يكاد يصل بعض الناس إلى الإيمان أن يضع من نفسه مقياساً لهذا العالم المترامي، فما يحبه هو نموذج المحبة العالمي وما يكرهه يجب أن تكرهه البشرية بأسرها، فمثلاً بيته هو مركز الكون ويقاس على ضوئه البعد والقرب، فإذا اشتريت بيتاً في سلطانة يبادر إلى القول: يا الله وش وداك في ذلك لأنه يحسب المسافة على أساس أن بيته مركز الانطلاق.. يا أخي عندك حي المرسلات هذا أفضل حي في الرياض.
ويدخل في هذا ممتلكاته فهي دائماً الأفضل، فإذا اشترى سيارة فهي لاشك أفضل سيارة: شف تايوتا عز الله انها سيارة لا تحتاج صيانة ولا تحتاج غثا وطبعاً تتلخص روعة تايوتا في الكوريلا التي يملكها، شف يا عبد الله الكامري دفع أمامي يعني كل يوم في الصناعية، وإذا قلت له بس اللكزس أفضل أنواع تايوتا: قال بكل حماس وجدية: يا عمي والله كل المسألة شوية جلد وزبرقات صدقني الكوريلا أفضل منها بكثير عملية وصغيرة، توقفها في أي محل وبعدين إذا بغيت تبيعها ما يطيح من سعرها شيء، وإذا باعها واشترى سيارة أخرى فالأولى هي أفضل سيارة في العالم والجديدة أفضل منها: الكوريلا ممتازة ما فيه كلام بس النيسان لك وللزمن فتعرف على الفور أنه باع الكوريلا واشترى نيسان.
أما إذا زرته في البيت فمن الطبيعي أن يسمح لأطفاله يخوطفون أمامك لأن أطفاله لا يمكن أن يتضايق منهم الناس، يقدمهم لك على أساس أن كل واحد منهم له موهبته التي لا يجاريه فيها أحد، وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها أطفاله ولكنها مناسبة لوضع ما قاله عنهم في السابق موضع التطبيق، وليقرن القول بالدليل. هذا اللي قلت لك انه مجنن الحارة يعني أقوى واحد في الحارة، وإذا التفت على الطفل الثاني صاح قائلاً: لا هذا.. هذا هادئ ياليت عيال الناس مثله، وبعد أن تقدم كل فروض المجاملة لا يفهمك على هذا الأساس بل يرى أنك تؤيده في آرائه وتؤمن أن أبناءه هم أعظم أطفال العالم، عندها يقفز ويقول: أجل ما شفت حمودي خل أروح أجيبه، يتركك مع الطفلين تركي ودحومي يحوسونك وبعد قليل يعود وهو يحمل طفلاً في المهاد، وعلى فمه ابتسامة تضيء الدنيا سعادة، وشفتاه لا تكفان عن تبويسه ثم يسلمه لك وهو يقص عليك مقدار ذكائه المميز، وعندما يبتسم الطفل أو يحرك يديه أو يلمس وجهك كما يفعل أي طفل طبيعي تنهال عليك القصص التي تؤكد على أن حمودي لابد أنه سيكون قريباً نابغة هذا الكون.تصدق يا عبد الله رحنا قبل كم يوم لخالتي وأثرها شاريه كمبيوتر لولدها أحمد من يوم شاف حمودي الكمبيوتر بدا يصيح ما سكتناه إلا بعد ما خليناه يلعب بلوحة المفاتيح، أمه تتوقع أنه بيصير مهندس كمبيوتر.
وعندما تسأله لماذا الولد نحيف يجيب دون تردد: يا أخي بعض الناس ما يعرفون التغذية السليمة، حنا طال عمرك حاطين له برنامج خاص، السمنة هي أكبر عدو للأطفال، وعندما تلتفت وتسأل إذاً لماذا فهودي على قدر من السمنة على الفور يبادر وينسى أنه قال ان السمنة مضرة ليقول: حنا عيالنا كلهم متعافين ولله الحمد ما نبخل عليهم بشيء وخاصة الفواكه، طبعاً يترك حمودي في حضنك ويذهب وبعد قليل يدخل وهو يقول تفضل يا أبا محمد، ولا يفكر أن يأخذ حمودي من حضنك لأنه مقتنع أنك متعلق به أشد من أمه، أليس حمودي أجمل طفل في العالم؟
تجلس على المائدة وحمودي في حضنك وتركي ودحومي على الجنبين وأصبح من واجبك أن تحدث تركي على الأكل وتلقم فهودي وتداعب حمودي، أما هو فسيتفرغ ليسرد عليك عشرات القصص، لكل ولد منهم قصصه الرائعة التي تميزه وتؤكد تفرده، فهذا قبل كم يوم طاح من السيكل وركضنا به للمستشفى يوم شافه الدكتور ما صدق، تدري وش قال الدكتور، قال لو انه ولد غيره كان هالحين في غرفة الانعاش لأن طيحته مهيب طبيعية بس الله ستر أن الولد ما شاء الله عظمه جبر.
يمضي الوقت وأنت مشغول بانجازات أبنائه، وإذا حاولت أن تلهيه عن موضوع ابنائه بأن تنقله إلى موضوع آخر فسوف تتورط أكثر، فإذا قلت له ما شاء الله من اللي طابخ ها الكبسة يرد كأنه محضر الجواب من عشر سنين: وفيه أحد يطبخ مثل أم تركي، أما إذا كانت الطبخة من عند طباخ خارجي: فلن تقل الجودة بل ستأخذ بعدا أوسع، هذا طال عمرك طباخ شفه في شارع الشميسي تصدق يجونه الناس من أقصى الرياض يتركون الفنادق ويجون له، على فكرة تراه ما يطبخ لكل من هب ودب، ثم يبادر ويلتقط قطعة لحمة وينطلها في دربك، ذق شف وشلون الطبخ، ثم يلتقط لحمة من الفخذ ويمدها لك ويطالبك أن تذوقها لترى الاختلاف الحقيقي، ثم تتلاحق قطع اللحم المنهالة على دربك ذق هذي شف وشلون كأنها سمكة، تكفى بس هذي، ولكي تتخلص تضطر أن تقول صدقاً أو زوراً أنا ما أحب أكثر من اللحم في الليل، يفغر فمه من الدهشة وهو يقول: هذا خروف صغير ما فيه شحم، يا أخ عبد الله أنا منقيه بنفسي من سوق الغنم، بعض الناس ما يعرف كيف يشتري الخرفان، يلعبون عليه بياعين الغنم، ثم يسرد تفاصيل الجودة في الغنم افتح فمها وسكِّر فمها ولازم تكون بلدي ولازم تاقف على رأس اللي يذبحها وكيف يقطعها، باختصار ستصل إلى أن الذي بين يديك أروع خروف في العالم، لأنه لا يملك إلا أعظم شيء في هذا العالم، سواء كان خروفاً أو كمبيوتر.
الجودة في عالمه لا تكمن في الأشياء ذاتها بل في اقترابه منها رغم أنه يطفش إلا أني أحسده لأنه يؤمن بكل كلمة يقولها، أكيد أنه يشعر بالسعادة، لأن أشياءه أفضل من أشياء الناس بغض النظر عن وجهة نظر الناس أو المفاهيم المتعارف عليها.لست خبيراً في علم النفس وفي سيكولوجية البشر، ولكني سأحاول أن أحلل السبب في نمو شخصيات من هذا النوع، ليس من باب العلم والمعرفة ولكن من باب المتعة نلتقي يوم الاثنين القادم.
yara4u2@hotmail.com
|