لا شك أن أفعال العنف والتدمير التي تتسبب في إزهاق أرواح الأبرياء والآمنين، لهي أعمال لا يقرها شرع ولا دين، فمثل هذه الأعمال لا يقتصر ضررها على من يقع ضحية لها فحسب، بل ان ذلك يؤدي «بدرجة ما» إلى الإخلال بحالة الأمن، وإلى ترويع المواطنين الذين تعودوا الحياة الآمنة في هذا البلد، وذلك بفضل الله ثم بفضل قيادته الحكيمة، التي لم تبرح يوماً من الأيام في بذل كل ما يحقق لهذا البلد الحياة الآمنة الكريمة. والأمن يُعد من أهم الركائز التي لا تستقيم حياة الإنسان بدونها، والأمن يشير إلى حالة من الاستقرار الاجتماعي يشعر الإنسان خلالها بمأمن من اعتداء أخيه الإنسان سواء أكان هذا الاعتداء على دينه، أو نفسه أو ماله أو عرضه، فالإنسان الآمن هو الذي تخلو حياته اليومية من أي توقعات بالاعتداء عليه، والأمن حالة نسبية تتحقق في المجتمعات الإنسانية بدرجات متفاوتة، فقد تتحقق في مجتمع بدرجة كبيرة، وقد تتوفر في مجتمع آخر بدرجة متوسطة، وقد ينعدم وجود الأمن في مجتمعات أخرى.
وقد أكدت الشريعة الإسلامية الغراء على تحقيق أمن الفرد والجماعة، لذا حُرم الاعتداء على النفس والمال والعرض، ولم يبح الإسلام أياً من أساليب الاعتداء على الغير بغير وجه حق قط، في حين جعل العقاب لمواجهة الأفعال المخالفة لمعايير التشريع وذلك بما يتناسب مع الجرم، وبعد استيفاء كامل الأدلة والبراهين، كما ان تحديد الجرم والعقاب الملائم وتنفيذه لم يترك أمره للأفراد، بل قصر ذلك على من تولى أمر المسلمين. وهكذا الأمر بالنسبة للقرارات الكبرى مثل الجهاد في سبيل الله ومحاربة الأعداء، فإن علماء المسلمين يرون ان ذلك يرتبط بإذن ولي الأمر، إذ ان ولي الأمر في موقع يمكنه من تقييم الظروف من خلال معايير ومعطيات لا تتوفر لدى الفرد العادي، فالحاكم على صلة بعلماء الأمة وأهل الرأي فيها، وهو أدرى بمدى جاهزية القوة العسكرية، أخذاً بالتوجيه القرآني {وّأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم}، هذا إلى جانب مسؤولية الحاكم في الموازنة بين المنفعة والضرر الذي قد ينال الأمة، وهكذا فالقرار في مثل هذه الأمور لا يمكن ان يتخذ من خلال اجتهادية فردية، أو من خلال مجموعة انسلخت عن جماعة المسلمين، وعليه فأي فعل عنف داخل بلاد المسلمين يُدّعى به الجهاد بعيداً عن ما يأمر به ولي الأمر لا يخرج عن كونه ترويعا للآمنين وجريمة في حق البلد والمواطنين.
والأفعال التي تستهدف الأبرياء لا يقرها شرع ولا دين، وتصنف اليوم من قبل معظم مجتمعات العالم على أنها أفعال اجرامية، أي تلك الأفعال غير المشروعة التي تتسبب في تدمير منشآت أو قتل أبرياء أو ترويع آمنين بدون وجه حق، ويتفق الكثير من المحللين في مجال السلوك الإنساني على ان مصطلح «الإرهاب» هو في الأصل مفهوم غربي صرف، إذ يطلق على استخدام العنف والتدمير من قبل مجموعات أو تنظيمات أو من قبل حكومة، وذلك كوسيلة لتحقيق بعض الأهداف، أو لمجرد إحداث ضغوط سياسية معينة، والإرهاب بهذا الوصف يختلف تماماً عن سلوك مقاومة الشعوب للدفاع عن حقوقها. والسلوك الارهابي برز في حقب مختلفة من تاريخ المجتمعات الغربية، ومازال يمارس من وقت لآخر داخل بعض هذه المجتمعات، إلا ان المستغرب في الأمر هو ان الكثير من الدول الغربية بدأت تحجم عن اطلاق مسمى الإرهاب أو الإرهابيين على الجماعات ذات الأصول الغربية (المسيحية) بينما لا تتردد هذه الدول في إطلاق لفظ الارهاب (أو مرادفاته) على أي جماعة أو تنظيم لا ينتمي إلى العالم الغربي المسيحي، وتحديداً وفي الآونة الأخيرة بدأ الغرب يستحسن إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، وذلك من خلال مخطط كيدي ماكر. ورغم ان تاريخ الأمة الإسلامية شهد على مر العصور أجواء متباينة من حالات الاستقرار والتذبذب السياسي إلا ان تاريخها لم يسجل أفعالاً ينطبق عليها أوصاف السلوك الإرهابي كما هو معروف في الوقت الحاضر، مما يؤكد أن مثل هذه السلوكيات غريبة وشاذة عن المجتمع الإسلامي.
