أعجبني أيما اعجاب مضمون لوحة توجيهية رأيتها تزين أحد جدران مبنى جوازات الرياض، وذلك خلال إحدى زياراتي إلى هناك لغرض شخصي منذ فترة قريبة. هذا وقد وردت هذه العبارة في سياق تذكير المواطن بأهمية الحفاظ على جوازه حين السفر، ونص هذه العبارة هو: «أخي المواطن.. حسن النية لا يكفي»..، وبالفعل فحسن النية لا يكفي أبدا خصوصا في هذه اللحظة الزمنية من وجودنا، كما أن الأمر لا يقتصر على الجواز فقط، بل يتجاوزه إلى كل شأن من شؤون حياتنا.
فحسن النية لا يكفي المسافر الذي يتهاون على سبيل المثال في أمر حقائبه فيتركها عرضة لمن أراد أن يدس فيها ما أراد، كذلك فحسن النية لا يكفي حين يلجأ المواطن إلى امتهان الاعتمادية على كرم وأريحية وتفاعل حكومته في حال ألمت به في الخارج مشكلة من المشكلات، فعدم الركون إلى حسن النية في مثل هذه الحال يوجب على الفرد الأخذ بأقصى درجات الحذر وأبلغ حدود الحيطة لكيلا يثقل كاهل حكومته بأمور كان بيده في الأساس أمر تحاشي الوقوع فيها، ومن ضمن الأمثلة على (سوء) حسن النية ما يتمثل بظاهرة اللجوء إلى نقل (مفهومنا الثقافي) الداخلي للصداقة إلى خارج حدود الوطن وفي بلاد قد تكون أبعد ما تكون عنا عقيدة وقيما وعادات.
فمن المفترض لا سيما في وقتنا هذا ألا نسافر بصحبة عاطفتنا الجياشة تجاه كل من أظهر لنا بعض المودة والتقرب إلا أن نكون بالطبع على اطلاع تام بحقيقة أمره بطريقة قاطعة، فالصداقة البريئة وحسن النية قلما اجتمعا في الخارج على وجه الخصوص، حيث إن معطيات أحداث الحاضر قد ألبستنا زيفا أردية ليست من تفاصيل حقيقتنا ومن ذلك وصمنا بالإرهاب في الوقت الذي نحن فيه أكثر شعوب الأرض سلاما وحبا وعاطفة، فيجب أن نأخذ بدلا من حسن الظن بالشك حتى يثبت لنا اليقين.. فسوء الظن، كما تقول العرب «من حسن الفطن» وقطعا ليس هناك من فطنة مع حسن النية الساذجة.
أخيراً من المفترض خصوصا في ضوء ما حدث من أحداث أن يكون قد تأسس لدينا حين السفر للخارج (قاموس) للحذر والانتقائية ولما يجب وما لا يجب الخوض فيه من موضوعات الساعة.
فعلاوة على عقم مردود الجدل في سفر غايته الأساس هي الترويح عن النفس، فإنه من الواجب أيضاً مراعاة محاذير الدخول في متاهات النقاشات العقيمة لاسيما حين يحدث مثل ذلك عن جهل بثقافة البلد المضيف بما في ذلك لغته وطرائق تفكير أهله.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء النيات ومن مغبات حسنها السيء...
|