Monday 11th august,2003 11274العدد الأثنين 13 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تعامل أمريكا وبريطانيا تعامل أمريكا وبريطانيا
د. عبدالله الصالح العثيمين

من يتأمل تاريخ العلاقات بين دول الغرب، أو الدول القائمة على أساس الفلسفة الغربية، ودول العالم الأخرى وشعوبها يجد أن الدول الأولى عاملت هذه الشعوب والدول معاملة من أبرز سماتها في الغالب الاستغلال وإهدار حقوق الإنسان. ولقد ظهر كل ذلك واضحاً في التعامل الذي سار عليه الاستعمار البرتغالي والهولندي والروسي القيصري، ثم في التعامل الذي انتهجه الاستعمار الفرنسي والبريطاني والسوفيتي، إلى أن تجسَّم في صوره البشعة المتمثّلة بجرائم الاستعمار الصهيوني المدعوم باستمرار من قبل حكومات أمريكا المتعاقبة بالذات. بل إن سجل بعض هذه الحكومات الأمريكية نفسها حافل بالجرائم؛ ابتداءً من حرب الإبادة ضد الهنود الحمر، ومروراً بجرائم أبشعها جريمتا هيروشيما ونجازاكي، وتكراراً لسياسة الاغتيالات وتدبير الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المنتخبة انتخاباً حراً، وأخيراً بالجرائم التي ارتكبتها في فيتنام وأفغانستان وغيرهما.
دول الغرب لم تكن صادقة في ادِّعائها أنها توجهت بجيوشها إلى الدول والشعوب التي استهدفها استعمارها لتنشر الحضارة والتقدم، وارتكبت في عملية احتلالها لأراضيها ومن بعد احتلالها جرائم متعددة الوجوه والأشكال. وما كان هدفها، في حقيقة الأمر، إلا نهب ثروات تلك الدول والشعوب وخيرات بلدانها. على أن شعوب دول الغرب الاستعمارية لم تخل من أناس يرفعون أصوات الحق، ويدينون تصرفات دولهم.
ومن هؤلاء مثلاً المفكر الفرنسي ، سارتر، الذي كان معارضاً لاستعمار بلاده للجزائر، مندداً لجرائم دولته ضد الشعب الجزائري، والذي عبَّر عن تلك المعارضة وهذا التنديد في كتابه «عارنا في الجزائر». ولقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدة كتب تتضمَّن اعترافات شخصيات فرنسية اشتركت في ارتكاب تلك الجرائم البشعة من قتل جماعي غادر، وتعذيب وحشي رهيب، واغتصاب فاحش. ومن الرافعين لأصوات الحق، المدينين لجرائم دولهم القانوني الأمريكي رمزي كلارك، الذي شغل منصب المدّعي العام في بلاده سابقا، ومؤلف كتاب جرائم الحرب الأمريكية في الخليج.
ولقد استمر قادة الدول الغربية ذات الأطماع الاستعمارية في ادّعاءاتهم. وفي الفترة الأخيرة ادَّعى قادة أمريكا وتبعهم قادة بريطانيا أنهم ارتكبوا ما ارتكبوا في أفغانستان مثلاً سعياً منهم للإطاحة بنظام تتعارض ممارساته مع مبادىء التقدم والحضارة، وأنهم قاموا بما قاموا به ضد العراق للإطاحة بنظام يمتلك أسلحة دمار شامل ويمارس أعمالاً تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان. والعالم كله يعرف تمام المعرفة أن النظام الذي استهدفه الأمريكيون في أفغانستان، مؤيداً من قيادة بريطانيا بغض النظر عن إيجابياته وسلبياته إنما ساعده في الوصول إلى الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة القيادة الأمريكية ذاتها، وأن النظام الذي حكم العراق عقوداً بالحديد والنار إنما رسَّخ وجوده ودكتاتوريته وامتلك ما امتلك من أسلحة فقدها بعد سنة 1991م بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن من الشخصيات التي ساعدت على حدوث هذا الدعم شخصيات عادت إلى احتلال مناصب كانت تحتلها زمن ذلك الدعم في الثمانينات من القرن الماضي.
أما أن أمريكا تسعى للإطاحة بالأنظمة التي تتنافى ممارساتها مع مبادئ حقوق الإنسان فهذا أمر يفنّده ويدحضه دعمها، في كثير من الأحيان، لأنظمة دكتاتورية في بقاع شتى من العالم. ومن أوضح الأمثلة على ذلك دعمها غير المحدود للدولة الصهيونية المستمرة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني. بل إن ما ارتكبته أمريكا في عدد من البلدان يتنافى مع ما تدّعي أنها تسعى لتحقيقه. وأما امتلاك أسلحة الدمار الشامل فأمر تعارضه إذا كان المالك لها، أو الساعي إلى امتلاكها، جانباً عربياً لما في ذلك من تطوّر يمكن أن يكون وسيلة دفاع أمام الدولة الصهيونية المالكة لمختلف أسلحة الدمار الشامل. وبذلك يتضح أن أهم شيء يدور في أذهان المسئولين في أمريكا هو أن تبقى دولة الصهاينة الأقوى في المنطقة: تفعل ما تريد فيها وتمارس ماتختار.
على أن الكذب الذي أقدمت على ارتكابه قيادة أمريكا وبريطانيا شمل شعبيهما. فقد كذبتا على هذين الشعبين، وارتفعت أصوات من جماهيرهما ومن شخصيات لها اعتبارها ومكانتها متَّهمة المسؤولين في هاتين الدولتين بأنهما زيَّفا تقارير الاظهار أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل مع علمهما أن هذا الاتهام لا يقوم على أسس صحيحة؛ وذلك بعد تدمير المنشآت العراقية بعد عام 1991م. وجهود لجان التفتيش الدولية المكثَّفة؛ وبخاصة في الفترة الأخيرة، نرجح جداً عدم بقاء أسلحة دمار شامل لدى العراق.
وليس غريباً أن تلجأ الأجهزة المسؤولة الأمريكية والبريطانية إلى التحايل في تعاملهما مع شعبيهما بالهائهما بأمور فرعية، أو أمور أخرى، ليتجاوزا المأزق الذي أوقعهما فيه معلوماتهما أمام الشعبين المذكورين.
في بريطانيا لجأ رئيس الوزراء إلى إلهاء الشعب بمسألة فرعية، وهي مسألة انتحار عالم الأسلحة البريطاني كيلي.
فلم يبق وإن مؤقتاً وهج السؤال الأهم كما هو إعلامياً؛ وهو لِمَ شاركت بريطانيا أمريكا في احتلال العراق؟ ولِمَ زيَّفت الحكومة تقارير المخابرات؟
أما في أمريكا فقد لجأوا إلى الهاء الشعب الأمريكي بالعودة إلى الحديث عن واقعة الحادي عشر من سبتمبر، التي تدرك مدى أهميتها وحساسيتها لدى ذلك الشعب، متهمة المملكة العربية السعودية بما تعلم هي أنها براء منه. وكل متابع للأحداث يعلم أن الذنب الأكبر للمملكة في نظر الصهاينة والمتصهينين أنها لم تقبل إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني ما دامت قرارات الأمم المتحدة غير مراعاة.
ولم يشفع للمملكة مؤازرتها أمريكا عبر عقود من الزمن؛ سواء في مجال النفط، أو في محاربة السوفييت ومن كان يدور في فلكهم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved