يعتبر النفط الجزائري عصب الحياة بالنسبة للجزائر بأسرها. فالجزائر تنتج 57 مليون طن سنويا تربح منها حوالي 500 مليون دينار ضرائب، واذا علمنا ان الجزائر قبل الاستقلال لم تكن تحصل على قرش واحد من ارباح نفطها يمكن ان ندرك الثروة الهائلة التي تملكها الجزائر بعد الاستقلال.. وقد عملت الحكومة الجزائرية بعد الاستقلال على الوصول الى اتفاق مع الحكومة الفرنسية تضمن فيه حقوقها.. وقد احدث ذلك الاتفاق ضجة هائلة في السوق الاقتصادية والمحافل السياسية لأنها اول مرة تحصل دولة مصدرة للنفط على نصيب وافر من الارباح 60% زائد 25 فرنكا ضريبة على كل طن الى جانب دخول الجزائر شريكة في انتاج النفط وتسويقه.. كما انه على فرنسا توظيف 50% من ارباحها في الجزائر.. وهذا المقال كتبه الاستاذ على مصطفى المحرر في الصحيفة السويسرية «لا تريبون دي جنيف» وهو متخصص بشئون العالم الثالث:
لا تزال الاتفاقية الفرنسية الجزائرية حول النفطيات بعد ستة اشهر من توقيعها، اهم عمل حققته حكومة الجزائر في ميدان التجارة والاقتصاد الوطني. ويستحيل علينا التحدث عن النفط الجزائري دون التنويه بهذه الاتفاقية التي تختلف، شكلا ومضمونا، عما نعرفه بهذا الصدد في سائر اقطار العالم.
تختلف شكلا لأنها المرة الاولى في تاريخ العلاقات النفطية الدولية، التي يوقع فيها البلد المنتج المصدر اتفاقية مع دولة ذات سيادة لا مع شركة او عدة شركات، وتختلف مضمونا لأن بنود هذه الاتفاقية تجعل من الجزائر اكثر منتجي النفط ربحا في سائر الحقول.
اليكم بعض الامثلة التي نوردها خطفا: تنال الجزائر 25 فرنكا كضريبة عن كل طن من النفط، وذلك على اساس المعدل المتوسط لسعر المبيع الحقيقي. تسهم الجزائر بنفقات الاستكشاف كفرنسا نفسها، ولكن فرنسا تدفع لها مسبقا 60 بالمائة من القسط العائد لها «انها الظاهرة المعروفة بظاهرة ماتيي، يضاف اليها ضمان السيادة بالنسبة للبلد المنتج» تأخذ فرنسا وتبيع، دون ربح لها، قسم النفط العائد الى شريكتها فيما لو عجزت الشريكة عن تصريفه توظف الشركات الفرنسية خمسين بالمائة من مداخيلها في الجزائر، إلخ.
على أننا، رغم أهمية هذه الاتفاقية التي جعلت الاقتصاد الجزائري ينطلق على اساس متين، ورغم اعتزاز الجزائريين بما توصلوا اليه عقب المفاوضات نلاحظ ان الجزائر بحاجة الى انفتاحات اخرى لاستثمار مواردها النفطية استثمارا تاما كاملا.. فهي حاليا، بفضل انتاجها السنوي البالغ ستة وعشرين مليون طن، وبفضل الضرائب على النفط التي تضيف الى خزينتها خمسمائة مليون دينار تأتي في المرتبة الثانية بين البلدان الافريقية المصدرة اعني بعد ليبيا التي تننج سنويا ستين مليون طن تقريبا.
يكفي أن نشير الى هذه الظاهرة لنقف على المشكلة الكبرى التي يجب ان تجابهها الصناعة النفطية الجزائرية، فمنذ سنة 1963م لم يتقدم انتاج النفط في الجزائر، بينما انتقل في ليبيا، خلال المرحلة نفسها، من 22 مليون طن الى 57 مليون طن سنويا.
علام ذلك؟ لقد قيل في تعليله امور كثيرة وقد يكون اوجهها ان وسائل التصريف بلغت حدها الاقصى.
لكي تستطيع الجزائر أن تبيع نفطها خارج النطاق الذي نصته الاتفاقية الفرنسية الجزائرية، لا يكفيها ان تزيد انتاجها وحسب بل يلزمها ايضا ان توصل هذا الانتاج الى حيث يصبح بمتناول المستهلكين والوسطاء.. ولا نغالي اذا قلنا ان مستقبل النمو الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر مرهون بالسرعة التي بها تحل هذه المشكلة الاساسية.. من هنا الاهمية الكبرى التي يعلقها المسؤولون الجزائريون على خط الانابيب الثالث الذي بدأ مده منذ شهر والذي يصل حسى مسعود بارزاو قرب وهران على ساحل المتوسط.
