كتبت صحيفة «الرأي العام» الكويتية تقريظا للمجلد الثالث من مذكرات ديغول جاء فيه:
ظهر من جديد المجلد الثالث من مذكرات ديغول قبل الاوان الذي كان محدداً، فإن دار «بلون» للنشر بذلت اقصى الجهود لكي يصدر الكتاب على جناح السرعة، وتتألف هذه الطبعة من مائتين وخمسين ألف نسخة ويرجح ان تنفد سريعا، وقالت دار النشر انها ستعيد طباعتها وتتوقع ان تبيع منه مليون نسخة في غضون سنة.
يتعلق هذا المجلد بالمدة الواقعة بين مايو 1958 ويوليو 1962 أي بين رجوع الجنرال ديغول إلى الحكم واستقلال الجزائر.
ثلث الكتاب مخصص لمرحلة تصفية الاستعمار وهو زاخر بالنوادر والقصص فمعروف ان الجنرال ديغول اشتهر برواية القصص والحوادث بأسلوب مشوق جداً، وتظهر فكرته السياسية بصورة أوضح من خلال هذه القصص.
كتب ديغول في الفصل المفرد لبلدان ما وراء البحار:
- عندما رجعت الى الحكم كنت قد عزمت على اخراج فرنسا من القيود التي فرضتها عليها امبراطوريتها، وبالنسبة لرجل في سني وله أسلوبي الثقافي كان قاسيا جدا على ان أتولى هذا التغيير الجذري.
لكن وطنية ديغول مرتكزة دوما على روح واقعية بدليل هذه العبارة الواردة في الكتاب:
- كنا قد أنشأنا في أراضي ما وراء البحار أجهزة مركزية لكي تكون صورة للدولة القومية المؤلفة من نخبة مختارة، بدلا من الانقسامات االفوضوية السابقة وينبغي القول ان التضامن الظاهري بين البلدان النامية ودعاية امريكا وروسيا والصين ووعودها كانت عوامل عجلت تلك المرحلة. علما أن هذه الدول كانت متنافسة فيما بينها.
هكذا اعتبر الجنرال ديغول أن تصفية الاستعمار ضرورة من ضرورات التاريخ. ولكنه لم يكتف بذلك بل عمل على تشجيعها، وفي كتابه عدة صفحات تشهد بأن حكومته لم تقتصر على الخضوع للحوادث مثل الماضي بل أرادت أن توجهها.
وأبت فرنسا في عهد ديغول أن تمنح الاستقلال للدول المستعمرة، تحت ضغط الهزيمة العسكرية كما حصل بعد معركة ديان بيان فو.
ولذلك اعتمد ديغول المفاوضة في كل مكان وبين في كتابه الفروقات بين تصفية الاستعمار في افريقيا السوداء وفي الجزائر والوجوه المختلفة في القضيتين.
ووصف وصفا دقيقا جولته في أفريقيا السوداء والترحيب الذي لاقاه لدى مختلف الرجال الذين أصبحوا فيما بعد رؤساء دول أمثال هوفوات بوانييه وسيكوتوري.. وفسر الحقيقة فيما يتعلق بعبارته الشهيرة «لقد فهمتكم» وهي عبارة كان قد لفظها من شرفة مقر الحكومة في عاصمة الجزائر يوم 4 يونيو (حزيران) سنة 1958م:
- صرخت في ذلك اليوم: «لقد فهمتكم» لكي اتصل اتصالا وثيقا بالنفوس ووصفت حركة مايو (أيار) التي خلعت الجمهورية الرابعة. واني اعتبر أن تلك الحركة كان لها دافعان من أنبل الدوافع: التجديد والاخاء.
هكذا تأكد انه ينبغي فتح سبل كانت مغلقة وتوفير وسائل العيش للذين كانوا محرومين منها والاعتراف بالكرامة للذين سلبت منهم الكرامة وتأمين وطن للذين باتوا في شك من وطنهم، حينئذ حياني الجمهور بتحيات صاخبة مع ان الافاق التي فتحتها كلماتي لم تثلج صدر عامة الجمهور اذ كان ثلاثة أرباعه فرنسيا بين الحاضرين في الساحة.
وكان الجنرال ديغول يعرف انه انما عاكس الرأي العام ولكن معاكسة مؤقتة فقط لم يكن يجهل ان الفرنسيين زهقت أرواحهم من كثرة الحروب وراء البحار فسعى إلى ارجاع الثقة في النفوس:
- كل واحد يدرك هذه المرة أن فرنسا انما تتكلم بملء السلطة وملء السخاء.
وكل واحد يرى انه بعد الهزة العنيفة انتعشت الدولة ونهضت وفرضت ذاتها وكل واحد يشعر ان الجنرال ديغول ينبغي له مهما حصل أن يحل المشكلة.
وأحسن صاحب المذكرات وصف شخصيات رؤساء الدول فقد وصف الملك محمد الخامس كما يلي:
- كان قد شكرني منذ القديم لاني صنت كيان فرنسا وشرفها وفتحت السبيل للمغرب الاقصى كي يصون كيانه وشرفه ايضا.
وكتب في الرئيس بورقيبة هذا الوصف:
- أرى مقابلي رجلا يعرف العراك والسياسة، ورئيس دولة انما شخصيته ومطمعه يجاوزان حدود بلاده. وقد اندمج في القضية العربية والإسلامية الكبرى رغم ثقافته الغربية وفكره الحر النقاد.
نذكر أخيرا أن المجلد الثالث من مذكرات الجنرال ديغول سينقل إلى العربية والانجليزية نظير المجلدين السابقين.
|