* القاهرة - مكتب الجزيرة - على البلهاسي طارق محيي:
بعد حوالي ثلاثة شهور من الفشل والاخفاق الذي تعانيه الولايات المتحدة في العراق تسعى واشنطن حاليا لانقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال الدعوة لمشاركة قوات دولية وإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة في العراق. استراتيجية واشنطن الجديدة والتي عرفت بمحاولة تدويل الوضع في العراق من وجهة نظر المحللين وسيلة امريكا الأخيرة للخروج من المأزق العراقي الذي وضعت نفسها فيه فالقوات الامريكية في العراق زادت خسائرها البشرية بسبب المقاومة والأوضاع تتجه إلى مزيد من التدهور في جميع المجالات والرئيس الامريكي بصدد مواجهة فضيحة سياسية بسبب كذب ادعاءاته بشأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل مما يعرضه لضغوط شديدة من قبل الكونجرس والرأي العام الامريكي وهو على أعتاب انتخابات رئاسية قادمة عام 2004.
ولكن هل تنجح امريكا في استقطاب دول العالم للمشاركة في قوات التحالف بالعراق؟ وهل يعني فتح باب المشاركة أمام القوات الدولية والأمم المتحدة إضفاء شرعية على الوجود الامريكي في العراق؟ وهل يمكن ان تشارك قوات عربية واسلامية؟
حول هذه التساؤلات استطلعت «الجزيرة» آراء نخبة من المحللين والمفكرين السياسيين وخبراء الاستراتيجية.
موقف عربي مشرف
في البداية أشاد الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري بتصريحات سمو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة في القاهرة مؤخراً وان المملكة سوف تؤيد إرسال قوات دولية إلى العراق بشرطين: الأول ان يصدر بتشكيل هذه القوات قرار من مجلس الأمن حتى يكون لهذه القوات تواجد مشروع والثاني ان يتم إرسالها بعد جلاء القوات الامريكية عن العراق.
وأكد الأشعل ان هذا الموقف يجب ان يكتمل بموقف آخر وهو ان العالم العربي يجب الا يشارك بقوات لحفظ السلام في العراق الا عندما يتعلق الأمر فقط بتأمين الأوضاع داخل العراق وحتى يتهيأ للشعب العراقي اختيار حكومة مسئولة ولا يجب مطلقا المشاركة بقوات تساند الاحتلال وتحميه من المقاومة وقال ان هذا الموقف يجب ان يكون موقفاً عربياً واضحاً خصوصاً وان الموقف يقدم الأساس الصحيح للموقف العربي الجديد بضرورة حث الولايات المتحدة على الاسراع بإنهاء الاحتلال وتمكين العراقيين من حكم أنفسهم وتقرير مصيرهم والمحافظة على الوحدة الاقليمية والوطنية للعراق.
وأوضح د. الأشعل ان مسألة تدويل امريكا لوضعها في العراق مسألة خطيرة لأنها ستؤدي إلى تكريس الاحتلال وتوريط المجتمع الدولي في خطأ كبير فبدلا من ان يساهم ويسعى إلى إنهاء الاحتلال سيكون طرفاً رئيسياً في تكريسه وإعطائه الشرعية لاستمراره إضافة إلى المشاكل التي ستثار حول قيادة القوات الدولية وأهداف وجودها في العراق.
وأشار إلى ان الولايات المتحدة تسعى الآن إلى الأمم المتحدة لسد ثغراتها وإضفاء صفه الشرعية على وجودها أي انها تلتحف بالشرعية الدولية وتريد ان تكون في ظل الأمم المتحدة.
وحذر د. الأشعل من التلاعب بالأمم المتحدة قائلا ان أمريكا تهمشها عندما تتعارض مع مصالحها وتلجأ إليها الآن لتخدم مصالحها وتيسر مهمتها الصعبه في العراق كما حذر من تشابك الدور الدولي مع دور الولايات المتحدة مؤكداً على ان الأمم المتحدة يجب ان تدخل العراق بعد انسحاب القوات الامريكية وأضاف الأشعل ان القوات الامريكية الآن هدفها وقف المقاومة العراقية والقضاء عليها وان القوات الدولية لو تدخلت في وجود القوات الامريكية فمعنى هذا مساعدتها على القضاء على المقاومة وهذا موقف غير صحيح لأن المواثيق الدولية تعطي الشعب العراقي الحق في مقاومة الاحتلال.