ولكن يبدو انه منذ انهيار القطبية السياسية بتفكك الاتحاد السوفيتي، وما ترتب على ذلك من تغيير جذري في موازين القوى الدولية، جند المعادون للإسلام قوى ونوازع الشر لديهم محاولين بذلك محاربة الإسلام، وذلك ظناً منهم بأن العالم الإسلامي بموارده الطبيعية، وبحجم سكانه وبتجاور أقطاره قد يشكل قوة عظمى لا تضاهيها قوة، وبالتالي يسهل على هذا الكيان «العملاق» وفقاً لما يظنون التحكم والسيطرة على مصير الشعوب الأخرى. ولهذا السبب فقد برز الكثير من صور محاربة الإسلام وتقليص نفوذه، وليس هنا مجال حصرها، لكن من بين ما قام به الغرب لتحقيق مخططه العدائي هو التعرف على ضعاف النفوس والمغرر بهم من أبناء المسلمين، واحتضانهم في بعض البلدان الغربية، وكأن الغرب متفق على ضرورة ايوائهم وتحريضهم على بلدانهم مع تقديم المساعدات اللا محدودة لهم، وذلك طالما ان هؤلاء الأفراد قادرون على القيام (بشكل مباشر أو غير مباشر) بأفعال تتقاطع في النهاية مع مصالح هذه الدول المضيفة لهم.
ولذا بالفعل ظهر على مدى السنوات الماضية الكثير من الجماعات التي تدعي تصحيح الدين، أو اصلاح المجتمعات، والبعض منها بدأ يتطاول على العلماء، فيكفر هذا ويتهم ذاك، وآخرون يحرضون على الفتنة وينادون بثورة الشعوب، ولا أحد في الحقيقة ينكر ما أفرزته «جماعات المهجر» من أفكار ورؤى منحرفة، استطاعت بواسطتها جذب بعض الشبان من أبناء المسلمين ومن ثم توجيههم لتنفيذ أعمال تدميرية وتخريبية هنا وهناك أدت في النهاية إلى الإضرار الواضح بالأمة الإسلامية.
والسلوك الإرهابي قد يظهر كنتيجة لعدة أسباب منها: تنفيذ سياسة دولة معادية، الشعور بالاضطهاد والظلم، الغلو في الدين، الصراعات الاقليمية، التعصب ضد الأقليات، وقد يظهر الإرهاب كنتيجة لسلوك مرضي لدى بعض الأفراد، كما انه قد يبرز نتيجة لعدة عوامل مجتمعة.
أما من ناحية مكافحة ومعالجة سلوك الارهاب: فينبغي ان يكون على محورين الأول يتمثل في محور المكافحة، وهذا يتضمن تكثيف يقظة الجهات الأمنية المختصة بمراقبة الأنشطة المشبوهة، والتصدي لأعمال التخريب أو الأعمال التي تهدف إلى ترويع الآمنين أو السعي لإحداث زعزعة لأمن البلاد. كما يتضمن ذلك ضرورة تعاون المواطن مع جهات الأمن المختصة، إذ بتعاون المواطن مع جهات الاختصاص ستضيق الفرصة حتماً على كل من يفكر في النيل من أمن واستقرار هذه البلاد.
أما المحور الثاني فيتمثل في علاج ظاهرة الإرهاب، وموضوع العلاج هنا يتطلب الوقوف على جذور المشكلة من خلال التشخيص السليم لها، وهذا الأمر لا يمكن ان يخضع للآراء الفردية، أو للانطباعات الذاتية، وإنما يجب ان يتم من خلال أصحاب الاختصاص والخبرة. وما يمكن قوله باختصار في هذا الموضوع هو ان الكثير من علماء النفس يرجحون أثر التعلم في اكتساب السلوك الإرهابي، والإرهاب رغم وضوح الناتج السلوكي المرتبط به (مثل التدمير، والقتل، وترويع الآمنين) إلا ان هذا السلوك بحد ذاته لا يتكون في الغالب عن طريق عملية تعلم قصيرة، وإنما لابد ان يخضع لسلسلة معقدة من عمليات التعلم واكتساب السلوك، وبصورة أساسية من خلال التدعيم والنمذجة الفعلية والرمزية إلى جانب ما يصاحب ذلك من دوافع ومحرضات معينة، وبالتالي إذا ما أردنا التعامل مع هذه الظاهرة من منظور نفسي فلابد ان نعود ونتتبع منظومة التعلم التي ارتكز عليها سلوك الإرهاب، فالشخص الذي يمارس الإرهاب ضد الوطن لابد وان تشرب أفكاراً مناوئة وتعرض إلى نماذج مخالفة لفكر وعقيدة مجتمعه. ومن هنا يتوجب تحصين أفراد المجتمع، خصوصاً الشباب منهم، من خطر التعرض إلى النماذج ذات الفكر المناوئ سواء داخل الوطن أو خارجه. ومن ناحية أخرى يتوجب النظر إلى العوامل الأخرى التي قد تقود إلى سلوك الإرهاب، حيث تشير بعض البحوث التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم إلى ارتباط بعض صور الإرهاب بعوامل اجتماعية واقتصادية متنوعة، مثل البطالة، وتردي الحالة المعيشية لبعض شرائح المجتمع.
وفي بلادنا، نجد ان الدولة التي استطاعت استتباب الأمن بفضل الله لحقبة طويلة من الزمن دون حدوث مثل هذه الأفعال الشاذة والغريبة على البلاد، قادرة
بعون الله تعالى على الوقوف بحزم ضد كل من يحاول الإساءة إلى أمن البلاد.. أدام الله لبلادنا أمنها وعزها وحفظ قادتها من كل مكروه.
|