم، مسابقات عامة، جلسات في فناء المدرسة أو ملعبها، مسامرة مع الطلاب، كل ما يتم في الفسحة كان بعيداً عما يدور في الفصل، ليدخل الطلاب بعدها وقد استعاد صفاء الذهن، لتلقي ما تبقى من دروس في ذلك اليوم، حتى الرحلات المدرسية، التي تتم مرة أو مرتين في العام، كان يختار لها أكثر المدرسين مرحاً وقدرة على المسامرة، فقد كان الجميع في تلك الرحلات، يخرجون تماماً عن القالب المدرسي.. أما الإذاعة المدرسية فقد كانت تبدأ بالقرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية الشريفة، ثم تقديم العديد من المسابقات والملح والطرائف، التي تعين الطلاب على الدخول في فصولهم وهم في حالة نفسية مطمئنة ومنشرحة لبدء يوم جديد.
وكانت المكتبات المدرسية في ذلك الوقت عامرة بالقصص والروايات والسير والمواد الثقافية العامة، وهناك في صدر المكتبة رجل متفتح، يستقبل الجميع بوجه صبوح، لكنه لا يتدخل في اختيارات التلاميذ، إلا إذا طلب التلميذ مشورته، وقد كان في الغالب يوجه الطلاب لقراءة الكتب والدوريات التي تساعدهم، على إجادة اللغة والكتابة السليمة، أو كتابة المواضيع الخفيفة أو الاسكتشات التي تلقى في الإذاعة المدرسية، أما صحف الحائط، وما أكثرها في مدارسنا، فقد كانت مائدة عامرة بالمعلومات العامة، التي تؤسس الطالب معرفياً وتربوياً.. وكانت هناك سماحة في تقبل الرأي الآخر، دون شطط أو تطرف، وقد حدثت أمامي واقعة في مدرسة طيبة الثانوية، حيث كان يزور المدرسة معلم أو تربوي أو عالم سوري، وكان يلقي محاضرة قصيرة في الجغرافيا، فجاء على ذكر دوران الأرض وأفاض في ذلك فما كان من مدرس الحديث في المدرسة الا أن ترك القاعة للضيف الزائر ليلقي محاضرته، وبعد ذلك دخل علينا مدرس الحديث ليلقي درسه، وكأن شيئاً لم يحدث، وإن كان قال بطريقة عابرة، إنه لا يقر المحاضر، على ما توصل إليه في محاضرته، لكنه لم يشأ أن يعطل المحاضرة أو يعكر صفو الضيف، فآثر الانسحاب مقراً في الوقت نفسه، بأن الكثير من الناس، يقولون نفس المعلومات التي قالها المحاضر، أما هو فلا يؤمن إلا بما درسه على أساتذته، وكلهم كانوا لا يقولون بكروية الأرض!.
الآن زادت الحواشي في مدارسنا، وكلها تصب في قناة واحدة، لا تقر الاختلاف أو الوسطية أو السماحة، حتى مدير المدرسة أو مديرتها لا يجدان غضاضة، في الانقضاض على أوقات الطلاب، بحشو أدمغتهم بمعلومات، قد تكون أكبر من عمرهم أو إدراكهم، وفي غالب الأحيان تزيد، على ما هو موجود في المقررات المدرسية.. ويا ويله ذلك الذي يفتح فمه أو يشرع قلمه من داخل المدرسة، أو خارجها.
إذا لم تكن هناك خطة لمراجعة المناهج، فإننا نرجو على الأقل أن يعاد النظر في وضع المكتبات المدرسية، وأن يوجه مدراؤها، ومديراتها بتقديم برامج وأنشطة عامة، كالألعاب والمسابقات وصحف الحائط والإذاعة والرحلات، وان يكون كل ذلك مجالاً للترفيه والثقافة العامة، فنحن مسلمون وفي دولة إسلامية، ونريد أبناءنا مسلمين فقط، يأكلون ويشربون ويلعبون ويمرحون، ويؤدون قبل ذلك ما طلب منهم ربهم حقاً وواجباً، بعيداً عن التجهم والتطرف والشطط، وأكثر من ذلك عدم استغلال أوقات الدرس والأنشطة الخفيفة في أشياء ليست منها!.

فاكس: 4533173

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved