تفترض الدراسات العلمية أن الخرافة لا تنمو إلا في أوساط الأميين وغير المتعلمين، ولذلك انتشرت هذه الخرافات في العصور الماضية أيما انتشار، فأصبحت الظواهر الطبيعية كالبرق والرعد والبراكين والزلازل والفيضانات والصواعق وغيرها تقف خلفها عشرات الخرافات والأساطير، ففي مصر القديمة مثلاً كانت أجمل فتاة لديهم هي ضحية خرافة نهر النيل كل عام حيث يلقى بها حية خوفاً من فيضاناته!، وفي الصين والهند والغرب والشرق عشرات الأساطير والخرافات.
في بيتنا العربي الكبير تكثر خرافات متعددة كوضع خرز أزرق اللون على الأطفال لمنع العين الشريرة عنهم! وقراءة الفنجان وقراءة الكف والمندل خرافات أخرى، ولا تزال أفواج من الناس أيضاً إلى يومنا هذا تعالج بالزار وحرق البخور، وهناك خرافات من الحجم الكبير أيضاً فهناك من يعتقد أن مواليد الشتاء قصار القامة بسبب قصر النهار، وأن مواليد الصيف طوال القامة بسبب طول النهار، أما ثقافة الأبراج فحدث ولا حرج خصوصاً في ظل تبني بعض وسائل الإعلام والترويج لها، وتخصيص برامج يومية في بعض المحطات العربية طمعاً في استقطاب أكبر قدر ممكن من المستهلكين، فعندهم مثلاً من يولد في برج الأسد فهو شجاع، ومن يولد في برج الدلو يموت غرقاً!
الخرافات أيضاً تنخر في عظم المجتمعات الغربية رغم القوة العلمية التي تتمتع بها، فالرقم 13 مثلاً لا يزال يمثل خرافة في بعض المجتمعات الغربية وقد فسره البعض بأن اجتماع المسيح الأخير كان يضم 13 رجلاً، كذلك اعتقاد بعضهم بالجمعة السيئة Bad Friday وذلك أن صلب المسيح بزعمهم كان يوم جمعة! كذلك من المحرمات عند بعضهم فتح المظلة داخل المنزل أو المشي تحت السلم، وتذكر بعض كتب الخرافة أيضاً أنه في بريطانيا لا يرغب البحارة البريطانيون البدء في رحلتهم في اليوم الثاني من فبراير ولا في أول يوم اثنين من أبريل ولا في أي يوم جمعة! والسبب ببساطة خرافات وأساطير شعبية وجدت عقولاً فارغة! وفي كل مناحي الحياة تقبع هناك خرافة ففي الزواج والحمل والانجاب، وعند المرض والشيخوخة عشرات الخرافات، بل امتدت الخرافة في واقعنا المعاصر إلى الاقتصاد والفكر والسياسة، ومع ذلك تبقى في ظني أن أعتى خرافة سياسية في زمننا هذا هو ادعاء إسرائيل أن لها حقاً تاريخياً في فلسطين، الأمر الذي أدهش كاتباً صهيونياً بريطانياً فكتب مفنداً تلك الخرافة في كتابه «القبيلة الثالثة عشرة» موضحاً أن اليهود جاءوا من منطقة الخزر وليس لهم أي صلات تاريخية في فلسطين!
الخرافات أيضاً تثري أصحابها كثيراً وتملأ حساباتهم بالكثير من أموال المساكين، ألم تر كيف تزدحم بيوتات الدجالين والخرافيين بكثرة الناس ووفودهم؟ غير أنني أعتقد أن أكبر مستفيد من الخرافات في زمننا هذا هو إسرائيل أيضاً، هذه الدولة التي صنعت من حادثة تاريخية خرافة كبيرة لعقود من الزمن وأرغمت الناس بلا استثناء على وجوب تصديقها، ومن يشكك في مصداقيتها يتحول مباشرة إلى عدو لدود للسامية، هذه الخرافة عنوانها محرقة الهولوكوست، وهي فكرة تحولت مع الزمن لبقرة حلوب تدر لإ سرائيل واليهود بصفة عامة ملايين الدولارات سنوياًََ! وتستدر بذلك عواطف ومواقف شعوب العالم كافة والغربيين على وجه الخصوص! فو كوياما الأمريكي الجنسية الياباني الأصل أذاع خرافة قبل عدة سنوات عندما ادعى أن التفوق المادي الغربي حتمية تاريخية في كتابه «نهاية التاريخ» وأن الإسلام لا نفوذ له خارج الدول الإسلامية، فالشباب في برلين وموسكو لا يتطلعون إلى الإسلام كبديل، وأن مصيره كمصير المسيحية سيتضاءل مع الزمن وتسود العلمنة كبديل عنه! مهندسو صراع الحضارات أيضاً انتجوا لنا خرافة المواجهة بين الغرب والإسلام، والسعي في تحذير وتثوير الغرب من الحضارات الصاعدة وعلى رأسها الإسلام!
الخرافات تنشط كذلك في أوقات الأزمات والقلاقل، فبعد أحداث يوم الحادي عشر من سبتمبر المأزوم وإلى يومنا هذا لم تنفك وسائل الإعلام الغربية عن صناعة خرافة جديدة صنعها الإعلام الغربي بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني عن تورط المملكة العربية السعودية في أحداث الإرهاب تلك، مع أنها تكتوي وتصطلي بناره يوماً بعد يوم!
ادعاء أن الخرافة قد مضت وولى زمنها ادعاء زائف، فعالم اليوم وشعوبه تصنع لهم خرافات وأساطير من نوع خاص وتعولم بطريقة حديثة وعصرية لتصل للجميع بدون استثناء وعبر قنوات متعددة لتجد طريقها لعقول المساكين من أبناء هذه الأرض!
هذه الخرافات الاجتماعية والفكرية والسياسية كيف يمكن مواجهتها؟
طبعاً بزيادة الوعي واستيعاب دروس الماضي والحاضر، وتأكيد دور التربية والتعليم في إماتة هذه الخرافات، وتأسيس ثقافة علمية راشدة، والعمل على نشر ثقافة التفكير العلمي الناقد في أوساط الناشئة، كذلك تفعيل دور وسائل الإعلام في محاصرة تلك الخرافات وتفنيدها بطريقة علمية وواعية، المؤسسات الدينية أيضاً لها دورها الكبير في مواجهة هذه الخرافات والقضاء عليها في مهدها، وتكوين جبهة داخلية موحدة تقف أمام كل خرافة فكرية أو سياسية تواجه ثقافة المجتمع وتهدد أمنه وسلامة أبنائه لخطر الخرافة وصانعيها.
|