الخبرة العملية تمنحنا صدق المهارة، ومهارة الصدق، فالصدق قيمة، والصدق دلالة، والصدق إيمان بسمو الحقيقة.
والحقيقة أن ثمة تصنيفاً للمهن وللأدوار وكذا المهارات المكتسبة، فإن كانت مهنة التطبيب، مهنة ملائكية حيث تمنح الإنسان الأمل المتجدد في مسلك الحياة بعد أن منح الله نعمة الشفاء من بعد سقم ليس فقط بتعلقه بأحد أعضاء جسم الإنسان، بل في كل الإنسان ببركة الله الشافي المعافي.
ويقينا أن مهنة الإخصائي الاجتماعي الذي يعمل على تخطي الصعاب في مسيرة المعاناة الناجمة وجود مشكلة اجتماعية تلحق بالإنسان ذاته مما يستوجب العلاج الفردي أو تنال أسرته والمحيطون به فقد يكون صواباً استخدام مهارات العلاج الجماعي، أو هي تكمن في البيئة التي يتعامل معها، ومع مكوناتها، والتواصل مع خطوط الاتصال الرأسية والأفقية سواء كان هذا التواصل سوياً ومقبولاً اجتماعياً، أو تواصلاً لا سوى منهي عنه لأنه يشكل صعوبة في التوافق مع النفس والآخر المجتمعي مما يتطلب معه استخدام مناهج سيكلوجية العلاقة بين الفرد والمجتمع.
والإنسان المؤهل للتعامل مع هذه العلل هو الإخصائي الاجتماعي حيث تم تأهيله الوظيفي وإعداده المهني المهاري لأداء الدور العلاجي بتمكن واقتدار.
وقد آن الأوان أن نحوطه بالعناية وأن نخص جهات الاختصاص للعمل على درجة في هيكل تنظيمي مختص يرتقي فيه تبعاً لمهاراته وخبراته المكتسبة، فإذا كان للأطباء هيكلهم التنظيمي بدءاً من ممارس عام ثم إخصائي ثم استشاري ويقابل هذا أكاديمياً الحصول على بكالوريوس الطب (امتياز) وإذا تم الحصول على دبلوم متخصص أصبح (نائباً) أو الماجستير ليصير (إخصائياًً) فإذا ما حصل على الدكتوراه قابلها (مدرس) ثم (أستاذ مساعد) ثم (أستاذ فرئيس قسم).
ويعين الطبيب في حياة مهنية لها قيمتها ومبادئها ومهاراتها واختصاصها ابتداء من قاعدة الهرم الوظيفي إلى قمته، وكل مستوى فيها مسؤول عن توجيه وإرشاد من هم في المستوى الأدبي ولا يمكن اختراق هذا الهرم الوظيفي من قبل مهنة أخرى، وهذا لا يغني عنه تأكيد فاعلية التعاون لإمكانية تيسير الأعمال وأدائها فالطبيب لا يستغني عن مهنة التمريض وجهاز العلاج الطبيعي ومختبرات التحليل والأشعة.
ويسمو كل مستوى تنظيمي حسب شروط الترقي فيه وقواعد الحراك من مستوى لآخر.
هكذا نرجو لمهنة الخدمة الاجتماعية والأساس فيها والمرتكز هو الإخصائي الاجتماعي الذي تم تأهيله اجتماعياً وأكاديمياً الأمر الذي يدعونا للمناداة بأن يكون مستواه الارتقائي قائماً على هيكل تنظيمي خاص مثلما هو في مهنة الطب، فالمستوى الأدنى فيه هو للخريج الحديث (إخصائي ثان) فإذا ما حصل على دبلوم مهني متخصص ترقى الى إخصائي أول ثم إذا تقدم في مجاله التخصصي ترقى إلى رئيس قسم ثم مدير إدارة ثم مدير عام، ويقابل هذه المستويات المهنية مستويات أكاديمية لا تختلف كثيراً عن مهنة الطب أو غيرها من المهن المتخصصة الأخرى، فلا يجوز لأحد غير المتخصص الولوج إليها حيث يتحتم ألا يرأس الإخصائي الاجتماعي غير الإخصائي الاجتماعي.
مع الوضع في الاعتبار أن هذه المهنة قد نمت وتطورت بحيث أصبحت ذات واقع جديد، وقد تغيرت مفاهيمها وفقاً لذلك الواقع الجديد وأصبح من العبثية أن يقود ويشرف ويوجه ويقيم غير المتخصص، المتخصص في هذه المهنة الذي لديه فنيات العمل العلاجي.
وإذا استمر الإشراف من غير المتخصص على المتخصص سيؤدي حتماً إلى الخلل الوظيفي في هيكلة التنظيم مما يؤدي إلى تجاوز السياسات، فيحدث اضطراب وقلب، لماذا؟ لأن واقع المهنة وفنياتها وكيانها لا يلم بها إلا أصحاب المهنة ذاتها.
وظني أن الخلل الوظيفي يؤدي إلى طمس الهوية المهنية، ويؤدي هذا الخلل أيضاً إلى تغير مقابل في متطلبات الحضارة ومكونات التقدم حيث أنه يمس القدرات والفاعليات ويرجع ذلك إلى ضعف نوعية القيادة غير المتخصصة، وغياب الوعي بأركانها مما يؤدي إلى تضارب السياسات واختلاف منهجية الأداء، والدخول في دائرة الصراع وأحياناً يؤدي إلى عدم القدرة على التعامل الواعي مع حقائق العصر لأن القيادة غير المهنية محدودة المهارات والإبداعات وكذلك الطموحات فهم في حالة توقف عند حد الحراك الوظيفي بناء على مطلب الترقية حيث يتم التفضل تبعاً للخطوات في المواقع الوظيفية، هذه الفئة لا ترغب إلا الترقي بلا انتماء وظيفي فهو لا ينتمي إلى مهنة محددة يرتبط بقيمها، ويسير وفقاً لمبادئها ولكنه يمضي مسلحاً بالسلطة سلطة المتعصب - ليس إلا.
ولعلنا جميعاً نعي أننا في عصر العلم، والإبداع العلمي، وإرساء قيم الثقافة الإنسانية وفقاً لمنهجية وأسس التفاعل الحضاري.
وبات من المحتم ضرورة إعداد هيكل تنظيمي مستقل لمهنة الخدمة الاجتماعية مثل الاهتمام المتزايد بتطوير مناهج الخدمة الاجتماعية بما يمكنه من تخريج الإخصائي الاجتماعي المعالج، باعتبار أنها مهنة متجددة توائم منهجيتها تبعاً لما بلغه المجتمع من تغير، وإدراك العلاقة بين نظريات المهنة وممارساتها التطبيقية التي لا يعيها سوى المتخصصين في المجال.
ويقينا لا يمكن لطبيب الأسنان أن يرأس، ولا يستطيع أن يوجه ويرشد جراح المخ والأعصاب، ويكفينا هذا مثالاً نختم به مقالنا هذا.
|