الكل يبحث عن النجاح وخاصة في هذه الأيام فسوق هذه الكلمة «النجاح» متحرك ورائج فالبيوت تعلن حالة الطوارئ وتحظر التجول على أفرادها لعلهم أن يحققوا النجاح ويتقدموا في طريقه.. لا أحد يريد الفشل فجميعنا يطمع بل ويطمح أن يسطر اسمه ضمن قائمة الناجحين في الحياة لا في الاختبار المدرسي فقط.. لكن الذي يحدث اليوم أن النجاح بمفهومه الراقي الواسع تركز عند جزئية بسيطة وتوقف عندها وأصبح المجتمع يحكم على الأفراد من خلالها وهي المدرسة فالناجح من يتخطى الفصول المدرسية ويحصل علي شهادة في نهاية العام تؤكد نجاحه إلى الأبد والفاشل من تعثر في مشواره الدراسي فهو من «الراسبين» الفاشلين.. وهذان المصطلحان ناجح وراسب ترسخا عند الطالب في عقله الباطن وأصبح ينطلق من قناعة بأن النجاح نجاح المدرسة والفشل رسوب المدرسة وهذه في الحقيقة تمثل إشكالية ما برحنا نعاني منها وتجذرت عند الطلاب في مدارسنا وتأصلت في نفوسهم ولذلك تجد حالات الخوف والرهبة وأحياناً «الإغماءات» في قاعات الاختبارات وكل هذا هروب من الفشل وبحث عن النجاح.
النجاح معنى واسع ومفهوم شامل ومنظومة متكاملة ومعادلة متوازنة.. النجاح شعور بالمسؤولية ووضوح في الهدف وبرمجة للوقت وقدرة على مواجهة الحياة ومهارة عالية في التعامل مع الناس وديناميكية وحركة متواصلة وتفاعل وتجديد للطاقة ليس النجاح معلومة تسقط على ورقة الامتحان هذا جزء بسيط وبداية في طريق النجاح الطويل والإنسان الناجح هو الذي يوازن بين أجزائه الأربعة: الروح، العاطفة، العقل الجسم فلا بد من التكامل بين هذه الأمور، الروح تحتاج إلى غذائها المعنوي العبادي والعاطفة أيضاً تحتاج إلى حاجتها من الآداب والأخلاق واكتساب المهارات الإيجابية الإنتاجية والعقل أيضاً بحاجة إلى التغذية بالمعارف والعلوم والجسم كذلك يحتاج نصيبه من الغذاء الصحي لا الإفراطي فإذا استطاع الإنسان أن يوازن بين هذه العناصر الأربعة كتب من ضمن الناجحين أما إذا غلب جانبا على آخر فإنه يحدث خللا في منظومة «النجاح» فالذي يهمل جسمه ويهتم بعقله أو يغذي روحه ويحملها ما لا تطيق من العبادة ولا يهتم بنفسه ولا يبالي بالتعب والإرهاق لجسمه يفقد توازنه ويتعثر في طريق النجاح الأخروي والدنيوي.
جاء ثلاثة من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا «نصوم ولا نفطر ولا نتزوج النساء ونصلي بالليل ولا ننام فقال عليه الصلاة والسلام أصوم وأفطر وأتزوج النساء وأصلي وأنام فمن رغب عن سنتي فليس مني» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. نجد هنا أن هؤلاء الصحابة حاولوا أن يزيدوا على طريقة وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم المتوازنة فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأن الدين ما جاء ليثقل على الناس وينهك أجسادهم ويجعلهم ينقطعون عن العالم ويعتكفون في المساجد ويهملون أنفسهم وينسون أسرهم. الدين الإسلامي جاء ليسمو بالإنسان وينهض به ويرقى بنفسه وعقله جاء ليوازن حياة الإنسان وينيرها ويسعدها ولحرص هذا الدين على السعادة الحياتية المتوازنة للإنسان نجده ينهي الإنسان ويحاسبه على إهمال أي حق من الحقوق المناطة به «إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه» الحديث بمعناه..
وأيضاً الإسلام الذي يطالب الناس بالعبادة نجده ينهاهم عن الإفراط فيها وعن الزيادة على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عبدالله بن عمرو بن العاص عن الإفراط في العبادة عندما اشتكاه أبوه عمرو بن العاص على الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة به وإشفاقاً عليه فدارت بين الابن عبدالله وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوضات طويلة على التقليل من العبادة ولكن عبدالله يقول بأنه يستطيع أكثر من ذلك أي مما يعرضه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فاستمر عبدالله على طريقته وعلى كثافة العبادة وحرصه عليها وحبه لها في أيام شبابه ولكن عندما كبر عجز فتذكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال فيما يروى عنه «ليتني أطعت أبا القاسم».
إذا حتى نحقق النجاح لا بد أن نوفق بين الأجزاء الأربعة نعطي الروح حقها ونعطي النفس حقها ونعطي كذلك العقل والجسم حقهما فلا نغلب جانبا على آخر بل بطريقة دقيقة معتدلة متوازنة.
|