Friday 8th august,2003 11271العدد الجمعة 10 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بين الغلو والتغريب بين الغلو والتغريب
مبارك بن عبيد الحربي/ إمام وخطيب جامع الفاروق بمحافظة الخرج

الأزمات والمحن، يظهر معها الغث والسمين والنور والظلام، والحق والضلال، والصدق والكذب، والإيمان والنفاق.
تُجلي المنصف من الظالم، والمؤمن من المنافق، والصديق من العدو، والمحب من المبغض، والمصلح من المفسد.
تُجلي الأفكار، وتظهر بها الأسرار، وتفضح الأشرار، ويبين خبث الفجار، وصدق الأبرار، وشموخ الأخيار.
الأزمات والمحن يظهر معها كل فكر رصين، وطرح أصيل، وتجلي كل فكر دخيل ومنهج عميل يتخذ من الأزمات متنفساً لنشر سمومه، وبث آرائه وكيده وجهله وبلائه، وسوئه وانحرافه.
الأزمات والمحن مع ما فيها من الشر والبلاء والشدة واللأواء، إلا أنها في جانبها الأخر تظهر الصادق بجلاء، وتميز المنافق بوضوح، وما حدث من اعتداء آثم في الرياض إحدى تلك الأزمات والمحن التي تمر بها بلادنا حماها الله من كل مكروه، فكثر التناول والطرح حول هذه الفاجعة، ولي معها هذه الوقفات آملا ان تضفي مزيدا من الفائدة حول هذه القضية المفجعة، وتجلي شيئا من القضايا المهمة مع هذه الفاجعة المدلهمة.
أولاً: (بلادنا)
هي بلاد الحرمين بلاد ترفرف عليها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ارتضاها ولاة أمر هذه البلاد قناعة راسخة لا تقبل التردد ولا المساومة.
بلادُ هي قاعدة الإسلام، وحصن الإيمان، ومعقل الدعوة، ومنارة العلم، وإشعاعة الأمل، ونبراس لأهل الإسلام.
القرآن تنزل في أراضيها، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث من بطاحها، الإسلام نظامُها وشريعتها ومنهجها.
شرفها ربها بالولاية على الحرمين الشريفين والاعتزاز بخدمتهما. فحباها ربها نعما وخيرات، وأمنا ومسرات ورغدا وبركات، تهوي إليها أفئدة المؤمنين وتطمئن بسكناها نفوس العالمين، ويسعى للاغتراف من خيراتها أبناء المسلمين. ويمتد نفعها وخيرها إلى عموم المنكوبين والمكلومين.
بلاد: أشرقت أنوارها وعمت ثمارها، وفاح أريج خيراتها.
بلاد الحرمين
بلاد: القبلة والمساجد وجامعات العلم والمعاهد.
بلاد تحفيظ القرآن، ومراكز الدعوة، وجمعيات البر، ومؤسسات الإغاثة، بلادإقامة الحدود الشرعية، والبرامج الدعوية، والمشاريع الإغاثية، والمؤسسات الإنسانية، بلاد النهضة والنمو، والعلم والرقي، والثقافة والسمو، والحضارة والعلو، والمواقف الإسلامية الأصيلة، هي إشعاع الأمل في الأمة، ونبضُ الحياة في العالم، ونبراس الاستقامة، ومشعل الهداية.
ثانياً: (تجريم الحدث)
إن بلادنا ليست بدعاً من العالم فهي تبتلى كما يبتلى غيرها من بلاد العالم في عالم واسع، تقارب وانحصر بتشابك اتصالاته، وتعدد مواصلاته وتنوع وسائل إعلامه وفضائياته.
وحادث التفجير الآثم الذي وقع في مدينة الرياض نوع من هذا الابتلاء، ونمط من أساليب العنف والإرهاب الذي لا يمكن أن يكون قانوناً محترماً، أو عرفا مقبولاً فضلاً عن أن يكون ديناً أو عقيدة.
