Friday 8th august,2003 11271العدد الجمعة 10 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة التاريخ قراءة التاريخ
نايف بن محمد الهُذلي

التاريخ هذه الكلمة التي نرددها ليل نهار ونمررها على الالسنة وننظر إلى ما قاله التاريخ ولكننا نهمل التاريخ نفسه أو نتغاضى عنه فنتركه ونتجه للاحداث التي وردت فيه نذكر الابطال ونحتفل بانتصاراتهم وننسى التاريخ نمتدح الشعراء ونترنم بقصائدهم وننسى التاريخ نحتفي حتى بالعشاق ونحزن لحالهم ونهاياتهم أو نفرح ونصفق لها كثيراً وننسى التاريخ ننسج الخيالات من خلال الاحداث التي وردت لنا عبر التاريخ وننسى التاريخ. نرحل عبر الازمنة على بساط صفحة التاريخ التي لا تمزقها الايادي العابثة وقليل هي الايادي التي تحاول البناء في صفحة التاريخ وننسى التاريخ ورغم هذا أو ذاك يبقى التاريخ محتفلا بنفسه وباكيا لحاله ويبقى الكثيرون في المنطقة الوسطى اي على هامش التاريخ.
نسمع في فترات ان فلاناً دخل التاريخ من اوسع الابواب فهل التاريخ نزل أو مكان له ابواب منها الضيق ومنها المتسع ونسمع ان فلاناً دخل التاريخ من اسوأ ابوابه فهل وصل التعدد في ابواب التاريخ إلى ان يصبح فيها الجيد ومنها الرديء كثيرة هي المصطلحات التي تمر على السنتنا دون ان ننقب في ثناياها والسبب عجلتنا واستعجالنا في اغلب الامور وان كانت هذه طبيعة الانسان الا ان الانسان العربي يتفوق على غيره في نسيان الماضي ويتميز فقط بتغنيه الدائم بمنجزات الاجداد دون ادنى درجة من الوعي في المحافظة على مكتسباتهم أو الابواب التي دخلوا منها التاريخ وقد يحدو بعضهم من شدة الطرب ان يجعل من الاحداث اساطير ومن ثم يدبجها بالمديح حتى تخرج عن طور ما يمكن ادخاله إلى العقل ومن ثم لا تجد الا النفي لها حتى من بعض ابناء العروبة انفسهم.
اعود إلى التاريخ الذي تركته واتجهت إلى احداثه بعد تمعن وبعد تأمل وبعد رحلة في كتب التاريخ وجدت ان التاريخ هو الذكرى بكل انواعها أو بالادق هو ما تختزنه الذاكرة عن الاسماء والاعلام والاماكن لذلك كان له ابواب وكانت له صفحات وكان له داخلون ولكن العجيب الا احد يخرج من التاريخ بمعنى ان ذاكرة التاريخ لا تنسى وتتسع لكل شيء بدون استثناء وهنا يلح السؤال هل كل من يقال عنه انه قارىء جيد لتاريخ هو الذي يصنع الاحداث؟ أم الذي يعيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين؟ لا اعلم في الحقيقة ولكن نجد انفسنا كل يوم نحث على قراءة التاريخ.
ولعل قراء التاريخ قلة، لهذا العظماء قلة لانهم وحدهم من يصنع التاريخ، وبقدر ما يكون دخول التاريخ سهلا بقدر ما تكون صناعته صعبة ومعقدة هنا يطل السؤال برأسه هل العظماء فعلا اجادوا قراءة التاريخ؟ ام انهم من جعله يستحق القراءة؟ هنا تبرز الاقحامات العجيبة ويبرز تعريف غير واضح ومتشعب للتاريخ فالتاريخ شيء من الذكرى أو شيء تختزنه الذكرى له أبواب بعضها ضيق وبعضها متسع وبعضها حسن وبعضها سيئ وبعض الناس يصنعون هذا الشيء العجيب الذي لا ينسى حتى نفسه ويسجل كل شيء ويحتمل كل شيء وأيضاً لابد ان نذكر انه يستطيع ان يعيد نفسه بمعنى: الاستنساخ ليس جديدا واسألوا التاريخ.
رغم كل هذه التعقيدات في داخل لفظة التاريخ فقط ورغم ان اي امة لا تمتلك جذورا تاريخية لا تستطيع مجاراة الامم ورغم الحث الشديد على التمسك بالتاريخ ورغم العمل على تحقيق ما كتب في صفحة التاريخ الا ان من يتخرج من الجامعات الآن وهو يحمل شهادة في التاريخ فكأنما قتل حلمه في المهد فلن يجد اي قبلة له يستطيع ان يتوجه اليها حتى صفحات التاريخ ترفض له أن يسجل اسمه بأنه كان يوماً يعمل هنا أو هناك.
لذلك وان قالوا ان التاريخ لابد ان ينصف الجميع أقول لا ان التاريخ لا ينصف حتى نفسه ولا ينصف أهله لانه لا يصنعه الا المنتصرون لهذا نجد المنتصر دائماً بلا اخطاء وحين يسقط أو يخسر نجد ان صفحته تعود إلى لونها الحقيقي فتجدها سوداء، لا بل حالكة السواد فمن هو المنتصر الحقيقي إذاً؟ هو أم نحن أم هم أم التاريخ ويبقى السؤال ماهو التاريخ؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved