الحوار وسيلة مهمة للتواصل الفكري بين البشر، لانه صورة من صور التفاعل الحي بين الأطراف المتطلعة إلى ذلك التواصل، ولكن لا يجوز بأية صورة من الصور المحمودة أن يتخذ هذا الحوار مطية لتجاوز المسلمات الشرعية، او للانتصار للذات، او لترويج الافكار الخاطئة، او السيئة، لانه يتحول الى جدل، او مراء، او إلى ما يشبه ذلك، الا انه لا يصح أن يوصف بأنه حوار هادف.
والحوار قد يكون محصوراً في إطار ضيق، كالحوار بين شخصين، بهدف الوصول إلى تقرير حقيقة، او فهم مستغلق، وقد يتسع إطاره ليشمل اصنافاً من الناس، تختلف مشاربهم الفكرية، ومقاصدهم، واهدافهم المبيتة، كما هو حال الحوار في منتديات الانترنت، وفي البرامج التلفازية الفضائية ذات الطبيعة الحوارية بين عدد من الاشخاص في مكان واحد، مع السماح لآخرين في مختلف أرجاء المعمورة للمشاركة فيه بتساؤلاتهم وآرائهم.
والحوار إذا كان إطاره متسعاً كان أخطر، لان كل طرف يلقي برأي او شبهة، والمتابعون لهذا الحوار قد لا تكون لديهم الآليات الكافية لنقد تلك الشبهات والآراء، كما قد لا يكون في المحاورين من لديه القدرة على ذلك، فتتسرب الشبهات والشهوات عن طريق الحوار، لانه بهذه الكيفية صار حواراً يفتقد إلى صفة الإيجابية، وإلى الحكمة التي تضبطه بضوابطها كي لا يتحول إلى مجادلة ومراء.
وفي ضوء هذه الخطورة تبرز أهمية إنشاء مركز وطني للحوار يستطيع أن يحقق صفة الإيجابية متجاوزاً السلبيات المضرة ويمكن القول إن إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ينطلق من هذه القناعة «ولكني اؤكد على أهمية عدم التسرع في إطلاق الاحكام المسبقة لما سوف يحققه هذا المركز والجزم نجاحه في عمله فالتطلعات كبيرة وما نريده أكبر».
وكي نحدد ماذا نريد يجب أن نجيب على عدة اسئلة من اهمها: لماذا انشئ هذا المركز؟ وما اهدافه القريبة والبعيدة وطنياً واستراتيجياً؟ وما وظائفه؟ ومن سيستفيد منه؟ وكيف يستطيع تحقيق اهدافه ووظائفه؟ وهل سيكون ذا اثر فاعل في الثقافة الوطنية؟
اذا استطعنا أن نجيب بصدق ووضوح على تلك الاسئلة سوف تبدو تلقائياً طبيعة ومظاهر التطلعات التي ننظر من خلالها إلى هذا المركز.
صدرت الموافقة على إنشاء هذا المركز قريباً وبرغم قصر المدة الزمنية وقبل أن يمارس عمله فقد تبين من بعض الكتابات عنه أن هناك من ينظر إلى انه وصفة سحرية ستعالج كل الامراض الفكرية وهذا الحكم المسبق ذو ضرر بليغ لان تحقيق الاهداف يحتاج إلى عمل جاد وتفاعل من الاطراف المستفيدة من المركز ودعم مادي ومعنوي لجهوده ومن ثم فان الحكم علىk جاحه لابد أن ينظر فيه الى الآثار والنتائج العملية والواقعية التي حققها اما الانسياق وراء العواطف المجردة من الوعي بذلك كله فهو يهدم ولا يبني ولن يظفر بقناعة المتلقين ولاسيما في هذا العصر الذي تتعدد فيه قنوات المعلومات وتتدفق المعرفة عبر موارد متنوعة.
من واقع ما كتب وسيكتب عن المركز اجد نفسي ملزماً للتركيز على جانب مهم من جوانب الوظيفة الوطنية له وهو الجانب الثقافي حيث نتطلع إلى أن تكون ابواب بهذا المركز مفتوحة لحرية التعبير عبر الحوار الايجابي في حدود وضوابط ديننا الحنيف وأن تكون هناك لقاءات حية ومفتوحة للجميع لتنفيذ هذا الحوار دون تدخل من إدارة المركز في تحديد اشخاص وحرمان آخرين والا فَقَدَ صفته الوطنية، وان ما نشاهده في كثير من صحفنا المحلية من حجر على الرأي الآخر الذي يسير في فلك مسيريها لهو اكبر دليل على فشل سياسة الحوار المصبوب في قوالب جاهزة تخدم اهدافاً معينة هي ما يطمح اليه من يوجه ذلك الحوار.
|