إن ما حدث في الرياض اعتداء وعدوان، وقتل وترويع، وإزهاق لنفوس معصومة الدماء إنه اسلوب غوغائي فاضح، ومنهج إفسادي بين، وطريق ينأى عن سلوكه كل من يحترم آدميته وإنسانيته فضلاً عن أن يحترم دينه وأمانته ومواطنته ووطنه.
إنه شذوذ وعدوان، تدفعه أفكار مضللة، وآراء شاذة، ومبادىء منحرفة، اتخذت الجهاد شعاراً، والتكفير دثاراً، يقودها الجهل والهوى، وتتلاعب بها أقوال البسطاء، بعيدة عن العلم الرصين، ومجانبة للحق الواضح المبين، ومسقطة لكل عالم أمين، ومنهج حصين ويغذيها فتاوي المتعالمين،الذين تحركهم العواطف، ويقودهم العُجب والحماس الطائش، فأصبحوا في البلاد عواصف مدمرة، وأيدياً مخربة والحق الذي لا مرية فيه أن الدين من هذا الفكر براء، وأن التدين والملة الحنيفية السمحة بريئان من هؤلاء.
ثالثاً: (تناولات الحدث)
برزت مع الحدث الكتابة والتحرير، والبيان والتحليل، والإيضاح والمكاشفة، كان هناك طرح وسط رصين، متميز بالعقل والحكمة، والحجة والدليل، والصفاء والنقاء، والوضوح والجلاء وفي المقابل تناول جملة من الكتاب والإعلاميين الحدث، تناولاً جائراً صب جام غضبه على مؤسساتنا الدينية وهيئاتنا الشرعية، وانتمائنا الديني، تناولاً مع الأسى والأسف لم يراع الصبغة الدينية لهذه البلاد، حتى تجاوز بعضُ الكتاب إلى الهجوم السافر على مناهج تعليمنا الدينية، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وبرامج الدعوة الإسلامية في المساجد والمنتديات، بل وصل الأمر للحديث حول قضية الولاء والبراء والجهاد وجعلها مثاراً للاستهزاء والازدراء، وكأننا نعيش في بلد كله غلو وتطرف، وإرهاب وتكفير، وإن واجب الدفاع عن الدين والشريعة، وحماية الوطن والأمة، وصيانة الأمن، والحفاظ على المكتسبات والمقدرات وأهمها وحدة هذه البلاد درءا للفتنة وإخماداً للتطرف كل ذلك يحتم على العلماء الناصحين، وطلبة العلم المخلصين، والمثقفين الأمناء من أبناء هذا البلد، والأكاديميين العقلاء من نتاج تعليم هذا الوطن، الردُ على هذه الكتابات تجلية وإيضاحاً، ونصحاً وبياناً، بطرح رصين بعيد عن التشنج والتشهير، والحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق بها، وظني بأبناء هذا البلد من الكتاب والمحررين والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين سرعة الرجوع متى تبين لهم الحق، وتجلت لهم الحقيقة هكذا أحسبهم .
رابعاً: (أساس هذه البلاد)
إن الدين الإسلامي أساس هذه البلاد، ومصدر عزها، ومنبع حضارتها، وسبب أمنها، وأس نهضتها، قامت به هذه الدولة عقيدة وديانة، وتمثلته سلوكاً ومنهجا وشريعة حياة، في مبدأ لا يقبل المساومة ولا الجدال، وهو بحمد الله اختيارُ ولاة أمرها وشعبها فنحن أمة مسلمة، نتخذ من الكتاب والسنة دستوراً ومنهج حياة على فهم سلف الأمة وعلمائها الربانيين، أهل العلم والتقوى والورع، ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
ونحن أمة مسلمة مأمورة بالتمسك بهدي رسولها صلى الله عليه وسلم نفخر بذلك ونفاخر به بين الأمم، فصلاة الجماعة، وتقصير الإزار، وإعفاء اللحى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحجاب المرأة المسلمة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإغاثة الملهوفين، ومساعدة المنكوبين وغيرها كثير كل ذلك مما هو نهج محمدي، وسنن نبوية، نتمثلها في قيمنا وأخلاقنا، وهدينا وسلوكنا، ونعلنها في بلادنا أمام الملأ، وعلى مسمع العالم، بتأييد من الولاة والعلماء، والأكاديميين الصلحاء، والمثقفين العقلاء، وأرباب المال الأجلاء، في توجه تفخرُ به هذه البلاد، وتفاخر به في منهج وسط بين الإفراط والتفريط والتكفير والتغريب.
