بقرار إنشاء جامعات سعودية أخرى تضاف للجامعات السعودية الموجودة تكون المملكة قد دخلت عهداً جديداً في التعليم العالي تسعى من خلاله إلى توفير التأهيل العالي في المستويات العلمية لكثير من الطلبة الراغبين في إكمال تعليمهم لكن يحول بينهم وبين ذلك معوقات كثيرة منها عدم القبول، ومشاكل الحل والترحال، وتركيز التنمية في المملكة بكافة صورها في الفترة السابقة على المدن الرئيسة دون غيرها من المدن والمحافظات ولأن راعت المملكة مثل هذه النقاط، وأخذتها في الحسبان في مراحل التخطيط اللاحقة، واستطاع المخططون أن يحققوا بعض الأهداف في التنمية الشاملة لكل البلاد، سواء في الصحة أو العمل أو التعليم أو غيرها من المجالات الأخرى إلا أن الواضح من الجوانب العملية لتلك التنظيرات العلمية هو الجانب التعليمي ابتداء بمدارس التعليم العام، وانتهاء إلى مؤسسات التعليم العالي، وبذلك تكون وزارة التعليم العالي قد قفزت قفزات رائعة بقيادة وزيرها النشط الخبير صاحب المعالي الدكتور خالد العنقري، والذي استطاع في فترة قياسية أن يتخطى بعض الجوانب الروتينية والأخرى البيروقراطية، وما بينهما من تشكيل لجان عمل طويلة المدى قد يؤسر الموضوع فيها بحثاً ودراسة ثم يحكم عليه بالإعدام، وغير ذلك من أمور لا تخفى في ظل انعدام الحس الوطني في العمل والإصلاح والتقويم، ولذا كان معالي الوزير شعلة نشطة لخدمة الصالح العام، ذلل العقبات، ورسم الطريق، وجند الإمكانات المتاحة، واستنهض الهمم، ووجه العمل لما فيه الخير للأمة المتعلمة بمجموعها فكان إنشاء هذه الجامعات في عهده مجداً يضاف إلى إنجازاته، وتعدد الكليات العلمية، والتطبيقية والاجتماعية، الأهلية منها، والحكومية، في المحافظات، بله المدن وهي لبنات ذهبية في أبنية الوزارة العلمية، كما أن صدور الأنظمة واللوائح المنظمة للأعمال العلمية الجامعية بكافة جوانبها ومجالاتها في ثوب جديد متطور قضى على كثير من السلبيات السابقة، وأبقى على الإيجابيات البناءة، وأضاف كل مفيد في كل ما يخدم العملية العلمية يضاف إيضاً إلى سجل الوزير الناصع، وذلك كله وفق التوجيهات السامية والتعليمات الحكيمة من قبل قيادة هذا البلد المعطاءة، بدءاً من رجل التعليم الأول خادم الحرمين الشريفين وعضديه الأمينين وكل المسؤولين المخلصين، الذين سخروا جهدهم ووقتهم إلى كل ما يحقق مصلحة أبناء وبنات هذا الوطن.
وفي هذا السياق أتوجه إلى معالي وزير التعليم العالي ببعض الملاحظات والاقتراحات فأولاً: الجميع يعلم أن الوزارة غدت اليوم من أهم وأكبر الوزارات الموجودة على الساحة، فالتوجه العلمي، والتطور المعرفي، والأخذ بأهداب التقنية، وتعزيز البحث العلمي الذي تقود سفينته هذه الوزارة، والارتقاء بالعمل الأكاديمي، واستخدام الوسائل المتطورة في الشرح والتحليل والتدريس والبحث ذلك كله من الأهداف الرئيسة للخطط التعليمية في الدولة، وهذا ما يجعل الحمل الملقى على الوزارة كبيراً جداً يستوجب السرعة في تشجيع البحث العلمي بكافة صوره، وتوفير كافة الإمكانات والتجهيزات اللازمة لدفع عجلة البحث والتدريس وتشجيع وإبراز التخصصات العلمية والتطبيقية، وتوفير الوسائل المتطورة في البحث والتعليم، واقتحام مجالات التقنية والتخصصات ذات الطبيعية التقنية التطبيقية، والإسهام في إجراء البحوث الأصيلة والمبتكرة التي تسهم في إثراء المعرفة المتخصصة وتخدم المجتمع.
