ما بين تلوث المياه الجوفية والمتغيرات المناخية تعتبر النواتج الجانبية للرخاء أكبر تهديد بيئي يحيق بالعالم. بَيْدَ ان الفقر قد يفضي الى تدهور البيئة عندما تستنزف الشعوب قاعدة مواردها، مضحين بالمستقبل في سبيل انقاذ الحاضر. وعندما يجبر المنطق القاسي للمتطلبات الماسة، قصيدة الأمد، الأسرة التي لا تملك أيضاً على قطع أشجار الغابات المطيرة، وعلى حرث المنحدرات الجبلية وتقصير مدد الإراحة للأرض.
وبالتالي يعمل التدهور البيئي على استمرار الفقر، مادامت النظم البيئية المتدهورة تُغّل حاصلات قليلة لسكانها الفقراء ومن ثم تمسك بزمام الأمور دوامة افقار ذاتية التغذية قوامها الحرمان الاقتصادي والتدهور البيئي.
إن اعتماد الناس في ريق العالم الثالث على النظم البيئية يتناقض مع سلسلة طويلة من التجارة والصناعة والبنية المدنية الأساسية التي تشكل الحياة في البلاد الغنية وبالنسبة لمن لا يملكون، يأتي الطعام من التربة، والماء من المجاري المليئة، والوقود من الخشب، والأعلاف من المراعي والفاكهة من الأشجار المحيطة بالكوخ. ويعي فقراء الناس أن المجازفة بهذه الأشياء تعني تعريض حياتهم وحياة ذراريهم الى التهلكة.
يقول ألن درنيج: إن المحور الأساسي الذي تدور حوله دوامة الفقر هو غياب الموارد، العنصر الأول في مصيدة الفقر المحلية.
إن الفقراء الذين يملكون ولو قطعة صغيرة من الأرض قلمّا يجهدون أرضهم، أمّا الأسر الريفية التي تطرد من أراضيها وتفتقد الشعور بالأمن والأمان، فليس لهم بديل آخر.
وفي حين تضيق مصيدة الفقر العالمية خناقها ويتزايد الإحساس بعدم الأمن وبالحرمان لدى فقراء العالم، تمتد ظروف التدهور البيئي الى المزيد من الأراضي الهشة في الكرة الأرضية.
إن النظم الظاهرة لمصيدة الفقر عادت للظهور في كل قارة. كما أن محصلة الأثر عالمية، لآن تركز الفقراء يزداد في الأقاليم الهشة، حيث الاراضي أقل انتاجاً وحيازتها أقل أماناً.
إن القوى التي دفعت 580 مليون نسمة الى دوامة الفقر، وهي قلة الرقابة الآمنة على الموارد، ونمو السكان، وانعدام العدل والسياسات القائمة على أسس خاطئة - هي المسؤولة لحد كبير عن تدهور الأراضي الهشة غير المزروعة.
وحتى عندما لا يكون الفقر هو السبب في التدهور البيئي، فهناك دعوى للمعاناة من استنزاف البيئة الناجم عن تجاوز الآخرين.. فالمدن العملاقة في العالم الثالث تواجه المخاطر البيئية الناجمة عن التخلف والتقدم.
وفي أغلب الأحيان لم يجر أي قياس عن تعرض الفقراء المجحف في العالم الثالث للتلوث والمواد الخطرة. وتظهر مقارنة السكان من حيّ الى حيّ من حيث مستوى الدخل والجنس وموقع النفايات الخطرة، نظاماً مشوشاً، ولكن متوقعاً فكلما زاد فقر الحي زاد سواد لون جلد المقيمين به، زاد احتمال قربه من مقلب النفايات الخطرة.
ولذا، تمتد التضحية، البيئة بالفقراء الى ما وراء الأخطار المحلية، فتأثيرات الفقر المحتملة الناتجة عن تغيّر المناخ على مستوى العالم لا يمكن حصرها.
وبالإضافة الى ذلك فبإمكان التغيرات الجوية ان تبعد الموارد عن متناول أيدي الفقراء بصورة لا يمكن تخيّلها اليوم، وقد تبدو أعباء الديون المتراكمة من الثمانينات قزماً صغيراً أمام التبعات المناخية في القرن الحادي والعشرين.
ومع وقوع أكثر من 580 مليوناً من الفقراء في براثن دوامة التدهور الاقتصادي والبيئي، فإن مستقبل تخفيف حدة الفقر ومستقبل حماية البيئة سيتضمنان تحديات لم يسبق لها مثيل.. فهناك مئات الملايين يعانون بالفعل من إزالة الغابات ومخاطر التصحر، وندرة أخشاب الوقود وانجراف منحدرات الجبال وتلوث الهواء في المناطق الحضرية، وإذا استمرت هذه العوامل في مسارها الراهن، فسوف يرتفع معدل الفقر الى عنان السماء وسوف تزداد سرعة دوامة الفقر خارج نطاق السيطرة لتجذب عدة ملايين أخرى، وربما تضاعف المعدل على المستوى العالمي مع حلول القرن القادم.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو جمعية البيئة السعودية
|