وديننا الإسلامي الحق، إنما جاء لحماية الأنفس والعقول، والأموال والأعراض، والنسل والذرية، جاء لحفظ الأمن، والحفاظ على الأخلاق، جاء ليزرع أغلى المثل، ويربي على أعظم القيم.
وبلادنا خير مثال، وأعظم برهان، تلك هي ثوابتنا التي لا تقبل النقاش فضلاً عن أن يطعن بها أو يهمز ويلمز أهلها، وهذا ما أكده المسؤولون في بلادنا في لغة واضحة بينة وكلمات جلية ناصعة، وما ذاك إلا لما تمثله بلادنا من ثقل في العالم، ليس بما حباها الله من الثروات الطبيعية، وإنما بما تمثله المملكة العربية السعودية، من عاصمة للعالم الإسلامي، وأنموذج يحمل حضارة الإسلام الحقة، بكل ما تعنيه الكلمة، بل إن بلادنا هي معقل الإسلام، ومنبع الإيمان، التي تتجه إليها الأبصار ويشار لها بالبنان فكيف يطرح كاتب ما يخالف هذا التوجه، ويرغبُ أن تسير بلادنا في ركاب الشرق أو الغرب، متخلية عن أهم عناصر وجودها وفاعليتها في العالم.
وإن دولة هذا شأنها، وهذه حضارتها، لا تقبل القول بفصل الدين عن الدولة، كما لا تقبل أسلوب الخلط بين الإسلام الحق وبين الانحراف باسم الإسلام، كما لا نقبل أن يقصى الإسلام عن الساحة أو ينتقص أو يزدرى أهله بحجة وجود بعض الغلاة ولكن المنهج المطلوب وقف السلوك الشاذ في جانبيه الإفراط والتفريط، والغلو والتغريب، ليبقى الإسلام الحق، وليبقى هذا الكيان شامخا بحمد الله، آمنا بفضل الله، جامعاً بين محافظة على الدين وعقائده، وشريعته وشرائعه، مع ما يتطلبه الوقت من تحديث وتطوير مشروعين.
خامساً: (الإرهاب)
ليس له تاريخ معين، ولا بلد بين لا يعرف وطناً ولا جنساً، ولا دينا ولا زماناً، ولا مكانا ولا نظاما. بل هو أحداث ضاربة في عمق الزمن بدأ من قتل قابيل لأخيه هابيل ومروراً باعتداءات بني إسرائيل على أنبيائهم، وإرهابهم وقتلهم لرسلهم، وما حدث في عصر الفراعنة وما حدث في أرض الجزيرة قبل الإسلام، وما حدث في محاولات الاعتداء على المسلمين الصادقين في مكة، من قبل كفار قريش وقتل لهم، وسلب لأموالهم ومحاولات اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وما حدث من قتل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وما تلاه من أحداث الخوارج وغيرها وما يحدث في هذا الزمن في بلدان شتى ودول متفرقة كتفجير (فندق ممباسا ومنتجع بالي باندونيسيا) (وما حدث من تفجير في أوكلاهوما بأمريكا وتفجير لمركز التجارة العالمي في أمريكا من قبل امريكيين كفرة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر) (وما يحدث في ايرلندا من عمليات إرهابية بأيدي أبنائهم من أهل ملتهم) (وما يحدث في أسبانيا) (وما حدث من تفجيرات في الرياض قبل سنوات من قبل جنسيات كافرة). وغيرها كثير من الحوادث والوقائع، والفجائع والعظائم، التي تؤكد على مرور الزمن، أن الإرهاب بمفهومه الإفسادي فكر لا ينتمي في غالبه لدين بعينه، ولا منهج بخصوصه، وإنما هو في أغلب أشكاله وأحواله، يتفق على مبدأ تخويف الناس بالقتل والخطف، والتخريب والنسف، والسلب والغصب، والزعزعة والترويع، وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء المحترمة من غير سبب مشروع.
