في كل عام أحرص على اصطحاب كيس صغير من الأرز مع ما يحتاجه هذا الكيس من البهارات، ومع هذا لا أنسى أو لا تنسى ربة البيت العديد من الأشياء التي نعتقد أنها ضرورية أو ملحة، لقضاء إجازة ممتعة، وخالية من المنغصات، فإذا كان هناك مجرد شبهة بأن البلد الذي سوف نذهب إليه يخلو من الجراك والفحم المحمر والشيش ورؤوس الشيش، فلا بد من شحن كافة هذا الأشياء، بطريقة جيدة ومضمونة، حتى لا يختل نظام الرحلة، التي قد تمتد لشهر كامل، ولك أن تتخيل هذا الشهر، بدون الكبسة والشيشة!
كنت أعتقد أنني وحدي في هذه الهواجس المضحكة، حتى أخذت أراقب في أحد الأيام، طابور الشنط والكراتين، التي تدخل على ميزان العفش في الرياض، حتى خروجها من سير العفش في البلد الذي نحط فيه، أو الذي نحن ذاهبون إليه بحفظ الله ورعايته، وقد وجدت أن من السياح الرائقين، من يصطحب معه كراسي صغيرة مع طاولاتها، ليجلس عليها في المصيف، الذي سوف يذهب إليه، أين هذا المصيف الغريب الذي يخلو من الكراسي والطاولات؟ بل أين هي هذه البلد السياحية، التي تخلو من أبسط مقومات الأدوات السياحية؟ لكن هذا ما حصل وما رصدته عيني بالنظر المجرد!
وهناك من يشحن معه السكر والشاي والقشطة والحلاوة الطحينية، بل إنني رأيت أسراً تشحن معها صناديق البيبسي «ما غيره» مع أن هذا المشروب عابر للقارات، لكن أصحاب المزاج يقولون، بأن المشروب المعبأ في بلادنا أطعم وألذ.. ولأنني نادراً ما أتذوق المحلي والموجود هناك، فقد اكتفيت بالابتسام، فلعل لهم عذراً ونحن نلوم.. وفي الوقت الذي كنت أحشر فيه كيساً صغيراً من الأرز في حقائب الملابس، خوفاً من ألسنة السوء، وجدت أن أبناء الوطن الراحلين إلى الخارج، برجالهم ونسائهم وأطفالهم وخدمهم، يضعون على الميزان أشولة ضخمة تضم الأرز والسكر والقهوة والهيل والشاي، ولولا الملامة لكان مع كل ذلك قوارير المياه المعبأة، فالجميع لا يريدون ترك فجوة ولو صغيرة، تتسبب في لخبطة برنامجهم السياحي.. ما هو السبب في كل ذلك؟ ولماذا أصبحنا نحذو حذو، مواطنين عرب يأتون إلينا ومعهم أيضاً: السمن والبصل والسمك المشوي والحلويات وغيرها كثير، وكل هذه الأشياء - وأجود منها - موجود هنا، من القرية والهجرة وحتى المدن وبأرخص الأسعار، وهؤلاء ليسوا سياحاً، بل مقيمون، بمعنى أن ما يشحنونه من بلدانهم لا يغطي - مثلما نفعل - مؤونة شهر، ولكنه يغطي مؤونة عام أو عامين.. وكان الله في عون الثلاجات والدواليب!!
إن لهذا تفسيراً واحداً هو الحنين، الحنين إلى الديار التي نفارقها ولا نريد فراقها، لذلك لا بد من اصطحاب أثر من آثارها، أو أكلة من أكلاتها، لكن ما هو الحال إذا كان كل ما نصطحبه نحن معنا غريباً من بلاد غريبة؟ فنحن لا نزرع الأرز، ولا نصنع الشيشة، أو الجراك، أو الفحم، أو البيبسي وغيرها، كل هذه الأشياء إما معبأة هنا وإما مستوردة، حتى القرصان أو المرقوق، اليد قد تكون من عندنا أما الخامة فهي من هناك، وهذه الحال ليست مقصورة علينا - لحسن الحظ - فحتى إخواننا المقيمون للعمل معنا، الذين يأتون بتذكاراتهم التموينية، أغلب خاماتها من هناك، من بلاد غير بلادهم، هم فقط يعطونها النكهة، نكهة اليد التي تستلم من الميناء، أو تخبز، أو تشحن، وما عدا ذلك كله غريب من بلاد غربية!
أنا شخصياً تمنيت أن أكون صادقاً مع نفسي، فأذهب إلى المطار ومعي شنطة الملابس فقط، وهناك في البلد الذي سوف أحط فيه رحالي، عليّ البحث عن الخامات المحلية، وسوف آخذ يوماً أو يومين، حتى أتأقلم مع الأرز الغريب، والحلاوة الغريبة، والشيشة الغريبة، وحتى المياه الغريبة، وذلك يجعلني - على الأقل - مثل السياح الأجانب، الذين يدخلون إلى أي بلد، وهم خفاف كالريشة ويخرجون منه وهم أخف من الريشة، يسكنون مثلما يسكن أقل الناس ويأكلون من أرخص المطاعم وأنظفها، الشيء الوحيد الذي يحرصون على نظافته هو الماء.. رفيقهم في الشارع والمتحف والمنزل والمطعم!
وحتى لا يزيد همي ويتحرك شوقي إلى الكبسة، سوف لا أضع نظري - اعتباراً من صيف هذا العام - على سيور العفش في المطارات المحلية، وهي تنطلق إلى الطائرات، بأكياس الأرز والسكر والشاي والصلصة والقهوة والهيل.. والبيبسي إلخ.
فاكس: 4533173
|