يتخذ الشيشانيون في علمهم الذئب رمزاً لأمتهم ويغيب عن بال الروس انك يجب ان تخشى ضراوة الذئب الجريح، وقد تعددت فصول المقاومة الشيشانية للهيمنة الروسية عبر التاريخ لتصل الى حرب العصابات والمدن وليتوغل اليأس في نفوس الشيشانيين ليصبح باروداً يدفع الفتيات والنساء والاطفال والرجال ان يلفوا الاحزمة الناسفة على اجسادهم ويغامروا بحياتهم، فتارة يغيرون على المسارح والابرياء فيها وتارة يغيرون على قوافل الجيش الملوثة عقولهم وبنادقهم بدماء الابرياء ايضاً، ولهذا النضال الشرس النابع من ضمير امة جريحة حكاية قديمة جديدة لابد من معاينة ظروفها كي لاتلتبس الاحكام على من« وأقصد مزاعم الحكومة الروسية» يصف مقاومة الشعوب بالارهاب ولاسيما انه هو من يجلس مع مهندسي خارطة الطريق لأزمة الشرق الاوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين دون ان يكون معه براءة ذمة من دم الابرياء او شهادة تقدير او خبرة في صنع السلام الداخلي قبل الخارجي منه.
وتعود الحكاية الى حرب دامت رحاها لاكثر من قرنين من الزمن فبعد انتهاء الحرب في القفقاس عام 1864م «وهو تاريخ استسلام الامام شامل» الذي تفرد له الفصول مكتوبة بحبر الدماء التي فاضت انهاراً وكانت نتيجة الممارسات الوحشية للابادات الجماعية والتهجير القسري لشعوب جبال القوقاز، فمن خلال تقرير من التاريخ ارسله الى الجنرال كاتراتشيف يشرح المسؤول في ادارة شؤون الهجرة في القنصلية الروسية في ترابزون «ميناء في تركيا» احوال المهجرين واوضاعهم المأساوية على طريق الترحيل الطويل حيث مات منهم من مات وقد ورد في هذا التقرير: «حضر الى باتوم ميناء روسي على ساحل البحر الاسود سبعين الف شخص اثناء ذهابهم الى تركيا، ويموت منهم وسطيا سبعة في اليوم ومن بين الـ700 ،24 شخص الذين اخرجوا الى ترابزون مات منهم حتى الآن تسعة عشر الفا، اما من بين الموجودين هناك والبالغ عددهم 900 ،63 شخص فيموت منهم كل يوم مابين المائة والثمانين الى المائتين والخمسين شخصاً، وبالنسبة للموجودين بجوار سامسون «وهو ميناء تركي ايضاً» الذين يخمن عددهم بنحو مائة وعشرة الاف فيموت منهم مائتا شخص وسطياً كل يوم، ولقد اعلمت بان الـ4650 شخصاً الذين تم احضارهم الى ترابزون وفارنا واسطنبول يموت منهم حوالي الاربعين الى الستين شخصاً يومياً، هكذا كانت تئن تلك الامة الشجاعة الفاضلة تحت وطأة المصائب المنهمرة عليها الواحدة تلو الاخرى، اما البقية الباقية منها فقد كانت في حالة مأساوية يرثى لها اذ تفرقت شذراً في البلاد مابين دوبروجا وبلغاريا وصربيا وارناؤوط وسوريا والعراق حيث كان يتم اسكانهم على الدوام في اماكن معرضة للخطر وغير آمنة.
ومن تاريخ المنطقة انه عندما ابلغ اخو القيصر الروسي ونائبه في القفقاس غراندوك ميشيل سكان غرب القفقاس في شهر اب من عام 1864 بالقرار الآتي «في حال عدم اخلاء البلاد خلال شهر واحد سيتم تهجير السكان كافة الى مناطق مختلفة من روسيا كأسرى حرب»، وهكذا ولتجنب الوقوع في الاسر او التبعية لأي احد الامر الذي كان يعتبره الشراكسة «وهم سكان جبال القوقاز او القفقاس» اكبر اهانة، اجبروا على مغادرة وطنهم الحبيب وقد صاغ ليرمونتوف «الكاتب» هذه الواقعة بالكلمات التالية: «لماذا ترك اولئك الناس اوطانهم وقبور اجدادهم؟ ابقوة الاعداء؟ كلا! لكن كي لايقعوا تحت نير العبودية التي قد تجلبها عليهم وطأة الاعداء، وفي تسليط الضوء اكثر على نضال الشيشانيين نجد ان الحركات العسكرية الناشطة استمرت على الاراضي الشيشانية حتى عام 1878م تحت قيادة نائب الامام شامل بايسونغور وماكوميد «محمد» وامين وامام الشيشان الحجي البيك، كما استمرت الحركات العسكرية هناك ضد الادارة الروسية المحتلة حتى عام 1876 حيث قتل خاسوخة ماكومادوف اخر قائد شيشاني عسكري في العام نفسه.
