هناك لا شك رغبة من قبل الحكومة بالإصلاح الاقتصادي الذي أصبح حاجة ملحة يتطلبها اقتصادنا السعودي بلا شك، وما يدل على ذلك إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة سمو ولي العهد والمجلس الأعلى للبترول والهيئة العامة للاستثمار الأجنبي والهيئة العامة للسياحة وإصدار نظام سوق المال ونظام التأمين التعاوني مؤخراً وغيرها من التنظيمات والتشريعات والهيئات الضرورية التي يتطلبها وضعنا الاقتصادي الذي يعاني من محدودية الموارد التي تعتمد على البترول والذي يقدر نصيب إسهامه في الموازنة العامة للدولة بما لا يقل عن 80%.
وحين نتحدث عن الإصلاح الاقتصادي السعودي فإنني لا أتوقع أن أحصر هذا الموضوع المهم والمتشعب بمقالة واحدة هنا ولكنها محاولة لمتابعة السلبيات أو المعاناة الاقتصادية الموجودة لدينا والتي يعيشها كل مواطن حتى على مستوى الحكومة وإن السلبيات في الاقتصاد تتركز بالآتي:
- محدودية الموارد والاعتماد المطلق على النفط بنسبة كبيرة لا تقل عن 80% وهنا توجد ميزة نسبية لاقتصادنا المحلي في الإيرادات.
- مخرجات التعليم التي تنفق عليه الدولة مئات المليارات ولكن للأسف إنه لا يواكب حاجة العمل ولا يواكب التغيرات والتطورات الدولية التي تركز الآن على التقنية والتخصصات العلمية المنتجة.
- التوظيف، ويعاني المواطن الجامعي وبالتالي الأقل تعليما من عدم توفر الوظائف وهذه مشكلة ذات ذي شقين من المواطن نفسه بعدم قبول العمل أياً كان والأخرى عدم إتاحة الفرصة له أو التهيئة والتدريب له وإعداده وتفضيل غير المواطن الأقل كلفة وهي للحقيقة ليست أقل كلفة، بل المواطن أقل كلفة على المدى الطويل.
- يجب توسيع قاعدة الإنتاج في اقتصادنا المحلي وبرغم ما يردد عن وجود الآلاف من المصانع الوطنية لكن أين حضورها في التصدير للخارج وبالتالي كإيرادات وانعكاسه على ميزان المدفوعات إيجابياً، حيث نجد إسهام الصناعة لدينا محدود جداً ولا يذكر اسهامها في الاقتصاد الوطني.
- استمرار الدين العام الذي يعادل أو يزيد على الناتج المحلي والمقدر بأكثر من 700 بليون ريال، فلا يوجد في الأفق ما يمكن أن يعالج به هذا الدين في ظل ثبات الموارد حسب المعطيات الحالية في المستقبل القريب، وفي ظل تزايد الانفاق، والنمو السكاني المستمر، فأصبح لدينا نمو سكاني يفوق الاقتصادي وهي معادلة معكوسة، ولكن يجب إيجاد الحل لهذا الدين الذي يتزايد سنوياً بفوائده ومع أي عجز جديد يتم.
- العقبات الكثيرة والمتعددة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي أصبحت هي المحك المهم في تفعيل وضخ رؤوس أموال في اقتصادنا المحلي، فهي ستقدم المال والخبرة والتوظيف والتقنية وغيرها، وكثير من الدول قامت اقتصادياتها على الاستثمار الأجنبي، ونجد الآن «امارة دبي» تطبق نظام المدن الطبية والإعلامية والإلكترونية والمالية وفق أنظمة استثمار جاذبة جداً ومشجعة لا تقابلها أي عوائق.
- عدم تفعيل القوانين والأنظمة التجارية الخاصة بالشيكات والتستر مثلاً برغم صدور أنظمتها منذ ما يزيد عن 20 سنة.
- الافتقاد للرؤية البعيدة المدى والتخطيط الاستراتيجي بشكل كامل كبرامج وسياسات واضحة وأهداف محددة برغم وجود خطة التنمية السابعة ولكن لم تفعل بالكامل أو تطبق وهي التي ركزت على توظيف المواطن وايجاد فرصة العمل له.
- أهمية إشراك المرأة ودورها في المجتمع والاقتصاد فلا زالت فرص العمل لديها محددة بمجال التعليم وبعض الشؤون الأخرى المحدودة جداً، برغم ما ينفق من مئات الملايين على تعليمها على كل المستويات فأين المردود الاقتصادي من تعليم المرأة، وأفضل مثال يمكن ذكره هنا قطاع التمريض يحتاج ما لا يقل عن 50 ألف ممرضة والصيدلة والطب وغيرها من التخصصات المطلوب من المرأة أن تقوم بها.
هذه أغلب النقاط الخاصة بالاقتصاد الوطني والتي تعمل الدولة على معالجة له، وهي تحتاج الكثير من الحلول المؤلمة التي لا يفضلها المواطن كثيراً من خلال زيادة رسوم أو فرض أسعار جديدة لبعض الخدمات لكنها ستكون شيئاً حتمياً مستقبلاً، وان فرض الحلول لن يأتي بالتنظير أو عدم طرحها على السطح، بل تحتاج إلى الكثير من الشفافية والوضوح كاملاً، وأن يكون هناك تفاعل وتكامل بين الحكومة والمختصين ورجال الأعمال والغرف التجارية فهي مطلب من الجميع للمشاركة والتفاعل والتفعيل مع كل ما يطرح من حلول.في ضوء كل ذلك يظل الاقتصاد يتميز باستمرار التنمية على قدم وساق ويمكن ملاحظته ومتابعته للمراقب والمهتم، ونسبة تضخم تقارب الصفر، والالتزام الكامل للدولة بعدم رفع أي رسوم أو غيرها وتحميلها للمواطن، ولكن يظل على المواطن أن يدرك تماماً أن الحكومة لديها من الصعوبات الاقتصادية التي لا يمكن أن تحقق معها كل مطلب أو رغبة له، يجب على المواطن أن يدرك أن الدور الأبوي والرعاية له من قبل الحكومة قد انتهى وبقي له مهمة أساسية هي المشاركة الفاعلة بالإنتاج أياً كان موقعه.
|