الإفساد والعنف مبدأ تتفق المشاعر كلها على إنكاره، وتلتقي العقول على رفضه، وتنطق الألسن الصادقة بالبراءة منه، ومن أصحابه، فهو علامة شذوذ، ودليل انفراد وانعزالية وجهل وهوى وغوغائية.
وأي مجتمع محترم عاقل يحب نفسه، ويحافظ على مكتسباته، لن يسمح لجملة من الشاذين أن يملوا عليه تغيير مساره، أو التشكيك في مبادئه ومسلماته، فعلينا إذاً ألا نسلم للكتابات المجتثة من فوق الأرض، وتلك المقالات الحاقدة، والأقلام المضللة التي تحيل على الإسلام بوصفه مصدر الإرهاب، أو تلك التي تحيل على المناهج التعليمية بأنها السبب (تمشيا مع اللوبي الصهيوني) فالعنف والإرهاب حسب مفهومهه الإسلامي لا جنسية له ولا وطن ولا عقيدة ولا زمن.
إنه عنف دولي منظم وراؤه سياسات عالمية في غالبه وليس ناتج مناهج تعليم إسلامية ولا سلالة حلقات تحفيظ قرآنية. فلماذا يساير أولئك الكتاب الأعداء، في توجيه الاتهام الجائر إلى مراكزنا ومؤسساتنا الدينية والشرعية، مما يزيد في العنف، ويغذي التطرف والغلو.
إن ما حدث من تفجير بشع في الرياض رمل ويتم وأفسد ليس منتج تربية وتعليم، وليس منتجاً محلياً، بل هو فكر وافد على أراضينا، حتى لو وقع في شراكه بعض أبنائنا، فهم خرجوا من بلادهم وديارهم يحملون فكرا سلفيا صافيا، وعاد بعضهم إليها وهو يحمل هذا الفكر المنحرف، كما عاد غيرهم من دول أجنبية أخرى وهو يحمل فكر التغريب والعلمنة.
سادساً: (أمننا الفكري)
ضرورة النظر الجاد في الأمن الفكري، ليكون تحصين العقول من الفكر الوافد بشقيه الغلو والتغريب ويكون الحفاظ على خصوصية المسلم في عقيدته الصافية وشخصيته المؤمنة.
لابدمن الوقوف الحازم والحاسم ضد كل فكر وافد يسمم العقول، ويحرف السلوك، ويسيء إلى الدين، ويشكك في الولاء، وصدق الانتماء، ويزرع الفتنة والانقسام في المجتمع.
إن الاهتمام بالأمن الفكري، يأتي في مقدمة الاهتمام بمفهوم الأمن كله.
فماذا يرجى من أمة أصيبت في فكرها، واضطربت في توجهها، وتزعزعت في عقيدتها إن هناك فئات ضالة في المجتمع، أحدها نحا واتجه الاتجاه التكفيري، والآخر اتجه نحو التغريب والعلمنة، وكلها أفكار وآراء لا تتفق مع الإسلام، وأصوله وتعاليمه وأحكامه، والإسلام منها براء.
