* الرياض - سعود الشيباني:
عبّر عددٌ من المثقفين عن تفاؤلهم بقرار خادم الحرمين الشريفين إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كونه سيسهم بقدر كبير في تفعيل دور الوحدة الوطنية، كما يساهم في تضييق الخناق على الأفكار المتطرفة الدخيلة على المجتمع، وسيسعى للقضاء عليها من خلال أطروحات هادفة سيتبناها المركز.
في البدء يقول الدكتور عبدالوهاب بن سعيد القحطاني أستاذ إدارة الأعمال والتسويق المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن: لقد أصبح التعبير الفكري الناضج الفاعل ضرورة في عصر الحوارات الغوغائية التي لا تقوم على أسس فكرية سليمة ما يجعل المجتمع ينجرف تحت رايات تتميز بالعبثية والتعصب للرأي. واليوم نعيش عالماً يختلف عن ذلك الذي عشناه قبل بضع سنين ما يشير إلى أننا نعيش حياة سريعة تتغير فيها الأمور بسرعة، بحيث نصبح تاريخاً إن لم نتفاعل معها بنضوج وحكمة. واليوم نرى متغيرات كثيرة داخلية وخارجية تؤثر في حياتنا ايجاباً وسلباً ما يحتم علينا جميعاً المشاركة في حوار هادئ فاعل للنظر في هذه المتغيرات بشكل جماعي وبمشاركة جميع فئات الأمة، وبخاصة المفكرين الذين لديهم ما ينفع هذه الأمة من رأي وفكر سديد.
وفي خضم الأحداث المحلية والعالمية التي يتضح تأثيرها على المملكة تتطلع القيادة السعودية إلى مشاركة مفكري ومثقفي الأمة فيما يهمها من أمور سياسية واقتصادية واجتماعية، لذا فقيام ولي العهد سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بإعلان تأسيس المركز الوطني للحوار يعتبر حدثاً تاريخياً للمملكة، وسيكون لهذا المركز الفتي الدور الكبير بإذن الله في بناء مجتمع ناضج فكرياً بعيداً عن المهاترات والغوغائية التي لا تعكس البعد الفكري والحضاري للأمة.
ومن المؤكد أن الحوار الحضاري سيوجه الأمة التوجيه الصحيح في وقت الأزمات التي تفرض التوجيه الكامل لقدرات الأمة لمواجهة التحديات المصيرية العديدة التي بتنا نراها من كل حدب وصوب في الآونة الأخيرة، ويجب أن تكون الوحدة الوطنية التي تمثل لنا رابطاً قوياً بين كافة السعوديين منطلقاً نركز عليه في حوارنا الوطني من غير مجاملة أو محاباة تبعدنا عن الأهداف الحقيقية للحوار البناء الهادف الذي يبني المجتمعات الحضارية، ولا ننسى أن الحوار الوطني البناء بحاجة لمقومات أساسية كالصدق والصراحة والشفافية والجرأة والموضوعية في الطرح لقضايانا المصيرية. وهنا أشدد على حرية الفكر والرأي والبعد عن التكلف والمحاباة لأننا نخدم أمة بكاملها صغيرها وكبيرها رجلها وامرأتها فقيرها وغنيها. فالخوف لا يوفر البيئة المناسبة للفكر الحضاري والرأي المستقل الذي يصب في المصلحة المشتركة للوطن، فالأمور ليست كما كانت عليه مما يفرض علينا جميعاً واقعاً جديداً يجب أن نتفاعل معه بما يخدم وحدتنا ومصلحتنا المشتركة التي تدعم وحدة الوطن.
ولا شك أن الفكر المضاد مهما كان مخالفاً لفكرنا فإنه لا يزال بيننا ويجب أن نتعامل معه بعقلانية وحكمة واحترام وصراحة للوصول إلى نقطة نجتمع فيها على خير الوطن بدلاً من رصد نقاط الخلاف لتكون بداية هدم لمكاسبنا الوطنية.
والحوار الوطني يساعد على تضييق الفجوة بين مختلف فئات المجتمع السعودي ويعطي كل فرد أو فئة الفرصة للتعبير عن الرأي بحرية بعيداً عن الحواجز النفسية والفيزيائية التي تزيد التفاوت الفكري وبالتالي تنشب الصراعات التي تهدر كل المكتسبات، فعملية الهدم أبسط وأسرع من عملية البناء.
والحوار البناء يتصف بالأخلاق الراقية والبعد عن التجريح والشتم والذم الذي يحول القضايا من موضوعية مشتركة تهم جميع فئات الأمة إلى قضايا غير موضوعية شخصية تزيد من فرقتنا ومنافستنا المذمومة التي لا تتفق مع ديننا وقيمنا العربية السامية، والحوار الوطني الذي نعنيه حوار شامل في جميع القضايا التي تهمنا جميعاً، وليس قضية دون أخرى حسب مزاج وعفوية ساذجة يتفرج عليها ويطرب لها الشامتون والأعداء المتربصون.