ثانياً/ التجهيز من الآن لما تتطلبه الحاجة مستقبلاً وفق المنظور الاستشرافي لسياسة التعليم العالي في المملكة، وبالأخص توفير الأساسيات والمرتكزات في البناء العلمي لما سوف يتم افتتاحه من الجامعات في الوقت القريب والبداية من حيث انتهت الجامعات القائمة، وبخاصة في التركيز على التعليم المطلوب نوعياً وكمياً وعدم الهدر فيما الإنتاج فيه هدر في الطاقة والعمل والتوجه العلمي، وهنا أشيد بصورة خاصة بما قامت به جامعة الإمام من افتتاح كليات يحتاجها أبناء المجتمع في العلم والعمل ككلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات، أو كلية اللغات والترجمة واستوعبت فيهما على حداثتهما قدراً كبيراً من الطلاب والطالبات مع الريادة - بتوجيه من معالي المدير - في كون غالب أعضاء هيئة التدريس فيهما من السعوديين، وهو ما يسجل لصالحها إذا ما رأينا أخواتهما في الجامعات الأخرى يثقل كواهلهن الكثير من المتعاقدين.
ثالثاً/ الدراسة الجدية للأنظمة واللوائح المنظمة للعمل الجامعي بصورة متكررة وذلك لأن تكون مرنة متطورة تستوعب الأحداث وتكون حافزاً للعمل والمعرفة والبحث، ولا بأس من الاستفادة مما لدى كل جامعة من الملاحظات والاستفسارات والوقائع التطبيقية المشكلة، فتكوين لجنة دائمة مشتركة، تدرس الجهد المبذول في كل جامعة من حيث فهم النصوص النظامية، ومجالات تطبيقها والملاحظات الواردة عليها، والاستشارات القانونية المتعلقة بها وجمع ذلك والاستفادة منه في التوصية بالتعديل أو الحذف أو الإضافة، وهو ما يسعى إليه المنظم السعودي من حيث التطوير والارتقاء والمرونة.
رابعاً: اقتراح إنشاء أمانة مساعدة لأمانة مجلس التعليم العالي ذلك أن عدد الجامعات في تزايد، وما يتطلبه عمل الأمين من حضور اجتماعات المجالس الجامعية فضلاً عن اجتماعات مجلس التعليم العالي، وما يستلزمه طبيعة العمل من اجتماعات داخلية أو في لجان خارجية، إضافة إلى العمل الإداري، والأعمال الموسمية خلال الإجازات أو في المؤتمرات أو الندوات، أو المشاركة والتمثيل الخارجي، كل ذلك يرتب جهداً فائقاً على الأمانة، ولو كان غير الأمين الحالي الذي يسعى بخطوات جبارة إلى التنظيم والترتيب وسرعة الإنجاز مع الإتقان في أدب جم وحسن أخلاق لكانت الأحمال تنوء بالعصبة أولي القوة، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومع ذلك ولأن التزايد مطرد، والعمل في كثرة فإن الأمانة تحتاج مساعداً يخفف على الأقل العبء الإداري والآخر التنظيمي في الإعداد والتجهيز والاستشارات مما يجعل العمل يسير كما هو الآن في حسن تنظيم وترتيب.
خامساً: التعجيل بإيجاد الحلول الناجعة لمشكلة الهجرة العلمية المتزايدة، والتي يقود قافلتها عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس المتميزين، وسايرهم إخوانهم من المحاضرين والمعيدين ممن لا زالوا في بداية الطريق إلا أن المغريات الخارجية والصعوبات الداخلية جعلهم يربطون أمتعتهم العلمية راحلين ويحطون بها في أماكن أكثر راحة، وأكبر تشجيعاً واحتراماً للقدرات وللبحوث العلمية، ومع ما في ذلك من المميزات المادية، والحوافز المعنوية فتارة يرحلون مودعين ناقلين، وتارة معارين أو منتدبين أو مفرغين، وهنا لا بد من وقفة صادقة حتى لا ينضب معين المعرفة المتميزة بتجفاف مصادره، وبخاصة أننا مقبلون على التزايد في عدد الجامعات، وهذا ما أدركه المسؤولون فكان التوجيه السامي من قبل ولي العهد بدراسة وضع أعضاء هيئة التدريس، وحل المشاكل المعوقة دون نتاجهم وأبحاثهم مما يحتاج معه إلى التعجيل في الدراسة، ورفع التوصيات في ما من شأنه توفير جميع المتطلبات الأساسية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية ومرة أخرى أشيد أيضاً بخطوة جامعة الإمام في التعجيل بتوفير السكن الخاص لأعضاء هيئة التدريس، كما أنني اقترح هنا أن يُنظر في الأنظمة واللوائح الجامعية، والاستفادة من بعض موادها في إيجاد الحوافز لأعضاء هيئة التدريس بدلاً من الإعراض عنها أو تجميدها فكل ما مجاله التيسير والتشجيع المضبوط بالقدرة والتميز والإنتاج هو هدف قصده المنظم وإن لم يصرح به في كل نص أو مادة.
