الصيحة الكبرى التي يجب ان تدوي في مدارسنا هي: الصيحة التي تنادي بتوجيه القسط الأكبر من عنايتنا إلى تعليم القراءة في مراحل التعليم العام! وليس المقصود بهذا زيادة عدد الحصص في الجدول المدرسي، أو تقرير اختبار لها أو غير ذلك.. وإنما المقصود هو العناية بتدريسها على أساس تغيير شامل في فهم طبيعة القراءة ووظيفتها في حياة أبنائنا الحاضرة والمستقبلية في ضوء اتجاهات التربية وعلم النفس، والواقع اننا محتاجون أشد الحاجة إلى إحداث هذا التغيير أولاً في المنزل والذي من أولى واجباته نحو الطفل ان يهيئ له الجو الذي يحبب فيه الكتاب إلى نفسه منذ طفولته الأولى لذا فإن إنشاء المكتبة المنزلية التي تضم جناحا خاصا بكتب الأطفال، ومجالاتهم المحببة يعتبر نقطة البداية في تعليم الطفل القراءة قبل ذهابه إلى المدرسة في جو من القراءة، والحكاية، والتحدث، والنظر إلى الكتاب وحُبه، والاستمتاع به، ثانيا في المدرسة إذ ينبغي على المدرسة ان تؤمن بأن مفهوم القراءة قد تغير في ظل التربية الحديثة فلم يعد مفهوم القراءة تمييز الحروف والكلمات، وجهر التلاميذ بها أو التمسك بالطريقة التقليدية التي تعتمد على «قف، اقرأ، اجلس» وهكذا إلى ان تنتهي الحصة حتى اتسم درس القراءة بالتكرار الممل وفقدان الشعور بقيمة الوقت الذي يُنفق فيه، ومما أدى إلى اخفاق غرس عادة القراءة والميل إليها في نفوس التلاميذ منذ بداية حياتهم التعليمية ولكي نتصور جميعاً حجم هذه المشكلة وخطورتها بالتأمل فيما نشرته منظمة اليونسكو العالمية للتربية والثقافة والعلوم عام 2002م حول القراءة في الوطن العربي مفاده ان متوسط القراءة في العالم العربي لا يتجاوز «6» دقائق للفرد الواحد في العام؟! أما متوسط إصدار الكتب في وطننا العربي فهو كتاب واحد لكل ربع مليون مواطن عربي! فإذا كان هذا هو واقع القراءة عند الكبار في عالمنا العربي فما هو نصيب القراءة عند الصغار؟! حتماً سيكون أكثر بؤساً وشقاء! ومما أوردته «جون ايكن» في كتابها «كيف تكتب للأطفال» بأن قراءات الأطفال في البلاد المتقدمة خلال مرحلة الطفولة «600» كتاب فيما بين السادسة إلى الثانية عشرة من العمر أي ما يعادل «100» كتاب في السنة أي نحو كتابين أو أكثر في الأسبوع إلى آخر ما جاء في الاحصاء. ويدفعنا هذا إلى ان نتساءل كم يقرأ أطفالنا في عالمنا العربي خلال أسبوع، أو شهر، أو سنة؟! أو خلال مرحلة طفولته كلها بخلاف الكتب المدرسية؟ وهذا حتماً يساعد على تدني المستوى القرائي والكتابي لأبنائنا! وعلينا نحن الآباء والأمهات أن نسأل أنفسنا كم ساعة يقضيها أطفالنا أمام الشاشة الصغيرة؟ فالطفل أصبح مشاهد تلفاز قبل ان يكون تلميذاً؟ وقد أثبتت البحوث والدراسات ان الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعة ونصف الساعة يوميا أما التلفاز يقل مستواهم في القراءة والكتابة، والتعامل مع الرياضيات، ويصابون بنوع من التشتت وعدم التركيز في الفصل وهذا رأي «ليليان لوراس عالمة النفس في المعهد الوطني الأمريكي»، حقاً إن شئنا أم أبينا فالتلفاز جزء من حياة الأطفال ولكن مهمة الأسرة هنا ان تجعل الساعات التي يقضيها الأطفال أمام التلفاز مفيدة على نحو ما تدل عليه بعض البحوث بأن الطفل يمكن ان يكتسب العديد من المهارات اللغوية، وكثير من الأحيان يعتبر التلفاز عند بعض الأسر المصدر الوحيد للثقافة لها! ولا ننسى أبداً التلفاز الذي يستخدم كوسيلة تربوية للبرامج التعليمية والترفيهية، والقنوات الفضائية التعليمية.. وعلى الأسرة واجب إغلاق التلفاز عند المشاهد العنيفة لأنها تصاحب الطفل أثناء نومه وليس حادثة طفل القاهرة ببعيدة عندما حاول ان يقلد «فرافيرو العجيب» وهو فأر كرتوني يجيد الطيران فحاول ان يقلده ذلك الطفل من أعلى البنايات كما رأى في مسلسل الأطفال؟!