فالثوابت الدينية والوطنية يجب أن تكون المعيار والحكم في الطريقة التي نحاور بها بعضنا البعض، ويجب أن تكون على نمط طريقة الحوار التي كانت بين أسلافنا المسلمين الحقيقيين. فالسلوكيات الإسلامية والعربية الصحيحة المتبعة في الحوار الوطني ستخرجنا بإذن الله من أزمات كثيرة.
ومن جهته يقول الأستاذ مصطفى شهاب الصحفي بجريدة الحياة: أكد الإعلان عن موافقة القيادة السعودية على إنشاء مركز دائم للحوار الوطني على الجدية والاهتمام اللذين تبديهما الحكومة السعودية في التعامل مع التوصيات التي صدرت عن ملتقى الحوار الفكري الوطني الذي عقد في الرياض في يونيو الماضي الذي يعد أول ملتقى للفعاليات الفكرية والثقافية في المملكة يتعاطى مع قضايا عامة تهم المواطن السعودي فالملتقى في تقديري عقد في الوقت المناسب حيث أفرزت الأحداث الأخيرة ضرورة الوقفة مع الذات والبحث في أسباب ما شهدته المملكة من أحداث مؤسفة ما كان يجب أن تقع، لكن مجرد حدوثها عكس خللاً ما لا بد من معالجته بالحكمة، فعادة ما تحتاج الشعوب حالها كحال الأفراد للحظة تأمل تسترجع فيها عناصر قوتها تستلهم العبر مما مرّ من أحداث وتتلمس طريق مستقبل أقوى مما كان.
لقد ضم ملتقى الحوار الوطني فعاليات مثلت كافة شرائح المجتمع السعودي فكرياً واجتماعياً ودينياً وشهد الملتقى فضاء رحباً من الحوار الجاد والصريح وخرج بتوصيات التزمت بالمسؤولية والحرص على المصلحة الوطنية والاصطفاف خلف القيادة السعودية كمرتكز للحفاظ على المكتسبات واستشراف مستقبل أفضل لغد يشرق بالخير.
إن من المؤمل أن يعمل المركز في إطار من ذات الجدية والمسؤولية في التعاطي مع مختلف القضايا التي سيناقشها مستقبلاً وأن يكون إطاراً لترسيخ الوحدة الوطنية وأن يسهم في إثراء الساحة الفكرية والثقافية في إطار من الالتزام القيمي وأن يكون عوناً لقيادة البلاد في تعزيز الوحدة الوطنية وأن يكون قاعدة لتعميم فكر الوسطية والاعتدال الذي يقوم عليه ديننا الإسلامي الحنيف. ولا أرى أن هذه التطلعات مجرد أمنيات بل هي الواجب الذي يفرض ذاته وفقاً لما تمليه متطلبات المصلحة الوطنية العليا للبلاد.
ويقول الأستاذ شعيب عبدالفتاح المستشار الإعلامي بالسفارة المصرية: جاءت فكرة إنشاء مركز للحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية لتواكب مرحلة مهمة وضرورية يعيشها العرب والمسلمون جميعاً، حيث نجحت الآلة الإعلامية الغربية في لصق تهمة الإرهاب والعنف بالمسلمين وذلك في أكبر فرية يشهدها التاريخ.
لذا فالمركز جاء ليواجه بشجاعة إشكالية مع من نبدأ الحوار؟ أمع النفس والذات أولاً أم مع الآخر؟ وانتصرت فكرة إنشاء المركز لأولوية الحوار مع الذات والنفس أولاً.. من أجل بناء جسور الثقة والوحدة في الداخل وترميم كافة النتؤات الداخلية وسد كل الثقوب التي تأتي منها الرياح السامة والضارة بسمعة الإسلام والمسلمين، فقبل الحديث عن الحوار مع الآخر فإن على العرب والمسلمين أن يحاوروا أنفسهم ويقبلوا ببعضهم البعض ويفتحوا منافذ التعبير الأمين والهادف أمام كل ألوان الطيف وذلك على أسس متينة من المسؤولية الوطنية والالتزام الديني والخلقي والبعد عن المهاترات والمزايدات والتجريح.. ومع إنشاء المركز أصبحت الكرة في ملعب المفكرين والمثقفين وذوي الرأي والحكمة في أن يلعبوا دورهم الوطني والتاريخ في لم شتات الأمة، وتوحيد كلمتها على مبدأ الوسطية البعيد عن الإرهاب والتطرف والغلو.. وعلى هذا فالآمال كبيرة في أن يصدر المركز عدداً متميزاً ونوعياً من الدراسات والبحوث والتوصيات وبعدة لغات أجنبية مختلفة، كما يؤمل أن يعقد سنوياً مؤتمراً دولياً يكون ساحة للحوار والتلاقي من أجل أن يستعيد العرب والمسلمون دورهم السابق والمعهود في بناء الحضارة الإنسانية وإعمار الأرض.
|