سادساً: إخواننا وأبناؤنا الطلاب الذين ما إن أكملوا تعليهم العام حتى هبوا مسرعين إلى محاولة الالتحاق بالتعليم العالي بمؤسساته المختلفة، ومع توجه الدولة إلى استيعاب أكبر قدر منهم في كل سنة، إلا أننا نجد التضييق والتعجيز والشروط التي تزيد أرقامها سنة بعد أخرى في الجامعات، وتلك النسبة المسكينة فمن عامة إلى تكافئية أو مكافئة.
.. ولا زال الكثير من المتعلمين أو بعض من أعضاء هيئة التدريس يجهلون هذه التسمية وطريقة حسابها، مما يدل على غياب الدور الإعلامي في بيان حقيقتها، وطريقة العمل بها، فكيف بهؤلاء الطلاب الذين يخطون أولى مراحل التعليم العالي، فهلا ابتدرت الجامعات في سلوك مسلك التيسير والتخفيف، فليس طلب التميز باختيار النوعيات ذوي النسبة العالية، بل قد يكون التميز شيئاً آخر يمكن اكتشافه، هذا ما هدفت إليه اختبارات القياس، وهنا اقترح بأن تبقى النسبة في الشهادة الثانوية على وضعها السابق، وأن تكون هذه الاختبارات في القياس مجالاً آخر لذوي النسبة المتدنية لمساعدتهم على الالتحاق بالتعليم، واكتشاف قدراتهم ومواهبهم، فليس من العدل أن من يتعب ويدرس ويتعلم طيلة سنة كاملة ويتخرج بنسبة متميزة يفاجأ في اختبار عارض بتدني نسبته، فهل الخلل في تعليمه السابق يوم أن حصل على نسبة متميزة، أم أن أسوار الجامعة لم تعد تعترف كلياً بنسب الثانويات في مدارس التعليم العام، فخامرها شيء من الشك في مدى الاستحقاق، ومن جانب آخر نجد العدل كله في الأخذ بيد الطالب ذي النسبة المتدنية فقد يكون سببه لظروف خاصة، أو رغبة دون رغبة، أو تميز في جانب دون آخر وهذا ليس دليلاً مؤكداً على قلة التحصيل، بل هو مشعر بذلك لذا فإن الأخذ بيده، واكتشافه من جديد، وتوفير الفرص الملائمة لرغبته وتوجهه وقدراته وفق اختبارات دقيقة تسعى للإصلاح والتوجيه وإظهار تلك القدرات الكامنة وبذلك تكون الاختبارات قد أدت هدفها، وجاءت خطوة أولى في سبيل توفير فرص التسجيل وحل مشكلة القبول في الجامعات، وهو ما يتسق مع توجه ولاة الأمر في هذا البلد، فالمشكلة في عدم القبول لكثير من الطلاب وهم في الغالب أصحاب النسب المتدنية، وليست المشكلة فيمن يمكن قبوله لارتفاع نسبته، فهذا الباب مفتوح أصلاً والطريق سالك، فلماذا نضع له العراقيل فتزيد المشكلة ولا تحل؟!
سابعاً وأخيراً: حفز القطاع الخاص وتشجيعه في البناء العلمي والتطور المعرفي لأبناء المجتمع، والمحاولة الجادة للتيسير والتسهيل في القبول والتسجيل للطلاب والطالبات، فإذا كانت مدخلات هذا القطاع هم المتميزون القادرون مادياً، دون غيرهم فإن الجامعات الحكومية أولى بهم رعاية وتعليماً وبحثاً لأنهم سيدينون لها بعد الله تعالى بالفضل ويسهمون في خدمتها، والرقي بمستواها، وهذه الجامعات أحوج ما تكون إلى مثل تلك النوعيات المتميزة، لذا يجب التنبه إلى وضع هذا القطاع المهم من عدة جوانب :
أ - محاولة استقطابه لدعم الجامعات القائمة في المجالات العلمية الممكنة وبخاصة في البحث والتحليل والتعليم والاكتشاف مع الرعاية الخاصة بالفائقين، وتنمية المواهب الجادة والقدرات ذات الاستعداد الفطري، ولا بأس أن يكون المقابل دعاية، أو كتابة، أو تجهيزاً خاصاً، يستفيد به ويستفاد منه، ومن الأمثلة التوضيحية للتأكيد على أهمية ذلك/ ما لو تعاقدت إحدى الجامعات مع إحدى المؤسسات المتخصصة في الرعاية العلمية، والأبحاث التخصصية بما تشمله من توفير الإمكانات المادية والبشرية، وتجهيز الآلات الخاصة والقيام بالأعمال