وفي عام 1780 بدأ الشيشانيون مقاومة احتلال القيصر الروسي، وكان قائد الجهاد هو الشيخ منصور الذي اعتقل عام 1791 واستشهد عام 1794 في سجن سليسلبرغ، وفي عام 1816م عين الجنرال يرمالوف قائداً على القفقاس وكان قد اعد جيشاً كبيراً معطياً اشارة البدء لعملية الابادة في القفقاس، وفي عام 1828م عمت الحرب سائر ارجاء القفقاس واستمرت مقاومة المسلمين في داغستان تحت زعامة كل من الامام غازي محمد والامام حمزات.
وفي عام 1834 تابع الامام شامل تزعم المقاومة بعد استشهاد الامام حمزات، كما انضمت القوات التي كانت تحت رئاسة تاسو حجي الى الامام شامل ايضاً، وفي عام 1839م استمر القيصر الروسي باتباع سياسة الضغط على الاراضي الشيشانية بهدف الاستيلاء على القفقاس، وبدأت جميع شعوب شمال القفقاس النضال تحت زعامة الامام شامل، حسب التاريخ الروسي فقد استمر الجهاد القومي الحر في القفقاس 25 عاما، وفي عام 1859 احتل الروس قرية فيدينو اخر معقل للشيشانيين ووقع الامام شامل في الاسر، رغم هذا لم يحبط الشيشانيون بل استمروا في نضالهم حتى عام 1864 وفي عام 1877 ثار الشيشانيون والانغوش من جديد، وبعد عامين من الحرب الضارية شرع الروس بتهجيرهم من اوطانهم لتوطين الروس القوزاق «وهي طبقة الفلاحسن من الروس» في المنطقة، اثر ذلك بدأ الشيشان والانغوش حرب العصابات واستمر المجاهدون بالنضال ضد الروس القوزاق تحت زعامة زليمخان حتى عام 1917 وفي ايار 1918م وعقب سقوط الامبراطورية القيصرية الروسية شكل احد القادة السياسيين الشيشانيين تحت رئاسة تابة تشير موييف «جمهورية شمال القفقاس» في القفقاس، واعترفت المانيا والدولة العثمانية بهذه الجمهورية، الا ان هذه الدولة غدت فريسة هجوم و احتلال الجيش الابيض اولاً ثم الجيش البلشفي، وبين عامي 1919 و 1920 ورغم استمرار النضال تحت زعامة الشيخ اوزون حجي احتل البلشفيون سائر شمال القفقاس عام 1921 الا ان حرب العصابات لم تتوقف وعلى وجه الخصوص في الشيشان واضيف في هذه المرة محاولة نشر الشيوعية الى جانب التوسع الروسي في القفقاس، وفي عام 1922م اطلق الشيوعيون على المنطقة اسم «الولاية الشيشانية» وبين عام 1924 1925م اعلنت الاحكام العرفية وزج بالكثيرين في السجون وفي عام 1929 بدأت القيادة الروسية الاستيلاء على الاراضي القفقاسية فقامت حركة شيشانية مناوئة تحت زعامة سيت اسلاميولوف وفي عام 1930 عمل الجيش الاحمر على التوصل الى اتفاقية مع المجاهدين تحت رئاسة سيت اسلاميولوف، وتعهد السوفييت في هذه المعاهدة باحترام وضمان حقوق الانغوش والشيشان وفي عام 1931 خرقت منظمة الاستخبارات الروسية ال«ك.غ.ب» الاتفاقية وقتلوا سيت اسلاميولوف ورفاقه رميا بالرصاص، وتسلم مكانس يت اسلاميوف اخوه حسان اسلامبوف واستمر بالنضال ضد الجيش الاحمر حتى عام 1935م وقبل ذلك في عام 1932م كان قد ثار الشعب في منطقة نوغاي يورت، ولاخماد ثورتهم تلك قام جهاز ال«ن.ك.ف.د» الذي تحول فيما بعد الى ال«ك.ج.ب» جهاز الاستخبارات السوفيتي، بزج ابناء الشعب في السجون وتعذيبهم، وعقب ذلك قامت ال«ك.ج.ب.» بهدف القاء اللوم على عاتق الشعوب الموجودة في المناطق الاخرى، بافتعال ثورة مزيفة تحت زعامة رئيس الحزب الاحمر ابراهيم كيلديران حيث قام الجيش الاحمر باطلاق النار على الشعب وقتل كيلدران، وفي عام 1936 اطلقت موسكو اسم الجمهورية الشيشانية الانغوشية السوفيتية الاشتراكية ذات الحكم الذاتي على ولاية الشيشان، انغوشيا، وفي عام 1937 زج بكل من كان يعترض على كلمتي «السوفيتية الاشتراكية» بالسجن، واعتقل الالاف بهذه الطريقة ولم يعد احد من المعتقلين الى منزله وفي عام 1940م غدت الثورة التي كان يخوضها حسان اسلامبوف ضد سياسة التهجير التي اتبعها الروس عاملا موحداً للثورات في القفقاس، واستعاد حسان اسلامبوف مدينة شاتوي كما الف حكومة مؤقتة لشعب الانغوش والكالادوج، وفشلت روسيا في القضاء على مويدي اسلامبوف رغم عشرات الهجمات