والواجب تجلية أمر هذه الفئات، وبيان فكرها، وفضح توجهاتها، سواء كانت الأفكار التكفيرية التي ترى الخروج على الولاة والحكام، وتكفر العلماء والولاة، وتأخذ بالشبهة وتترك المحكم، وتغالي في فهم نصوص الشريعة، وأحكام الملة، أو الأفكار العلمانية الإلحادية التي ترى فصل الدين عن الحياة، أو تقول بنبذ الحجاب واختلاط الجنسين أو تطالب بإلغاء التعليم الديني، أو تزدري العلماء أو تخالف بطرحها الولاة وتهزأ باللحى، وتسخر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرامج الوعظ والإرشاد (كعذاب القبر والموت، والقيامة ونحوها) جميع هذه التوجهات يجب أن تجلى حقائقها وتبين دوافعها، ويؤخذ على أيدي أهلها، فجميعها أفكار وافدة فاسدة، وتدميرية ثائرة، ترفض الإسلام الوسط، وتهاجم الدين الحق، وتسعى لزعزعة الأمن، واختلاط المفاهيم، واضطراب الولاء والانتماء، إنها أفكار وتوجهات تولد البلبلة، وتثير الفتن، وتغرس الوساوس والمخاوف، وتبث الفرقة والانقسام في المجتمع.
فحق على كل مخلص ناصح للأمة، وواجب على كل عاقل يسعى لوحدة الصف والكلمة ألا يقف موقف التشكي والتلاوم وبث الأحزان، بل يبادر حسب قدرته وطاقته، وقدر معرفته وإمكاناته، بغرس القيم الحميدة والأسس الإسلامية الراسخة، وحماية العقول وتدعيم الثوابت الإيمانية، وتعرية أساليب الأعداء، وكشف أصحاب القلوب المريضة، والتوجهات المشبوهة، والأفكار الوافدة، ويجب ترسيخ مفهوم حق السمع والطاعة لولاة الأمر والعلماء وحفظ حقوقهم في المنشط والمكره، والعسر واليسر، والرضا والغضب، والارتباط الوثيق بالثقات، من أهل العلم وكبارهم، وحماية سياج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الغلو والتطرف، ونبذ العلمنة والتغريب، ومجانبة التعصب والتحزب، والانغلاق المذهبي. وإن تلك الأفكار المنحرفة، وتلك الأقلام الجائرة الثائرة إذا لم يحسن توجيهها فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً منفصلة عن دينها، جافية لعلمائها وولاتها ووطنها، وأجيالا أخرى لا ترى الخير والصلاح إلا فيما عند الأعداء ولا ترى التخلف والسوء إلا فيما عند أهلها ودينها ووطنها.
إنها نذر سوء تنال من أمننا الفكري، واستقرارنا النفسي، تنال من وحدة هدفنا، والتحام صفنا، ورسوخ أمننا، وثبات قيمنا ومعتقداتنا، فبلدنا ينتمي إلى خير فكر ومعارفنا أصح المعارف، وقرآننا وحده هو الذي يهدي للتي هي أقوم قال تعالى: {الذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وّهٍم مٍَهًتّدٍونّ}.
سابعاً: (مناهجنا التعليمية)
ومن القضايا الملحة التي يكثر الطرق عليها من قبل جملة من الكتاب قضية المناهج التعليمية وأثرها السلبي على الأمة، ودورها في تفريخ مثل هذا الفكر، وتلك شنشنة معروفة من أولئك فمناهج تعليمنا الشرعية بحمد الله، مناهج مستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على فهم سلف الأمة، صاغها علماء أجلاء، وتربويون أمناء، ومؤلفون أفاضل، تغرس العقيدة الصحيحة، وتربي على الأخلاق الفاضلة، وتنمي الخصال الحميدة، مناهج تدعو الى التدين المنضبط، والاستقامة الحقة.
مناهجنا تدعو إلى كل خلق فاضل، ومسلك حميد، ووسطية سامية، وثقافة عالية، وعقيدة صافية.. الولاة في هذه البلاد نتاجها، والعلماء ثمارها، والأكاديميون والمهندسون والأطباء مخرجاتها، ورجال الأمن والعسكريون كلهم نهل من معينها وتتلمذ على معلميها.
أفمن أجل فئة ضلت الطريق، وأخطأت المسلك، ولعبت بها الأهواء، وتقاذفتها الآراء المنحرفة، فأصبحت ذا منهج منحرف، وفكر مختلف، توصم المناهج زورا بالتحريض وترمى بهتاناً بالتفريخ لهذا الفكر، وتقذف جورا بأنها السبب، فأين الحق والعدلُ والإنصاف؟!.
إننا لو سايرنا هؤلاء الثائرين، والمتعالمين الجائرين من الكتاب لقلنا بإرهاب أربعة ملايين مواطن هم مجموع طلابنا أفيليق أن يطرح مثل هذا الطرح الجائر، مواطن يدعي العلم والمعرفة والإخلاص لبلده والغيرة على مجتمعه ولكنها الأهواء المنحرفة، والرغبات المبطنة، والكتابات الجائرة التي تطلق الكلام جزافاً غاضة الطرف عن مناهج يهود الشتات، ومناهج تعليم العنف في إسرائيل، وتربية (الأغيار) ذلك المصطلح الذي يكرس العنصرية اليهودية، وقداسة العرق اليهودي فلم لم يطالب العالم بتغيير هذه المناهج التي أنتجت القتل والإبادة والاضطهاد والتشريد في أرض فلسطين أم أنه الركض في مسارب التغريب دون إدراك وشعور.
ثامناً: (العلم الشرعي)
إن هذه الأحداث الأليمة توجب على الأمة مزيدا من الاهتمام بالعلم الشرعي، والعناية الفائقة بتحصيله، من الكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة، وذلك في المدارس والجامعات والمعاهد والكليات والمساجد والمنتديات، ووسائل الإعلام والاتصال، ولا ينادى بتنحية العلوم الشرعية، أو التقليل من شأنها، أو إلغاء مناهجها ومحاربتها، فبحصيل العلم الشرعي تكون العقيدة السليمة، والمنهج القويم والعبادة الصحيحة، بتحصيل العلم الشرعي علي يد أهله، تكونُ الحياة المطمئنة والعيش المستقر، وليعلم الشباب وأفراد الأمة أن هذا العلم إنما هو بالتلقي فليحسنوا الأخذ من العلماء الأجلاء، وطلبة العلم الأتقياء، والدعاة الصلحاء، أصحاب المنهج السليم، والعقل الواعي، والإدراك والمعرفة وليكن العلماء هم المرجعية الشرعية لنا، فقد رفع الله شأنهم بالعلم وزينهم بالحلم بهم يعرف الحلال من الحرام والضار من النافع والحسن من القبيح.
العلماء فضلهم عظيم، وخيرهم عميم، حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة، لا يتصور منهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة.
بهم فاقتدوا، ومن علمهم فانهلوا وعن فتواهم فاصدورا فإنهم إن تكلموا.. تكلموا عن علم وإن سكتوا.. سكتوا عن علم، وحذار من التقليل من شأن العلماء، أو تنقُّصهم، أو الاستخفاف بهم فتلك مصيبة عظمى، وفادحة كبرى إذ إن إهانة العلماء وازدراءهم ليس إهانة لذواتهم فحسب بل يتعدى إلى إهانة ما يحملون من العلم، وما يتمثلون من الدين والخلق، ويخشى على من أهان العلم من حلول العقوبة المعجلة به، لشناعة جرمه وعظيم جنايته.
قال ابن عساكر رحمه الله: «اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته، إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة وقل من اشتغل في العلماء بالثلب إلا عوقب قبل موته بموت القلب».
وقال الطحاوي رحمه الله «أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهم على غير السبيل».