المتعلقة بالطباعة.. وتيسر لهذه المؤسسة مقراً دائماً في الجامعة تطل منه في قرب على المستفيدين من خدماتها ويمكن أن يكون إنشاؤه على حساب المؤسسة الخاصة، وذلك لتقديم الخدمات المتطورة بالوسائل الحديثة، فإن الجامعة بهذا لن تخسر شيئاً وستقدم أشياء، بل وسيكون في ذلك دعوة لاهتمام المؤسسات الأهلية بالدخول في مثل هذا المجال والمنافسة للظفر بهذه الميزة الفريدة، والهدف هو خدمة منسوبي الجامعة من أعضاء هيئة التدريس والطلاب مادياً بأن تكون الأسعار رمزية، وخدمتهم علمياً بتوفر المركز المتخصص من النقطة الأولى في البحث ومن ثم تسليم الرسالة أو الاختراع أو المشروع العلمي إلى الجهة المختصة أو ما يتعلق بالتأليف والإسهام العلمي، ولست هنا أقصد مركزاً صغيراً أو مؤسسة ذات قدرات محدودة تقتصر على أعمال الطباعة والتجليد والتخريم فهذا نفع قاصر غير مجد، إنما المطلوب مركز علمي متخصص توجد فيه الإمكانات الحديثة من أجهزة للكمبيوتر ووسائل للاتصال وتقنية للمعلومات، ومتخصصين بارعين في هذه المجالات، قادرين على الأخذ بأيدي المستفيدين إلى كل تطور في أسلوب جمع المواد العلمية وطرق استخدامها وتحليلها، كما يمكن إعطاء هذه المؤسسات الخاصة بعض المميزات الأخرى المتعلقة بحقوق الرعاية، والمكتشفات العلمية وتبني الموهوبين، وتجسيد براءات الاختراع في الواقع بدلاً من أرفف ومخازن الجامعات والمؤسسات الحكومية الأخرى ومثل هذه الأفكار تحتاج إلى طاقة جادة في العمل وليكن ذلك ولو بخطوة بسيطة، فما ذكرته مجرد مثال بسيط وفكرة عابرة تحتاج إلى كثير من الدراسة والمجالات غيرها كثيرة في الجامعات السعودية ولكن تحتاج إلى تأمل وجهد ومتابعة.
ب - الاهتمام بصورة أكبر بالتعليم العالي الأهلي المقدم من الجامعات والكليات الخاصة، وذلك بأن يفسح له المجال بصورة أكبر، وتنظم آليات العمل به بصورة أفضل، ويصار في المعالجة الدورية للنصوص النظامية إلى ما يمكن أن يكون حافزاً له على الإنتاج بأفضل الطرائق والسبل، وتوجيه التخصصات لما فيه النفع العام والخاص والنظر بعين المصالح العامة للرسوم الدراسية، وهنا ليس المطلوب من الجامعة الأهلية المتميزة في تقديم المعلومة وفق إمكانات متطورة أن يهضم حقها في تخفيض الرسوم مثلاً، ولكن يمكن أن يساهم الرجال المخلصون من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة إذا ما وجهت الدعوات المستمرة لهم، في تقديم منح دراسية للطلاب والطالبات وفق تنظيم يتيح للداعم المكافأة المجزية على إخلاصه كتكريم معنوي، أو بأن يكون عضواً أو مؤسساً أو يكتسب دعاية مباحة في مجاله، وأحسب أن الكثير قد يرفض ذلك لاعتباره واجباً دينياً ووطنياً يسعى من خلاله إلى نشر العلم والمعرفة إلا أن المكافأة من صنائع المعروف، ثم أمر آخر وهو تقديم الدعم المعنوي للجامعات الأهلية التي تبادر من تلقاء نفسها إلى قبول الكثير من الطلاب وتخفيض الرسوم وفق طاقاتها الاستيعابية بأن يكون هناك تصنيف لها فتوضع في المقدمة، أو تقديمها في مجالات العمل بالتنسيق مع الأجهزة الحكومية مما يجعل الإقبال يتزايد، فتغطي التكاليف الناتجة عن تقليل الرسوم، كما يمكن أن يتاح لمثل هذه الجامعات استخدام المرافق الجامعية الحكومية مساء، وتقديم الدروس النظرية بها مما يقلل شيئاً من التكاليف المترتبة عليها.
هذا وفي الختام أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفق القائمين على هذه الوزارة والقارئين لما فيه الخير والصلاح.
KMY11@GAWAB.COM
|