Wednesday 6th august,2003 11269العدد الاربعاء 8 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أحداث الرياض - تطرفان وموقفان أحداث الرياض - تطرفان وموقفان
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الدهش/ أمين عام إدارات التعليم بوزارة التربية والتعليم.

بين يدي الحدث.. وقبل أن ننسى الحدث.. أو تتكرر الفاجعة.. نقف وقفتين أمام تطرفين.. فالعدالة تقتضي الإنصاف.. والنظر للأمور بعقلانية.. لا بعاطفة.. وبين أيدينا ما لن نضل ما تمسكنا به: «كتاب الله العظيم».. كتاب الله العظيم (القرآن الكريم).. فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا كتاب الله العظيم حديث رب العالمين.. العالم السر وأخفى.. كتاب الله العظيم دستور هذه الأمة ومرجعها ومستندها {مَّا فّرَّطًنّا فٌي الكٌتّابٌ مٌن شّيًءُ}.. كم نحن في حاجة في خضم الأحداث الراهنة - أكبر من أي وقت مضى - للعودة لكتاب ربنا وتأمل آياته والوقوف عند توجيهاته.. لقد حدد القرآن العظيم حدود العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين.. وبين أحكام دعوتهم ومحاورتهم.. كما بين مواضع جهادهم وقتالهم ومحاربتهم.. ولهذا فإن من الخطأ تجاوز المنهج القرآني في الدعوة ولو بحسن نية.. أو الانتقال إلى مراحل من الحرب لم يشرعها الله تعالى مثل الاعتداء على المستأمنين في بلاد المسلمين.. وكتاب الله الفيصل {)إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)
بل شدد تعالى على احترام العهد والميثاق فأمر المسلمين بالتناصر فيما بينهم إلا أن يكون بينهم وبين بعض الأعداء عهد فلا بد من نبذ عهدهم إليهم قبل محاربتهم.. ومرة أخرى كتاب الله الفيصل: {وّإنٌ اسًتّنصّرٍوكٍمً فٌي الدَينٌ فّعّلّيًكٍمٍ النّصًرٍ إلاَّ عّلّى" قّوًمُ بّيًنّكٍمً وّبّيًنّهٍم مٌَيثّاقِ} [الأنفال: 72]. ديننا مصدر الفخر.. ديننا دين رباني صحيح كامل شامل أنزله تعالى ليبقى صالحاً إلى يوم القيامة.. فيه لكل حادثة حكم.. ولكل حالة موقف.. ديننا لا يقوم على العواطف وردود الأفعال.. ديننا لا يقابل الخطأ بالخطأ.. ولا السيئة بالسيئة.. فكما أنه يقر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبادئ من أعظم مبادئه.. فإنه يقرر لهما آداباً وأحكاماً تؤكد عظمة الإسلام وكماله وتمامه وصلاحه وعدالته.. فالجهاد في سبيل الله له شروطه ومواضعه وأحكامه.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابطه وظروفه التي تراعي تحقيق المصالح ودرء المفاسد.. والفيصل في هذا كله: أن منطلق كل مسلم معتز بدينه داع إليه مجاهد في سبيله.. أن ينطلق من توجيهات الكتاب والسنة.. ومن فهم العلماء الربانيين لأحكامهما.. ومن فقه الواقع الذي يقتضي إنزال الحكم على الحالة في ضوء الشرع المطهر بمجموع أدلته.. والفيصل: {)وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)
} [النساء: 83]. أما أعداء الله.. وأعداء الأمة.. والمتربصون بها الدوائر.. فلا شك أنهم تجبروا.. وطغوا.. وأسرفوا في طغيانهم.. والشواهد في هذا الزمان على تسلطهم كثيرة كثيرة.. لكن: هل يجيز هذا التجبر.. والطغيان.. أن يكون الرد بأساليب غير شرعية..؟ وهل الخطأ (منهم) يبرر الخطأ (منا)..؟ أولم يقرر الشرع الذي نحتكم إليه أن قتل المستأمنين ظلم ومعصية..؟ وأن نشر الفتنة والاضطراب وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين مصيبة لها عواقبها السيئة على عامة المسلمين وخاصتهم..؟ إذا كان ذلك كذلك.. فإنها رسالة نوجهها بقلوب ملؤها الرحمة: إلى كل من أراد نصرة الإسلام فأخطأ الطريق.. بأن الشرع المطهر ليس كالسياسة المقيتة التي تجعل الغاية تبرر الوسيلة.. ففي الإسلام: كما أن الغاية شريفة.. لا بد أن تكون الوسيلة شريفة.. والإصلاح يتم بأكثر من طريق.. لكن لكل طريق وقته.. ولكل حالة علاجها.. والجهاد عمل تعبدي لا يتم إلا بشروطه الشرعية {حّتَّى" لا تّكٍونّ فٌتًنّةِ} [البقرة: 193].. أما إن كان المعتدون قد بيتوا النية للنيل من الإسلام وأهله.. أو كانوا مدفوعين من العدو ليقطع الشجرة ببعض أغصانها.. أو أرادوا توفير الأسباب للعدو للدخول إلى بلاد المسلمين بحجة حماية مصالحهم.. فإننا نقول: أخطأتم الطريق.. فما تزيد هذه الحوادث المسلمين إلا تمسكاً بدينهم.. وتصحيحاً لواقعهم.. وتضامناً مع ولاة أمرهم.. لأن من شريعة الإسلام.. ومن دين الله.. الإقرار بالبيعة للحاكم الشرعي ولو كان لديه بعض القصور أو التقصير.. «ما لم تروا كفراً بواحاً».. إن المعاصي والمنكرات الموجودة توجب النصيحة والموعظة.. لا الخروج أو المعارضة أو المحاربة.. ويبقى مجتمع المسلمين مجتمعاً إسلامياً مهما كان فيه من التقصير ما دام في عمومه يحكم الشريعة ويحترم الدين.. أما الأهم في الحدث.. أما الأخطر في القضية.. أما التطرف الآخر.. فهو أولئك الذين في قلوبهم مرض.. كم كانوا يتحينون الفرصة.. وينتظرون الأخطاء.. حتى يفرغوا ما في أقلامهم من سموم وما في قلوبهم من حقد.. عجباً لهؤلاء.. إن من يقرأ لبعض الكتاب في الصحف.. أو يسمع لبعض المتحدثين في الإذاعة أو التلفزيون.. يكاد يجزم أن بعض هؤلاء يكتب من خارج البلاد.. أو كأنه يتحين الفرصة ليشفي غيظه. ولينتقم لنفسه.. أو ليتجاوز إلى تجريح كل من أظهر التدين أو ظهرت عليه علامات الالتزام والاستقامة الظاهرة.. وكأن الدين طارئ على المجتمع.. متناسياً أن مجتمعنا متدين بطبعه.. وأن العبرة بصلاح القلوب.. مع أن المظاهر دليل على المخابر.. رأى بعض هؤلاء الكتاب والمتحدثين - وأقول بعضهم ولا أعمم - الفرصة سانحة في فورة الغضب ليقولوا ما يشاءون تحت غطاء الغيرة على الوطن.. والوطن وطن الإسلام.. احتجوا بحجة الخوف عليه.. ونحن نعلم أن الإنسان كلما كان أكثر تمسكاً بدينه كان أكثر غيرة على وطنه وخوفاً عليه.. فالمسلم الملتزم بدين الله يحب هذا الوطن لأنه وطن الاسلام.. ويغار عليه لأنه دار التوحيد.. ولأنه البلد الوحيد الذي يعلن تحكيم الشريعة.. والذي يعلن حكامه دون خوف أو وجل: أن مصدر عزهم هو هذا الدين.. وأن ضمان بقائهم هو هذا الدين.. أما المنافقون المرجفون.. أما سلالة عبدالله بن أبي بن سلول.. فهم الذين يرددون قول الله تعالى على لسانهم: {لا تٍنفٌقٍوا عّلّى" مّنً عٌندّ رّسٍولٌ الله حّتَّى" يّنفّضٍَوا...} [المنافقون: 7].. وهم الذين يرددون قوله تعالى حكاية عنهم: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)
} [المنافقون: 8].. يدعي هؤلاء المرجفون: أن الالتزام هو المشكلة.. وأن حجم المواد الدينية في المدارس هو المشكلة.. وأن فتح المجال لحلقات التحفيظ ولبرامج الدعوة هو المشكلة.. ويبررون قولهم بأننا مجتمع مسلم لا حاجة فيه لهذه البرامج.. فالدعوة - في زعمهم - إنما تكون لغير المسلمين فقط.. أين هؤلاء من قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ اتَّقٌ اللّهّ..} [الأحزاب: 1].. أين هم من قوله تعالى للمؤمنين: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا آمنوا}.. ومن قوله سبحانه: {وّذّكٌَرً فّإنَّ الَكًرّى" تّنفّعٍ المٍؤًمٌنٌينّ} [الذاريات: 55].. ومن قوله سبحانه: {فّذّكٌَرً بٌالًقٍرًآنٌ مّن يّخّافٍ وّعٌيدٌ} [ق: 45].. إن الدعوة في الاسلام موجهة للجميع دون استثناء.. فالمؤمن الملتزم يحتاج إلى التثبيت والاستزادة من الخير.. والمقصر يحتاج إلى التذكير.. والتائب يحتاج إلى تقوية الأمل في الله.. والعاصي يحتاج إلى الترغيب والترهيب.. والكافر يحتاج إلى إقامة الحجة.. والدلالة على المحجة.. وكل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.. والمجادلة بالتي هي أحسن.. مصيبتنا مصيبتان.. أولاهما: فهم خاطئ من فئة أخرجها حماسها عن توجيه الشرع.. فهذه الفئة تحتاج مواجهة بالفكر الصحيح.. وبالرجوع لأهل العلم.. فلعل عودتهم ومن على فكرهم إلى جادة الصواب أولى من مجرد عقابهم.. وثاني المصيبتين: قوم لبسوا لباس الوطنية.. وتدثروا بالخوف على البلاد.. فأظهروا ما كانوا يبطنون من كراهة الصلاح والمصلحين.. وأرادوا أن تكون فرصة لهدم المؤسسات الدينية في البلاد.. ومن ثم التخلية بينهم وبين ما يشتهون من التفسخ والانحلال والتبعية للشرق والغرب.. وهم بذلك يثبتون عدم وطنيتهم.. وشق مجتمعهم.. وانتمائهم لفكر أعداد بلادهم.. وهذه الفئة تحتاج أيضاً محاورة.. وتذكيراً بأن الغاية الإصلاح لا التشفي.. والاستقامة والمواطنة الصالحة.. لا مجرد العثور على الضحية.. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء.. ورد ضال المسلمين إليه رداً جميلاً.. وكشف زيف كل عدو للإسلام والمسلمين أمام الخلائق.. اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو شبابنا ونساءنا وعلماءنا وأمراءنا بسوء فاجعل كيده في نحره وشتت رأيه واجعله عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين.. اللهم أمنا في دورنا.. وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.. واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار.. واجعل عاقبة أمورنا إلى خير يا ذا الجلال والإكرام.. { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (102)
)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (103)
)وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104)
)وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (105)
)يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (106)
)وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (107)
)تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ) (108)
)وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (109)
)كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) } [آل عمران: 102 - 110].

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved