مما لاشك فيه، والملاحظ اننا أصبحنا نعيش في عالم ماديات بحت، انسلخ عن الانسانية الرأفة والرحمة.. وأصبح هدفه الاوحد الحصول على مورد أياً كان حلالاً أم بطرق اخرى.
آخر شيء ممكن ان يصدقه العقل ان تتحول المعاملة الانسانية الى شيء مادي صرف، وهذا ما رأيته في احد المستوصفات في مدينة جدة، اذ منعت ادارة المستشفى اي استشارة طبية إلا اذا دفع المريض ثمن الاستفسار! حتى لو كان الطبيب طلب من المريض اجراء بعض التحاليل الطبية..!
وأراد المريض مراجعة طبيبه في هذا الخصوص، فعليه ان يدفع ثمن هذه المراجعة!
ذلك ان بعض المصحات الخاصة نزلت ايراداتها وأصبحت لا تسد الاحتياجات وهناك عبء كبير عليها كما يقولون!
وأصبح استنزاف جيوب المرضى هو الطريقة المثلى لتعويض تلك الخسائر عن طريق مراجعة المرضى ودفع كشفية مرة أخرى.. وعلى حد قول احدهم فإن بعض الاطباء يدعو ليل نهار لمقابلة الزوار، وليزداد عبر العيادات العمل ذو العائد.
للأسف! هذا ما حدث ويحدث، ولقد ابتعدت هذه المهنة الانسانية عن اسمى معانيها، وأخذت نهج التجارة في تعاملها مع المرضى.. وكل ما يريده الأطباء او مديرو المستشفيات والمستوصفات تحصيل اكبر قدر من المبالغ حتى لو كان على حساب «المرضى العجزة».!
أليس غريبا ان تتبدل القيم والمفاهيم الرائعة، وتتحول الى شيء ذميم، خاصة إذا كانت تتعلق بشرف المهنة؟! ففي الماضي تغنى الكثيرون بمهنة الطب لما فيها من عمل انساني، وذلك بتخفيف آلام المرضى.!
لقد تبدلت الحال، فكم من الأطباء النزهاء الذين تمنعهم انسانيتهم وقسمهم في الاخلاص لهذا العمل الشريف لتخفيف اوجاع المتعبين!!
حقاً ان الحديث في هذا الموضوع لذو شجون وابعاد كثيرة، والصور المترائية لنا إنما تعكس تلك الضمائر المتهالكة، التي تحيا فوق الأرض وقد جردت من كل الفضائل والقيم.. اذ ماتت ضمائرهم وأصبح المال لديهم هو المحصلة الوحيدة في الحياة..!
تلك الضمائر والنفوس المتهالكة ألا يحق لنا أن نحاكمها محاكمة صارمة؟ لكننا نتساءل أين الرقابة.. والمسؤولون ليروا ماذا يحدث من اعمال غير انسانية في المستشفيات والمستوصفات؟!
ألا ينبغي أن تكون هناك متابعة دورية لتلك الأماكن حتى نوقف شلال الطمع والجشع الذي استحوذ على نفوس الأطباء وغيرهم ممن وراءهم؟
نحن بحاجة ماسة لتكثيف الرقابة ومعالجة الخلل، حتى نعيد لهذه المهنة مكانتها وقيمها كما كانت عليه في السابق!
ونحاسب المحتالين الذين شوّهوا أجلّ واشرف مهنة. ونعمل بقول الهادي البشير عليه الصلاة والسلام «إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه».
نسأل الله السداد في القول والعمل.
|