* أبها سعيد آل جندب:
استضاف نادي أبها الأدبي يوم الاثنين 5/7 1424هـ الزميل الكاتب والقاص عبدالحفيظ عبدالله الشمري في محاضرة بعنوان «تراجع العمل الأدبي أسبابه ومعوقاته «الخطاب الإبداعي نموذجاً» وقدم للمحاضر القاص علي فايع الألمعي الذي أعطى لمحة عن أهمية العمل الأدبي ثم قدم لحياة الضيف ونتاجه الأدبي.
إثر ذلك بدأ المحاضرة وقال في البداية تجمع طروحات المنظرين والدارسين على ان الثقافة فقدت بعض مميزاتها وذلك بفقد الكثير من أدوارها، فمؤشرات هؤلاء الباحثين تؤكد أن هذا التحول قد جعلها تأخذ منحى آخر غير ما هو متعارف عليه بل ان هناك من يقول ان الأدب هو من أهم أدوار الثقافة وأخطر تياراتها قد أصابه الشلل حتى لم يعد ذلك الرافد أقوى للثقافة فيما يرى الفريق الآخر ان مفهوم الثقافة أخذ منحنى واسعاً بدأ بضم كل ثقافات الشعوب وعاداتها.
ثم قال المحاضر ان محاضرته تضم أربعة محاور وهي:
1 إشكالية التأريخ الثقافي .. قضية الهيمنة.
2 مصير الثقافة المحلية وارتباطها بثقافة الآخر.
3 جدلية الاستهلاك وفرضياته المدمرة
4 تراجع الخطاب الإبداعي ومحفزات عودته ببناء جديد.
ومما جاء في ورقته الأولى قوله ندرك قضية الهيمنة التي بدأت تظهر بشكل واضح وعلني. فقد أصبح الحديث عن «العولمة» جزءاً من ثقافة المجتمعات حتى أصبحت الصورة أكثر فجاجة وقوة، لتجعل من العالم حالة نشاز في توليفة الغناء الغربي الذي لا يرى إلا حياته وعاداته وثقافته كما يقول الباحث الدكتور فيصل دراج في إحدى مقارنته لا تخلو كلمة العولمة من التباس أكيد حالها كحال تعبير «الثقافة العالمية» التي سيستها، فالثقافة العالمية التي تنتسب لفظياً الى العالم وفعلياً الى أوروبا تساوي ضمناً بين أوروبا والعالم .
وقال ان من الهيمنة على منطلقات الثقافة بشكل عام لتأخذ شكل التسطيح والهشاشة لأسباب تجارية صرفة تدخل في التركيب إنتاج أدب لا ينطلق من معايير أدبية وثقافية جوهرية يرعى بكل أسف الجانب الاستهلاكي.
وعن تحول الثقافة المحلية وارتباطها بثقافة الآخر فقال إن ثقافتنا المحلية اضطرت مرغمة وعلى يد بعض المنظرين النفعيين الى أن تحاكي الآخر رغبة في الخروج فيما يبدو من نفق الهامشية المعتم ولكن لم يجد نفعا ما زال يعاني من كساد وقلة في التناول وشح في المساندة فيما ينفق على غيره أضعافاً مضاعفة.وعن جدلية الاستهلاك وفرضياته المدمرة يقول المحاضر ندرك حقيقة ان المجتمع العربي قد تحول بشكل سريع الى مجتمع استهلاكي، إلا انه لا يزال ينظر الى هذا التعليق بالقشور وكأنها منتج ثقافي ومعرفي كبير في وقت يعجز فيه المنظرون والمثقفون عن أسباب التكالب على المادة والقشور الحضارية.وقد أصبح هناك خلط بين الكتاب والألعاب المسلية فكل ما يعرض هو سلعة سوق طالما أنها معروضة في مقابل العولمة ورغم وجود الإبداع لدى المتلقي النخبوي فقد تم استدراجه واستقطابه في حسابات العرض والطلب.وعن تراجع الخطاب الإبداعي ومحفزات عودته ببناء جديد فقد اعتمد المحاضر على رأي المفكر الدكتور تركي الحمد بأن قضية التراجع الثقافي والمعرفي على هذا النحو بأنه قد يصف البعض هذه الثقافة العالمية الجديدة الآخذة بالتشكل أنه ثقافة سطحية أواستهلاكية أو غزو ثقافي أو مادي أو غير ذلك ولكن مهما كان الوصف المعطي فقد نشجب هذه الثقافة ونرفضها ولكن مع ذلك فقد لا نوقف زحفها طالما أنه لم يوجد في الثقافة ما ينافسها في عصر متغيرات متسارع.