من شأن هذا الخط الجديد ان يضاعف انتاج النفط في الجزائر بعد سنة فقط من هذا التاريخ.. اضف الى ذلك ميزتين يتمتع بهما هذا الخط، انه ملك الجزائر، وقد تم انشاؤه خارج منطقة الفرنك.
بين سائر بلدان العالم الثالث تنفرد الجزائر، هي وايران منذ التأميم سنة 1951م بامتلاك خطوط نفطية، ولما يمر على استغلالها اكثر من ثلاث سنوات.
هذه الظاهرة هي بالغة الاهمية سيكولوجيا، ولا تتأخر اجهزة الدولة عن التنويه بها والتشديد عليها، على ان هذا المشروع لم يكن ممكنا تحقيقه دون مساعدة مادية اجنبية.. فقد حققت الجزائر في هذا الميدان اهم محاولة على النطاق الاقتصادي منذ استقلالها وخارجا عن الاسهام الفرنسي. ذلك انها عهدت بتخطيط ومد هذه الانابيب الى مؤسسة بريطانية «جون براون كونسترو كتورز» مما كلف 25 مليون ليرة استرلينية استدانت الجزائر ثلاثة ارباعها من مصارف بريطانية والربع الاخير من الكويت.
لن يحل هذا الخط الجديد جميع المشاكل فهنالك مشكلة البيع، ومن الاكيد الآن ان الشركات الكبرى لن تقبل بالتفاوض مع الجزائر على اساس الشروط التي نالتها من فرنسا، ان الاتفاقية الفرنسية الجزائرية هي وحيدة من نوعها محدودة الاثر والتأثير عالميا لانها موقعة بين دولتين، وستبقى كذلك ما دامت سوق النفط على ماهي عليه الآن، فإذا شاءت الجزائر ان تجتذب بعض الشركات المتحررة المستقلة، عارضة عليها اسعارا لا تقبل المنافسة، وخصوصا بالنسبة لجارتها ليبيا، فإنها تثير حفيظة زميلاتها دول العالم الثالث المنتجة للنفط والتي هي حاليا على خلاف مع الشركات الكبرى بشأن الاسعار.. على اننا نعترف بأن مثل هذه الصعوبات انما هي سهلة الحل على دولة تتمتع بكامل استقلالها وسيادتها.
نلاحظ، من جهة ثانية، ان وسائل النقل لا تفي بالغرض المطلوب في ميدان استثمار الغاز ايضا، لقد اكد لي الفنيون الجزائريون والاجانب انه بإمكان الجزائر ان تعتمد على انتاج قدره عشرون مليار متر مكعب سنويا، وعلى اسعار متهاودة جدا قد تكون ادنى الاسعار العالمية من حيث الاكلاف. أليس من النافل ان نقول ان هذه الطاقة الجديدة المتوقعة هي عنصر اساسي في مخططات النمو الجزائري بعيدة الاجل؟ اما الآن فالانتاج ضئيل محدود: مليار وخمسمائة مليون متر مكعب للاستهلاك لذلك يهتم المسؤولون حاليا اهتماما جديا قويا بتخطيط انابيب جديدة لنقل الغاز وبتنشئة واعداد المهندسين والفنيين «خصوصا في المؤسسات البريطانية» وبالبحث عن اسواق لتصريف الغاز.
قد تكون السوق الطبيعية للغاز الجزائري هي افريقيا الشمالية بكاملها، مما يوفر للجزائر ايضا امتيازات سياسية تجعل الانصهار المغربي اشد ضرورة والحاحا كما كتبت جريدة «الجيش» فعلاوة عن تونس والمغرب يمكن الغاز الجزائري ان يفيد مباشرة اسبانيا، الم يقم اخيرا السيد بلعيد عبدالسلام، وزير الصناعة الجزائرية، بزيارة لمدريد حيث تحادث مع السلطات الاسبانية بصدد طرق تطبيق البروتوكول الذي وقعته في فبراير الماضي بمدينة الجزائر الشركة الوطنية للابحاث وشركة كتلونيا للغاز والكهرباء وذلك في سبيل تسليم الغاز الطبيعي؟
وهكذا، فإذا كنا نلاحظ في بعض قطاعات الحياة الجزائرية، كالزراعة واعداد الاخصائيين، والاصلاح الاداري، شيئا من البلبلة التي تثير القلق، فمن الواضح الجلي ان قطاع النفط هو مبعث للتفاؤل الكبير.
|