التدويل سياسياً
ويقول الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة لا أعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى إلى تدويل الوضع في العراق ولكنها تسعى جاهدة لإشراك أطراف دولية لاخراجها من المأزق الذي تعاني منه في ضوء تصاعد المقاومة العراقية يوما بعد يوم وفي ظل الحقيقة التي أدركتها وهي ان النفط العراقي لن يستطيع تغطية تكاليف الحرب وبقاء مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين إضافة إلى إعمار العراق وبالتالي وجدت امريكا ان الحسابات التي بنت عليها خطتها قبل غزو العراق حسابات خاطئة من الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والنفسية أيضا ... وهي تحاول الآن إشراك أعضاء آخرين معها للتغطية على هذه الخسائر.
وأشار فرحات إلى ان امريكا أعلنت بالفعل عن رغبتها في مشاركة عدد من الدول معها في مهام حفظ الأمن وإعادة إعمار العراق ووجهت دعوات بالفعل إلى بعض الدول ومنها الدول العربية واستبعد فرحات مشاركة الدول العربية أو الاسلامية بقوات في العراق خاصة في ظل رفض الهند القاطع ومعارضة فرنسا وروسيا والمانيا إضافة إلى ان الشعب العراقي سينظر لأي قوات تنضم لقوات التحالف في العراق على انها قوات معادية وقوات احتلال وحذر الدول العربية من مغبة اشتراكها في قوات التحالف.
وأكد فرحات أن القانون الدولي لا يضفي شرعية على جريمة احتلال قد وقعت بالفعل فغزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق هي جريمة ثابتة في حق الشعب العراقي وتمت دون إجماع دولي ودون صدور قرار من مجلس الأمن أو موافقة الأمم المتحدة فالأساس القانوني لوجود الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق غير موجود.
وأوضح ان مسألة التدويل ستكون سياسية بالدرجة الأولى حيث ستقوم الدول المعارضة والرافضة للتدويل باعادة حساباتها من ناحية المكسب والخسارة وماذا سيعود عليها من مكاسب في حال مشاركتها في حفظ السلام في العراق والمشاركة في إعادة الإعمار وان هذه الناحية الاقتصادية قد تنجح فيها امريكا وتستدرج عن طريقها الأقطاب المعارضة وهي فرنسا والمانيا وعدد من الدول الأخرى وأكد ان الولايات المتحدة وجدت نفسها الآن في واقع عسكري ووضع سياسي واقتصادي غير قادرة على تحمل تداعياته ولذلك فإنها ستلجأ سياسياً إلى إنجاح مهمتها بتدويل وضعها في العراق بكافة السبل المتاحه لديها.
احتلال غير مشروع
وأوضح السفير عصام الدين حواس مندوب مصر الاسبق لدى الأمم المتحدة ان الشرعية الوحيدة المتاحه حاليا للولايات المتحدة هي انسحاب قواتها من العراق وترك العراقيين يحكمون أنفسهم أما غير ذلك فكلها أعمال لتبرير وجود القوات الامريكية والبريطانية في العراق وقال حواس نحن الآن أمام احتلال عسكري امريكي بريطاني للعراق وسواء كان مدعما بقوات دولية أو حتى من الأمم المتحدة فإن ذلك لا ينفي صفة الاحتلال غير المشروع للعراق.