وقال المحاضر لقد غرق الخطاب الإبداعي في المتغيرات واختلطت الأصوات فيه وكثر التجريب بحدود قد لا تسهم بتوجيه نحو القارئ بسلام وقد يعترض الانتشار الجميل كثير من المثبطات.ويقول الدكتور محمد الجابري الذي استشهد برأيه المحاضر حول تراجع الخطاب الإبداعي تلك التي تتمثل باشكالية الأصالة والمعاصرة حيث يرى ان هذا التشاغل في تحديث كيفية تعاملنا مع التراث جعلنا نبتعد عن النص في وقت بات من الضروري ان يذهب المبدع الى ما يقيد نصه من التراث، وأن تكون الحداثة خطاباً تنويرياً يساعد على البناء وتحقيق معادلة الأصالة والمعاصرة في بناء معادلة الإبداع التي هي هدف الدراسة المقدمة.وقال المحاضر وهناك رؤى تلقي اللائمة على المبدع بل وتحمّل الكتاب والكاتب ما لا يحتمل فحيناً ترى هذه الطروحات ان الأدب والإبداع انعكاس لما هو عليه واقع الثقافة وحيث تطالبه بان يرفع من الذائقة ويستميل القارئ نحو الكتاب، وهناك من يقدم واجب العزاء في هذا الشهيد الذي قضي في معركة العولمة.
وقد نقول لعشاق الكتب احرقوا ما لديكم على الرغم من كثرته بعد ان حشرت الكتب في الرقائق الإلكترونية والألياف الضوئية ونقلها بكف واحدة.
وقد اعتمد المحاضر عبدالحفيظ الشمري في محاضرته على آراء كلٍ من الدكتور عبدالله الغذامي والدكتور فيصل دراج والدكتور ادوارد سعيد وهادي المدرس والدكتور تركي الحمد والدكتور محمد عابد الجابري والدكتور شاكر مصطفى.
ثم ختم بقوله:
من كل ما سبق نستخلص ان أدبنا وثقافتنا بحاجة الى مشروع حضاري ثقافي ربما ما زال ينادي به الكثير من الباحثين والدارسين والمثقفين والكتاب والقراء، يتمثل في مشروع إبداعي صرف، قد يكون من وجهة نظرنا هو «المشروع الروائي» الذي تتوافر به عناصر النجاح لأن هذا المشروع السردي قادر على استلهام التراث وتطوير الحكاية وتقديمها، في وقت يمكن للرواية بوصفها الفن الأدبي الحديث ان تسجل حضورها في خضم هذا التحول الجديد الذي لا يقبل إلا الطروحات المؤثرة واللافتة، كيف لا وهذه الروايات تنهل من معين تراثنا المشبع بالحكاية التي يتفنن الحكاء في سرد تفاصيلها لتخرج بطريقة فاتنة شيقة تستحق التسجيل.
قد تقوم قائمة الشعر وتنهض قامة القصة القصيرة، وتتورد طروحات الكتاب وتزهو لوحات التشكيليين وتبتكر عقول الفنانين روعة النحت والعمارة والتخطيط لكن.. هل ستسلم من طوفان العولمة الذي يريد لها ان تكون كما أشرنا مجرد سلعة كيف لنا أن نوائم بين فننا العريق وبين تحولات الزمن من حولنا؟ إنه سؤال بحجم هذه المعضلة التي تعيشها الكلمة المعبرة في العالم، فكيف يتسنى لنا أن نتعايش مع هذا المارد المسمى زمن الثقافة العالمي.. هل ستجدي المثاقفة التي نادى بها المفكرون المصلحون؟
هناك من يبشرنا بأن الحل غير صعب فالعودة الى قيم الثقافة الأصيلة من خلال نظرة فاحصة لا تلغي أو تجتزئ أو تهمش الآخر.. فهي كفيلة بترتيب مفردة الخطاب الإبداعي الذي يحتاج منا الى وقفة تتمثل بالتشديد على دعم كل منجز أدبي، فالرواية والقصة والقصيدة والكتابة يجب لها ان تسير بطريقة تنموية يراعى فيها الأسلوب الأمثل وتقدم فيها الطروحات، بل وندعم مالياً بشكل واضح من أجل ان تحقق شرطية التواصل.الاهتمام باللغة العربية والتشجيع على تعلمها هو ركيزة من ركائز الطرح الأدبي، لكن من الواجب ان تكون طرق التعليم مبتكرة تحقق الفائدة المرجوة، وكذلك التخلص من عقد الماضي تلك التي تسوغ مشروعية الارتماء بأحضان التراث دون تفكير أو انتقاء، فنحن نعرف ان بلدا مثل لبنان تداهمه الحضارة والعولمة وتشرق فيه زوابع العصر وتغرب الا ان هناك مشروعا تعليمياً يتعلق باللغة العربية وآدابها وفنونها يحقق نجاحات باهرة ويخرج طاقات تدير شؤون الثقافة والإعلام بشكل لافت، فلماذا لا يكون لدينا مشروع ثقافي جديد يحقق للأجيال بعض ما يبحثون عنه في اللغة والأدب والإبداع؟.
|