بلغت أعداد العمالة الوافدة إلى المملكة أكثر من ستة ملايين عامل حسبما أفادت إحصائيات تنشر بين آن وآخر، يبلغ حجم تحويلاتهم السنوية إلى بلدانهم قرابة «ثمانين» مليار ريال سنويا، مما يجعلنا نتساءل: إلى متى تستنزف أموال بلادنا للخارج؟! ونحن نعلم جميعا أن هذه المبالغ تم تحصيلها بطرق نظامية وسواها! والمقصود «بسواها» أن العامل لا يكتفي بدخله الشهري المتفق عليه إبان العقد، فهو يعمل لساعات إضافية طويلة خلال النهار وجزء من الليل لمزيد من الدخل، وهذا الأمر يعطي إشارة أن البطالة تزداد، بينما الأموال تهرب للخارج سيما وأننا نعلم أن العامل الأجنبي لا يكاد ينفق إلا للضرورة جدا وعادة يعيش متطفلاً على الآخرين لاسيما ممن يعملون في مهن البناء والسباكة والكهرباء فضلاً عن العمالة المنزلية التي تحول رواتبها كاملة مع الإكراميات التي تحصل عليها في المناسبات والأعياد من كفلائها!!
وأفادت دراسة أعدتها الشؤون الاقتصادية بأمانة مجلس التعاون الخليجي بأن مستوى التحويلات ينخفض في حال وجود أسرة العامل برفقته وتبعاً لذلك ظهرت أصوات تنادي باستقدام عائلات الوافدين للمملكة لوقف استنزاف الموارد المالية حيث بلغت منذ عام 1975م وحتى 2001م ما مجموعه 915 مليار ريال! نعم بالمليار!!
وتلك المطالب تزعم أن وجود أسرة العامل سوف يشجع على زيادة الاستهلاك الداخلي للأجانب وبالتالي استبقاء جزء أكبر من المبالغ التي يتم تحويلها، وتعلو تلك الأصوات لتطالب بتخفيف القيود المفروضة على استثمار العمال أموالهم في الداخل وذلك بإشراكهم بالأسهم والعقارات لاستقطاب جزء من المبالغ المحولة للخارج بل إنها تعزو السبب لخروج تلك الأموال إلى فشل السوق المصرفي في التخطيط لاستثمار أموال الأجانب، وكأن العمالة الأجنبية أصبحت قضية مسلماً بها بدلاً من كونها أمراً مؤقتاً.
نسمع تلك الأصوات تعلو في هذا الجانب بينما تخفت في الوقت الذي ننتظر أن يحل أبناء الوطن محل العمالة الوافدة ودخولهم لسوق العمل بقوة وإقدام حين يطرق أسماعهم الألف مليار المحولة للخارج!! ثم إن تلك الدراسة نظرت للجانب الاقتصادي من زاوية واحدة ولم تفكر في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المترتبة على استقدام عائلات الوافدين، حتى لو اشترط أن الراتب لا يقل عن «ثلاثة آلاف ريال» فهم بحاجة إلى سكن وخدمات بدلاً من وجود «سكن الجملة» المعمول به حاليا، فضلاً عن أن وجود أبناء وعائلات العمالة سيتطلب فتح قنوات تعليمية وعلاجية، عدا ما يسببه وجود العمالة من مشاكل أمنية. أما فيما يتعلق بالحوالات فإنه يلزم فرض رقابة شديدة على تلك الحوالات وربطها بأصل الراتب «على اعتبار أنهم يستلمون رواتب من كفلائهم وليس العكس» ووضع سقف أعلى للحوالات بحيث لا تتحول العمالة إلى متسولين بمعيشتهم الضرورية سواء بالأكل أو السكن أو حتى اللبس!! وإن كنا إلى وقت قريب «نتسامح» في ذلك لحاجتنا الماسة لهم فإن الوقت قد حان لأبنائنا أن يمسكوا بدفة العمل بدلاً من أولئك الوافدين.
وكما وفقت الحكومة في دفع الشباب لأسواق الخضار، والذهب، ومحلات الاتصالات، حتى أصبح ظاهراً للعيان نجاحهم بل تفوقهم وتنافسهم وتفويتهم الفرصة على الوافدين، فقد آن الأوان لبقية الشباب لاستلام حقائب مهنية أخرى تنتظر سواعدهم وإقدامهم.. فليس مثل الاقدام - يا أبناء الوطن - طريقا لقفل باب الاستقدام!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|