إن في إهانة العلماء، وإسقاط حقهم، تنفيذا وتحقيقا لما تسعى إليه (يهود قبحها الله) فقد جعلت من أهم أهدافها، إلغاء شخصية العلماء، ومسخ مكانتهم، لتسقط المرجعية، وتحدث الفوضى وتفشو المنكرات، جاء في بعض بنود مخططاتهم «وقد عنينا عناية عظمى بالحط من كرامة رجال الدين ويعنون بهم العلماء من غير اليهود، في أعين الناس وبذلك ننجح في الإضرار برسالتهم التي كان يمكنُ أن تكون عقبة كؤودا في طريقنا».
فالحذر من ذلك الموقف المشين تجاه العلماء، فتلك خيانة للأمة وإعطاء فرصة لأعدائها من اليهود وأبواقهم ليمرروا مخططاتهم ، ويحققوا أهدافهم).
تاسعاً: آفاق الحوار
إن هذه الأحداث الموجعة والأفعال القبيحة لتوجب على العلماء والدعاة، والمكفرين والمثقفين، والخطباء والمصلحين، فتح آفاق الحوار مع الشباب وسماع آرائهم، وما يدور في خواطرهم وذلك لحماية الشباب من التخبط في أوحال الدعوات المضللة، والجماعات المنحرفة، ولنعلم أن الاستماع لمثل هؤلاء واجب متحتم، وفرض متعين لنزيل عن عيونهم الغشاوة، وعن قلوبهم الشبهة، ولن يكون غلق الأبواب دونهم حلاً ولا تعالج قضايا الانحراف الفكري بالتهوين من شأنها وشأن قائلها، ولا تعالج بالتنقص والازدراء، أو السخرية والاستهزاء، ولا تعالج بالهجوم المباشر على سائلها، وسبه وتحقيره وتبديعه وتكفيره.
وإنما العلاج بالغوص في أعماق المشكلة، ودراسة أسبابها، ومعرفة أحوالها ووضع الحلول المناسبة لها، مع بيان جلي للحجة، وإظهار واضح للأدلة، ومقارعة الدليل بالدليل، وأن يكون ذلك بحوار هادىء، وأسلوب متعقل بعيد عن التشنج، وينبغي ألا تضيق صدور العلماء الأجلاء بأسئلة السائلين، وأن يستوعب العلماء الأسلوب الذي يطرح فيه السؤال، مهما كان فيه من ركاكة في العبارة أو سوء في المسألة، أو نقص في التعبير والبيان، فقد جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من النبي الإذن له في الزنى، ومع ما في هذا الطلب من سوء وشناعة، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينهره ولم يقهره، بل دعاه وحاوره محاورة الواثق من علمه، المطمئن لمنهجه فكانت النتيجة، أن خرج الشاب وما شيء أقبح إلى نفسه من الزنى، فما احوجنا إلى الحوار مع الشباب بكل حكمة وروية، وعدل وإنصاف، وحجة وبيان، ودليل وإيضاح، لنحقق لنا ولهم السلامة والاطمئنان، والعمل المتقن والهدف الأسمى، فهؤلاء أبناؤنا وثمار أفئدتنا شئنا أم أبينا، وسواء اتجه أحدهم إلى الفكر المتطرف في الدين أو جنح إلى الفكر التغريبي الذي يرى الانفلات من الدين، والتخلص من أحكام الشريعة الثابتة، ونصوص الوحي الصحيحة، فكل هؤلاء أخيراً هم أبناء هذا البلد ومحاولة حل مشكلاتهم الفكرية، وانحرافاتهم العقدية، مطلب ديني، وخيار استراتيجي وواجب ووطني، يصب لصالح مجتمعنا، والنجاح في معالجة الأفكار، ايا كان انحرافها وتطرفها، وردها إلى جادة الحق والصواب، بالرأي والعلم والمحاورة والمناقشة والإقناع، هو بالتالي نجاح لنا كبلد يملك اعظم مقومات الحوار، ولغة الإقناع من خلال منهج إلهي نقل العرب