للسفر رائحة المحطَّات...
وعبَق الرَّحيل...
وزخم الغربة...
والمحطَّات تداعب أخيلة الشُّعراء، كما الرَّحيل يُحرِّك بوصَلة الحنين، كما تصطلي شهوة البوح أخيلة الغربة...
وللسَّفر هذا الوهج الدَّافىء الشَّجي...
عندما يكون الإحساس به إحساساً بتوحُّد الإنسان بذاته...، فلحظات الاختلاء بالذَّات، هي لحظات التَّوطين لغربة الذَّات، في منأى عن الغربة، في زحمة اللَّحظات بين النَّاس، ويكون الإنسان غريباً!!...، غربة السَّفر تختلف عن غربة الاستقرار...، ورحيل السَّفر يختلف عن رحيل البقاء، ورائحة المحطَّات تنبض باعتلاج الشُّجون، كما لا تفعل رائحة الأبواب، ومفاتيح الولوج في الكفوف...
وسفر اليوم... لا يزال ينبض برائحة المحطَّات، وعبَق الرَّحيل، وزخم الغربة، في وجوهها النَّاصلة حدِّ الجوف، تنبع لها روافد أنهار البوح، والفكر، والإحساس!
لكنَّه يُفقد شيئاً، بل أشياء، من قدرة المرء على الإفضاء، أو الانكفاء على الذَّات، أو لها... ذلك لأنَّ الحياة الآن، في اللَّحظات القائمة، مليئة بعفَن الإنسان، وهو يناضل للَّون الأحمر!!، فالدِّماء المسفوكة، والحرائق المشتعلة، تعكِّر على الشَّجيِّ شجوه، وعلى الرَّاحل استمتاع الذَّات، بلواعج السَّفر.
و... حقائب السَّفر لا تنفكُّ تُغلَق على أشياء الإنسان، الصغيرة، والكبيرة، تلك التي تبصم على حدَّة احتراسه، من خوض غمار لُجج الغربة، وغبار الرَّحيل، وأوجه المحطَّات...، لكنَّها بالتأكيد، لن تخلو من نثرات بوحه، عن آثار ما تفاعل معه...، عندما يضع أوَّل خطوة لقدمه، عند مشارف أوَّل محطَّة...، أو عندما ينفضُّ عنه...، غبارُ الرَّحيل...!!... ذلك هو شجن الغربة في بوح السَّفر.
|