وقال حواس ان الأمم المتحدة أصدرت القرار رقم 1483 الذي ينظم بعض الأوضاع في العراق خلال الفترة الانتقالية ولتسهيل الأمور لحين انسحاب القوات الامريكية والبريطانية من العراق وهذا القرار لا يعطي مشروعية لبقاء القوات الامريكية أو تكريس الاحتلال ولكنه ينظم الأمور لحين الانسحاب وشدد حواس على أهمية دور الأمم المتحدة في إعادة بناء العراق وعودة مقاليد السلطة إلى الشعب العراقي مؤكداً ان الأمم المتحدة موجودة ولها دورها في المجتمع الدولي والدليل على ذلك ان امريكا ستلجأ إليها في محاولة لإضفاء الشرعية على تواجدها في العراق ولا أعتقد ان الأمم المتحدة ستساهم في هذا لأن امريكا وبريطانيا دولتان مارقتان ومخالفتان لمواثيق الأمم المتحدة بغزوهما وقال انه مع عدم اعترف الأمم المتحدة بالاحتلال الامريكي للعراق ومطالبتها امريكا وبريطانيا بالانسحاب وإصدارها القرار 1483 فإنه على امريكا ان تنسحب من العراق ولا تتحدى الشرعية الدولية مرة أخرى وتتحايل على القانون الدولي لتبرير الاحتلال.
وأكد حواس على أهمية دور الجامعة العربية في إعادة بناء العراق وعدم السماح لأي دولة عربية بالمشاركة بقوات مع قوات التحالف واستبعد حواس ان تشارك أي دولة عربية أو اسلامية في مسألة تدويل الوضع الامريكي في العراق في حين لم يستبعد ان تشترك دول أخرى مثل فرنسا وروسيا وغيرها في هذه القوات الدولية لأنها ستحسبها من ناحية المكاسب الاقتصادية في إعادة بناء العراق مؤكداً انه لو نجحت الولايات المتحدة في تدويل وضعها فإنها لن تنجح في إضفاء الشرعية الدولية على احتلالها للعراق.
توريط الآخرين
من جانبه أكد الدكتور هشام صادق استاذ القانون الدولي بجامعة الاسكندرية أهمية إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة فيما يتعلق بالمسألة العراقية مستنكراً ان يظل دور المنظمة الدولية مقتصراً على أعمال الإغاثة الانسانية وترك الأمر لقوات الاحتلال الامريكي البريطاني لتقرير مصير الشعب العراقي.
وأشار إلى ان تحديد دور الأمم المتحدة في المسألة العراقية لا ينبغي ان يكون بقرار امريكي ولكن بقرار من مجلس الأمن الذي لابد له من اتخاذ خطوات فاعلة من أجل تسوية الاوضاع في العراق وعلى هذا لابد من صدور قرار دولي جديد يزيد من صلاحيات الأمم المتحدة ويفتح الباب لمشاركة دولية واسعة في العراق من أجل وقف الأوضاع المتدهورة هناك بسبب ممارسات قوات الاحتلال.
وقال ان الأمم المتحدة مازال بامكانها ممارسة دور فعال بعيداً عن الهيمنة الامريكية ولعل صدور قرار جديد من مجلس الأمن لفتح الباب أمام المجتمع الدولي للمشاركة في الملف العراقي سيمكن المنظمة الدولية من ممارسة دورها الذي افتقدته بعد حرب العراق التي خرجت من تحت إرادتها.
وأكد صادق انه سواء شاركت الأمم المتحدة أو شاركت قوات دولية فإن هذا لا يعني إضفاء شرعية على الوجود الامريكي في العراق فهو وجود غير شرعي وغير قانوني بالمرة وان هذه المشاركة ستكون لوقف تدهور الأوضاع فقط الذي تسبب فيه الاحتلال وربما استخدمت امريكا سلاح عقود الإعمار لإغراء قوات دولية بالمشاركة وقوات عربية على وجه الخصوص ولكن موقف هذه الدول سيتوقف على مصالحها في المشاركة من عدمها وموقفها من محاولات فرض الهيمنة الامريكية أما موقفنا كعرب فلابد ان يكون رفض إرسال مثل هذه القوات لأن الهدف هو توريطنا في الأحداث لأخذ صدمات المقاومة وربما تزايد الغضب الشعبي العراقي تجاه هذه القوات المشاركة وهذا ليس من مصلحتنا كعرب.
|