تلقيت رسالةً رقيقةً من سعادة الصديق الأستاذ/ فيصل المعمر، وكيل الحرس الوطني للشؤون الثقافية والمشرف على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ينبئني فيها عن صدور الموافقة السامية على إقامة مشروع وطني ثقافي للكتاب، تكون مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض مقراً لأمانته العامة، ويهدف هذا المشروع، وفق ما جاء في رسالة الأستاذ المعمر، إلى «... تقوية الصلة بالكتاب من خلال تنمية مهارة القراءة لدى جميع شرائح المجتمع وفئاته، تهيئة للمجتمع لمواجهة تحديات المستقبل، وإعداداً لجيل سعودي ناشئ، يحافظ على تراثه وهويته ...».
***
ولقد أسعدني جداً هذا النبأُ، وراودتني بشأنه الرؤى التالية:
«1» أن هذه الخطوة المباركة تأتي في زمانها ومكانها تجسيداً لاهتمام ورعاية وتوجيه سمو ولي العهد الأمين أيده الله، الذي أثبت في كل مناسبة انه رائد للثقافة وراع لأهلها، وهو حفظه الله يؤكد بهذه المبادرة ان دولة الكتاب لم ولن تدول بإذن الله، مهما برعت وأبدعت التقنية الحديثة بحثاً عن بديل له!
***
«2» ان الكتاب كان وما برح الرفيق الحميم للإنسان منذ انتقال آلية التدوين من الشجر والحجر إلى الورق، فكيف يتنكر له الإنسان أو يزهد فيه أو يعف عنه بعد مشوار القرون الطويلة، ترجيحاً لهذا المنجز أو ذاك مما أحدثته أو استحدثته «ثورة التقنية» التي تفاجئنا كل يوم بجديد ؟!
***
«3» ان «شريحة الحاسب الآلي» التي قد لا تتجاوز ابهام الإصبع الواحدة، وزناً وحجماً، قد أتت بما لم يأتِ به الأوائل في قدرتها الهائلة على تخزين آلافِ الصفحات، واستخراجها نصاً مكتوباً في أي زمان أو مكان، ووفر بذلك الجهد الجهيد في حفظ الوثائق لتحلّ من خلالها في جيب حاملها، بدلاً من المساحات الفسيحة والخزائن الكبيرة لإيوائها !
***
ورغم هذا كلّه، أصرّ على القول انه لا يجب امتهان الكتاب أو تهميشه أو التنكر لسيرته العطرة في حياتنا، بسبب هذه الشريحة العجيبة، بل سيبقى لنا صاحباً وأنيساً حين يعزّ الجليس ممن تزهو بحضوره العين، ويفرح به القلب !
***
«4» أدركُ سَلفاً ان ناشئتنا مفتونةٌ اليوم حتى النخاع بإنجازات «ثورة المعلومات»، وفي مقدمتها شبكة «النّت» العجيبة، وأخشى ما أخشاه ان تكون هذه الفتنة الجديدة ملهاة لن تنافس حضور الكتاب فحسب، بل قد «تطرده» من أبصار وأفئدة الشباب، ويتحوّل في تقديرهم الى «ظاهرة تراثية» تزيّن الرفوف مذكرةً بالماضي، ولا شيء سواه !
***
وترتيباً على ما سبق، وابتهاجاً بالمبادرة السامية لتكريم الكِتاب وردّ الاعتبار إليه، أختم هذه المداخلة بما يلي:
أولاً: أعتقد انه يقع على كاهل وزارة التربية، والتعليم وزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التعليم العالي، ممثلة بالجامعات الى جانب المكتبات المركزية حيثما وجدت، وفي مقدمتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، عبء المحافظة على الكِتاب، مكاناً ومكانةً، وتقليل آثار «الهجمة التقنية» عليه من كل صوب، فالكِتاب وجد ليبقى أداةً صالحة للتنوير والتعليم والتثقيف، ولن يكون بإذن الله، في يوم من الأيام «تحفةً» في رفّ الذكريات !
ثانياً: أتمنى على المعنيين بالمشروع الوطني الثقافي للكتاب، الذي صدرت الموافقة السامية بإقامته، أن تكون باكورة إنجازهم، إنشاء جمعية ل «أصدقاء الكتاب»، تكون صراطاً أميناً يربط عشّاقه ومريديه بهذا الكيان الجديد، ويمكن أن يختار من بين عضوية هذه الجمعية المقترحة، «هيئة استشارية» للمشروع الوطني تمدّه بالأفكار والمقترحات التي تصبّ في خانة تعزيز موقع الكتاب وموقفه عبر خارطتنا الثقافية.
***
وبعد ..فمبارك المشروع الثقافي الوطني للكتاب.. الذي سيكون بإذن الله ملاذاً آمناً للكتاب في هذا العصر المشحون بفتن الحسِّ والشعور والبصر، كي تبقى للكتاب صولةٌ وصدى داخل أروقة العقول والأبصار !
|