يكفي المملكة ما تلقاه من هجمات من نفر في الغرب طالما تجاوزوا حقائق الأشياء، لينسجوا من خيالهم أكاذيب وافتراءات لا يسندها دليل، بما في ذلك وصم هذه البلاد بالإرهاب، بينما هي في مقدمة الذين يتصدون له ويعملون من أجل اجتثاثه.
غير أن هذه الادعاءات والاتهامات تكون أشد إيلاماً عندما تصدر من أشقاء عرب، فعندما تتردد على لسان معمر القذافي اتهامات باطلة ضد المملكة تربط بينها والإرهاب فإننا نلحظ بكل أسف كيف يصدر مثل هذا من أناس يفترض أنهم أقرب إلى المملكة وما يدور فيها، بحكم العلاقة والتاريخ والجغرافيا والتواصل قديماً وحديثاً.
إنه تطاول على علمائنا الأجلاء الأفاضل من الرئيس الليبي حينما يصنف العمل الإصلاحي الكبير والأساسي للشيخ محمد بن عبدالوهاب في خانة الأعمال التي تحفز على الإرهاب.
إن هذا القصور في الفهم ما كان ينبغي أن يصدر من أي مكان في الوطن العربي، إذ إنه يفترض أن التاريخ العربي إرث مشترك، وبالتالي مفهوم لكل القيادات السياسية والفكرية والنخبة المثقفة العربية وإلا فإننا سنكون إزاء فوضى سمتها الأساسية الافتقار إلى معرفة بعضنا البعض، بما في ذلك الجهل بالمكونات التاريخية والفكرية لهذه الدولة أو تلك.
إن هذا النقص الخطير في المعرفة ينعكس على حاضرنا ومستقبلنا كأمة واحدة ويعكس سوء فهم لا بد وأن يظهر في شكل معوقات تكبّل طموحات العمل المشترك وأحلام الوطن العربي الكبير، طالما أن القيادات تقع في مثل هذه الهفوات التي تمس أخص خصائص الشعوب وموقع فخرها وأساس عزتها.
لقد أسهمت جهود الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتعاونه مع آل سعود في درء الكثير من المفاسد والخرافات التي علقت بديننا القويم، وهو قد مهد من خلال فكره الحصيف، لإطلاق واحدة من أكبر وأعظم الإنجازات السياسية والتجارب الوحدوية في منطقتنا العربية والإسلامية بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله، بل على نطاق العالم ليخرج إلى الوجود كيان سياسي موحد متحدياً بذلك كل الصعاب.
لقد انبنى هذا الكيان على الإسلام الصحيح بعد تخليصه مما علق به، وقد كانت التجربة قوية وفريدة، وهي لهذا استمرت طوال كل هذه العقود، واكبتها حركة تنموية متميزة، وكل هذا الطموح والإنجاز لا يمكن أن يتعايش مع الإرهاب، بل إن ذلك لا يتحقق إلا في مجتمع مستقر بعيد كل البعد عن الإرهاب.
|