التي قامت بها، وفي عام 1942 اعلن في الشيشان عن اعادة تشكيل الدولة الشيشانية التي كان على رأسها المحامي حسان اسرائيلوف، وفي 23 شباط 1943 وبعد عملية عسكرية واسعة النطاق قام ستالين بتهجير سائر الشعب الشيشاني الى جانب كل من شعوب القرم والقراشي والبلقار واتراك اخيسكا الى سهوب سيبيريا وتركستان، ورغم ذلك استمرت حرب العصابات في سائر ارجاء الاراضي الشيشانية وحتى عام 1976 وكان قد قضى الالاف من الشيشانيين نحبهم في عام 1944، اثناء التهجير بسبب الجوع وتفشي الامراض المعدية وتحت طلقات رصاص الجنود الروس، وفي عام 1957 ومن اجل رد الاعتبار لكل من شعبي الانغوش والشيشان الذين في المهجر اعترف الرئيس السوفيتي نيكيتا كوروستشيف ببعض حقوقهم، وهكذا بدؤوا بالعودة الى اوطانهم في جمهورية الشيشان انغوش وتابعت موسكو في هذه الاثناء توطين الروس القوزاق على الاراضي الشيشانية الانغوشية للتلاعب بالبنية الديموقرافية وفي عام 1976 واستمر الجهاد المسلح في الجبال الشيشانية منذ هذا التاريخ وحتى عام 1990 وقد استمر سوسلوف، مساعد بريجينيف الرجل الاول في الاتحاد السوفيتي للحزب الشيوعي المتحد للسوفيتيين عام 1982، باتباع سياسة «التذويب» مدعيا ان «الشعوب الاخرى تنضم الى الاتحاد السوفيتي بناء على رغبتها، وفي عام 1988 تشكلت جبهة الشعب الشيشاني الانغوشي وانتخب الحاج احمد بيسولتانوف رئيساً لها، وكان اول ماقامت به هذه الجبهة هو تنظيم مظاهرة احتجاج ضد المصنع الكيماوي الذي كان قيد الانجاز في غودرميس، كما تألفت في هذه الاثناء ايضاً تشكيلات سياسية اكتسبت عام 1990 صفة الاحزاب السياسية، وعقب سقوط الاتحاد السوفيتي وفي اكتوبر عام 1991 اعلن الرئيس الشيشاني جوهر دواديف استقلال الشيشان في ديسمبر 1994 وامر الرئيس بوريس بلتسين بدخول القوات الروسية الى الشيشان، ودامت الحرب سنتين وفي عام 1999م واثر حادث تفجير في موسكو راح ضحيته 300 شخص استغل الرئيس بوتين وكان يومها رئيساً للوزراء هذه الحادثة كشرارة العودة للحل العسكري ولاتزال طاحونة الحرب تدك في الشيشان امال الروس والشيشانيين معا والعمليات تخرج من المركز على المحيط، ففي عملية احتجاز الشيشانيين للرهائن في المسرح الروسي بدأت الاوساط السياسية في روسيا تنادي بضرورة الحل السلمي ووقف الحرب وقد كتب الكسي غريغوري ارباتوف وهو عضو مجلس الدوما الروسية ونائب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي قائلاً: «ان الحقيقة الاكثر وضوحاً هي التالية: ان الحرب في الشيشان لايمكن ان تستمر ونحن لسنا محصنين ضد عمليات اخرى مشابهة ويجب ان يتم اتخاذ كل الاحتياطات الامنية ويجب تعزيز الدور السياسي للمركز الفيدرالي في الشيشان واعيد مرة اخرى ان قيادتنا تجاه الازمة تسير مع التيار وهم في الكرملين مطمئنون على اعتبار ان حروبنا الماضية في القوفاز استمرت لعشرات السنين، فلتستمر هذه كذلك، لكن في القرن التاسع عشر لم يكن هناك تلفزيون ولم يكن هناك هذ التأثير البالغ للرأي العام على سياسة الدولة، عن عملية اختطاف الرهائن اظهرت اننا لانمتلك من الوقت عشرات السنين، الحرب يجب ان تتوقف واذا كانت الاوضاع في الشيشان خارج اطار السيطرة وهذا مانراه فانه من السذاجة الاعتقاد بأن الامور على وشك التحسن وان تفاقم النزاع سيؤدي الى اتساعه افقيا وانتشاره في اقاليم اخرى واتساعه في العمق فاليوم احتجزوا الف رهينة وغدا سيقومون بخطوة اكبر واخطر، وهذا بالدرجة الاساسية نتيجة السياسات المتبعة حتى الآن وبالتالي لابد من تغييرات جذرية في هذه السياسات».ان قضية القوقاز شائكة ولابد من حل سياسي لها ومن رسم خارطة طريق ترجع الموازين لنصابها والسؤال الكبري من سيرسم هذه الخارطة؟ طبعا الامم المتحدة ولكن فقط عندما تتأهل الامم المتحدة لتأخذ دورها الريادي في العالم يعد التخلص من وطأة سحر مجلس امنها الذي يضع العصا في عجلة السلام الكونى بصولجان حق الفيتو لاعضائه.
|