أطفالنا في حاجة إلى النقاش معهم وتداول الأفكار بينهم وبين من هم أكبر منهم سناً لأنه بهذا ينمي أسلوب التفكير الحر لديه ويعطيه الثقة فيما يعرضه من أفكار، فقد أثبتت الدراسات بأن الأطفال الذين يتلقون الدعم والتشجيع من آبائهم يكونون أكثر سعادة، وأكثر تركيزاً أثناء الدراسة، فكم إذاً من الدقائق نقضيها مع أطفالنا نستمع إليهم، ونحاورهم، ونناقشهم بهدوء، وتوجيه وإرشاد؟ إن أطفالنا بحاجة إلى مكتبة منزلية تنشئها الأسرة متعاونة لتعوِّد طفلها كيف يستخدم الكتاب، وكيف يقرأ فيه؟ وكيف يعيده إلى مكانه في المكتبة؟ انهم بحاجة إلى توجيهم إلى المكتبات العامة، بل اصطحابهم لزيارتها! وأكبر ما يواجه أطفالنا في مؤسساتنا التعليمية غياب أسلوب البحث والتقصي، أي غياب البحث عن الحقيقة، وهو غياب أشكال العمل وطرق التفكير، وتفعيل ملكية الإبداع عن طريق التعلم الذاتي والقراءة الحرة تعتبر أهم أساليب التعلم الذاتي.
أما الإبداع في عصر المعلومات فلم يعد ضرباً من الرفاهية، بل أصبح شرطاً أساسياً لتنمية الفرد لمواجهة تحديات عصر المعلومات ويتطلب ذلك إزالة الغموض عن مفهوم الإبداع والتخلص من اعتباره نظاماً سحرياً وحكراً على أصحاب المواهب النادرة ووليد الايهام والصدف المواتية، فالتوجيه التربوي الحديث يميل إلى اعتبار الإبداع قدرة يمكن ان تكتسب كما تكتسب مهارات الرياضيات والتفكير المنطقي فالتحدي الحقيقي كيف لنا جميعا ان نخلص أسس تعليمنا ووسائل إعلامنا من آفة التلقي السلبي التي ترسخت في النفوس وإصلاحها بالتفكير الإيجابي وتنمية دوافع المشاركة والمبادرة! إن تنمية الإبداع لدى أطفالنا هي التوازن بين اطلاق حريته واعطائه القدر المناسب من التوجيه بين حثه على فعل المزيد وعدم التسرع في انضاجه خشية الاضطراب النفسي والعقلي، وهو التوازن بين الوقوف على أرض الواقع والتحليق في عالم الرؤى الخيالية للعقل المبتكر بحثاً عن آفاق جديدة، وان رحلة الإبداع لأطفالنا تبدأ أولاً في المنزل ويسهم فيها الوالدان وخاصة الأم بالدور الأكبر فهل يمكن لنا ايجاد هذا التوازن لتنفجر طاقة الإبداع الصلب المقاوم في صغارنا؟ أطفالنا اليوم بحاجة إلى تضافر الجهود الصادقة من الأسرة والمدرسة والمجتمع وأجهزة الإعلام بشتى أنواعه فهم الثروة الأساسية والحقيقية للأمة وهم الهدف الأسمى لأي تثقيف إذا ما أردنا لمجتمعنا ان يرقى وينهض إلى أعلى مراتب الدول المتقدمة.
وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه خير ديننا ووطننا وأبنائنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد القائل: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
|