من رعاة غنم وإبل إلى ساسة فكر وقادة دول، ومن عباد أحجار وأصنام إلى عبادة الملك الرحمن الذي لا إله غيره، ومن أخلاقيات الغاب والسباع إلى أخلاق الرحمة والتسامح، ومن كثير من الممارسات المنحلة، إلى جملة من المثل الرائعة، فلم يعرف التاريخ البشري لغة حوار مثل لغتنا، ولا احتراماً للعقل، مثل احترام ديننا للعقل والرفع من شأنه فهلا فسحنا المجال للنقاش والمحاورة والإقناع والمناقشة، ففي بلدنا جملة من الشباب في أذهان البعض منهم شبه وإشكالات، وفي أنفسهم جملة من التساؤلات، التي تحتاج الى تجلية وإيضاح وبيان وإفصاح فمتى نرى علماءنا الأجلاء أعضاء هيئة كبار العلماء وأعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء، ومعالي رئيس مجلس الشورى، ومعالي وزير الشؤون الاسلامية، يفتحون مجالسهم لاستقبال الشباب ولو ساعة أو ساعتين من كل أسبوع في لقاء أخوي أبوي، ليسمعوا من هؤلاء الشباب وغيرهم التي يجب أن تطرح أسئلتهم بكل وضوح، وبيان، وصراحة وشفافية فيجاب عليها بكل عطف وشفقة، ومحبة ورحمة، وتوجيه وحكمة، ودليل وحجة هكذا عهدنا علماءنا الأجلاء فهل يتحقق هذا الطلب؟؟ لنكون قلبا واحدا للرقي بهذا المجتمع، الأمل في الله ثم بهم كبير، أن نرى تلك اللقاءات المفتوحة قريبا بإذن الله.
عاشراً: (إنكار الأفكار المنحرفة)
إن إنكار مثل هذه الافكار الشاذة، والآراء المنحرفة يجب التفريق فيه بين القلة الشاذة والسواد الأعظم المستقيم، ويجب أن يعلم الكتاب والصحفيون والمثقفون والمحللون والإعلاميون أن مواجهة الغلو لا تكون بالتنفير من الدين وأهله، وإخراج أهل التدين والاستقامة بصورة منفردة، فالشعب مسلم وبشرع ربه مستمسك، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متشبث. وإن محاولة تهميش الدين، وعزل أهله من أهم أسباب الغلو.
الغلو والانحراف والتطرف تحارب بنشر العلم الصحيح، وتعالج بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السلف الصالح، وعلى هذا يجب أن يكون توجه الكتاب والمفكرين ووسائل الإعلام والمربين، وهو التوجه الذي ارتضاه ولاة الأمر وفقهم الله.
فدين الإسلام واضح المعالم، نقي الفكر، طاهر المورد، يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، ويرفع ولا يخفض، ويعز ولا يهين.
من أجل هذا فليحذر المسلم والكاتب والإعلامي من إطلاق عبارات أو كلمات، يفهم منها أن المتمسك بالدين وآدابه، وهديه وسننه، في قفص الاتهام، فنحن في بلد هو عاصمة الإسلام. يمارس فيه المسلم أحكاماً تميزه عن غيره كصلاة الجماعة وارتياد المساجد والتزام السنة في اللباس، وإكرام اللحى، والبعد عن التشبه بالكفار وأهل الفسوق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحجاب المرأة، وبرامج الوعظ والإرشاد، كل تلك وأمثالها أمور يجب حفظها ورعايتها، وتقديرها وتقدير أهلها.
حفظ الله على هذه البلاد دينها وأمنها ورد عنها كيد الكائدين وحقد الحاقدين وزادها تمسكاً واجتماعاً، وألفة واتحادا، وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved