قرأت ما كتبه الصديق سليمان الفليح في جريدة الرياض. والحق يقال أنا استمتع إذا قرأت للفليح فهو أول مثقف سعودي يقف على رابية مميزة تطل من جهة على الفن الحديث ومن جهة أخرى على الفن الشعبي الأصيل بتوازٍ مميز.
قرأت مقال الفليح في باص مزحوم بمكيف سيئ كأني على ظهر بعير أنا أيضا. ولكني فهمت ما جاء فيه فيما يتعلق بعلاقة الكُتّاب السعوديين والخليجيين بأدباء المركز مصر وسوريا ولبنان.
هذه القضية في نظري كالأمراض السرية المتعلقة بالجنس: منتشرة ويعاني منها الكثير ولكن الخجل يمنع أصحابها من التصارُح بها.
يسرد الفليح حكاية حدثت له في مصر وإن لم يذكرها بالاسم، أثناء لقائه مع أحد الشعراء العرب المشهورين. كيف أخذ هذا الشاعر المشهور يستهتر بالشعراء الخليجيين ويحاول أن يصفهم بعديمي الموهبة المتخمين. يدفعون فلوساً لمن يكتب لهم مثل ما يشاع عن شعراء الشعر الشعبي الأثرياء. أنا على يقين أن ما أصاب الفليح أصاب كثيراً من أدباء الخليج الذين حاولوا إقامة علاقة مع أدباء مصريين تحديداً إلا أن كثيراً منهم آثر السكوت ولم يطرح ما واجهه من هذه القضية على الرأي العام.
لو قررنا أن ندخل في صلب الموضوع حسب وجهة نظري فسنجد أن النفط يلوث كثيراً من هذه العلاقة، مثلاً مشاركتنا في الحركة الثقافية العربية لا تقل عن مشاركة إخواننا اليمنيين ولكن الإخوة اليمانيين يلقون احتراماً ثقافياً أكثر مما نلقاه ويعاملون في المحافل الثقافية العربية كشركاء مساهمين في العمل الثقافي العربي أكثر منا. إذا أردنا أن نخبئ عيوبنا وراء الافتراضات فيمكننا إن نقول إن الحسد من الثراء النفطي يقف وراء هذه النظرة وبالتالي المشكلة مشكلتهم وليست مشكلتنا، لكن تحليل التشابه والاختلاف بيننا وبين اليمن يمكن ان يدلنا على جانب من جوانب المشكلة. من حسن حظ اليمن أن الأديب اليمني لا يمكن أن يطبع ديوانه أو مجموعته القصصية على حسابه. إما أن يجد ناشراً ينشر له أو أن يتوسد كتابه ويبحث له عن صنعة أخرى. وهذا الشرط الصعب جعل اليمن لا تشارك في الثقافة العربية إلا بأدبائها الموهوبين على قلتهم. بالنسبة لنا فقد حدث العكس تماما. انقض كتاب ثقافة النفط على دور النشر العربية وخاصة اللبنانية التي تعرف كيف تزبرق الكتب. وراحوا يغرقونها بدولاراتهم النفطية لتطبع لهم شعرهم وقصصهم. وعندما تعيد الدار كراتين إبداعاتهم إليهم يقومون على الفور بإهدائها إلى كبار المثقفين العرب في كل مكان. بالطبع فالأديب المصري والعربي بصفة عامة عندما تصله هذه المطبوعات يضعها على الفور في الزبالة كما كنا نفعل عندما كنا محررين في الصفحات الثقافية. انتشرت هذه الثقافة حتى لطخت اسم الخليج واسم المملكة الثقافي بصبغة نفطية سوداء مما أخفى الموهبين والجادين من كُتّاب الخليج، فالكاتب الجاد يخجل أن يطبع على حسابه. وإذا طبع على حسابه ربما يجازف بطبع المجموعة الأولى وربما الثانية. أما أن يطبع المجموعة الخامسة أو السادسة على حسابه فهدا لا يحدث إلا في ثقافة النفط. وبالتالي فمن حق إخواننا العرب الآخرين أن يعاملونا كما يعاملوننا الآن.
أظن أن السؤال النقدي الأول الذي يجب أن نوجهه لأي كتاب سعودي طبع وزخرف في لبنان هو: على حساب مَنْ طبع هذا الكتاب؟ وكم ألف دولار دفع فيه؟ عندئذ سنفهم سر المعاملة التي نلقاها من إخواننا المثقفين العرب.
|