* فقدت بالأمس أخاً عزيزاً غالياً، الأستاذ حمدان صدقة رحمه الله.. والحديث عن أبي يحيى، حديث طويل، لعلاقة أخوية، امتدت أكثر من نصف قرن، بدأت من جمرك جدة، ثم في دنيا الصحافة، بدءاً من صحيفة الأضواء، في شهر شوال «1376»هـ، وبعد الأضواء، كانت مجلة الرائد، إلى توقفها مع مرحلة المؤسسات الصحافية، وامتد التواصل في صحبة الصحافة، عبر العدد الأسبوعي من جريدة عكاظ، إلى ساعة التخلي عنها.!
* والإخاء ممتد عبر قنوات تعاون وملتقيات، في النادي الأدبي الثقافي بجدة.. وقبله كانت لنا جولات، في ملعب الصبان الرياضي، وكان صاحبي رحمه الله يشغل وقت المباريات بالتطلع إلى هتافات الجمهور وحركاتهم وشغبهم وعراكهم، على حين كنت أتابع مجريات المباريات، لأني في فترة من زمن «الرائد»، كنت أكتب التعليقات، كسد لفراغ وكهواية يؤمئذ.!
* كنا نشرِّق ونغرِّب أبو يحيى وأنا، نمر بأستاذنا الأديب الشاعر محمود عارف رحمه الله، نسمع منه ونتحدث إليه، يوم كان منزله في البغدادية، وكان يجلس في غرفة صغيرة في الدور الأرضي، والأستاذ محمود يطل من نافذة صغيرة في تلك الحجرة، أسماها أبو يحيى الدقيسي ، وأهل جدة يعرفون هذا المسمى، الذي يعني ملحقاً صغيراً، كأنه زاوية يقبع فيها إنسان، قد يتاح من خلاله أن يرقب مَن فيها الحركة في الداخل والخارج.!
* وتصاحبنا في بعض سفراتنا بأسرنا إلى تركيا أكثر من مرة، كما تصاحبنا فرادى إلى مصر، القاهرة والاسكندرية، وكان أخي حمدان نعم الرفيق المطاوع.. ولو رجعت إلى الوراء خمسين سنة، حين كنا نسهر في منزل شيخ الحمال بالجمارك محمود قمصاني رحمه الله. أيام العزوبية، ونلتقي بالأستاذ عبدالله كامل، والأستاذ عبدالله ناظر هناك.. كنا نسير على أقدامنا مسافة ثلاثة كيلومترات، وتردنا سيارة الشيخ بعد السهر والعشاء، وكان الشيخ القمصاني رجلاً محباِ طيباً، ذا مروءة وشيم وخلق.!
* إن الذكريات مع أبي يحيى كثيرة وماتعة، ولو أطلقت لقلمي العنان لطال الوقوف مع أخ محب وفيّ، أثير علي نفسي، إنسان بسيط، صحبتهلا تمل في حضر وفي سفر، وحديث الذكريات معه ذو مذاق خاص، فالوفاء والمروءة يأسران الإنسان، والسماحة خلق، وكان أبو يحيى فيه تلك الخصال الحميدة الكريمة.!
* وحينما اصطلحت عليه الأمراض. قلّت لقاءاتنا، لأن حركته أصبحت محدودة، والهاتف لم يكن يسعف دائماً، وكنت أسعى إليه في بيته أو في العين العزيزية يعمل، ويدور حديث الذكريات حيث الذكريات حين نلتقي.. نتذاكر السعي والكدح، يوم شرعنا نعد لإصدار الأضواء نتشعبط عند مقبرة الأسد، على أعمدة الكهرباء، بأيدينا حبالنا وإعلاناتنا من قطع القماش لنعلقها هناك، إيذانا بقرب صدور الأضواء والحال نفسها في شارع قابل بجدة، أمام مسجد عكاش، حيث السوق.. إنها أيام وليال ذات صدى وسعادة، وإرادة تريد أن تصنع شيئاً يدفعها طموح الشباب. والتطلع إلى غد وأفضل وأمتع.!
* رحم الله أخي حمدان صدقة رحمة الأبرار ورطب ثراه، وغفر له، فقد كان أخا غالياً. والأخوة اليوم ندرة، في عصر المصالح والجشع والأنانية.. وأرجو الله آن يبارك في ذريته، ليكونوا خير خلف لخير سلف، وهم كما عرفتهم ملء السمع والبصر، أدب نفس، واحترام لكبير، وتقدير لصديق الأب والجد العم صدقة والد محمد وحمدان، فهو من الرجال الطيبين، من ذلك الجيل ذي المروءة والوفاء والود. والله المستعان.!
|