في البدء خواطر استهلال مسكون بالاحتفاء.. للآفاق المتوهجة بعطاء حوّاء.. لست ممّن يهوى العزف على وتر الاستفزاز.. أو استثارة ردود الفعل.. بين الجنسين غير أني كثيراً ما أتساءل عن تلك العوامل والمؤثرات التي تجعل من حواء عنصراً غير قادر على الإمساك بدفّة العمل الإداري وتسيير مراكبه وتنفيذ أسسه ومعطياته وفق آلية ملائمة.. فالرجل يتفوّق كثيرا في القيادة الإدارية تبعاً لسماته النفسية وتكوينه البدني وطبيعته المتأنية التي تستطيع التعامل مع مختلف المواقف بقوة وحكمة ودراية تفتقدها المرأة التي تمتطي صهوة إدارية في أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع.
نعم.. الرجل هو الأقدر على صناعة «نسيج إداري» محكم وفتح آفاق الحوار وتجاوز هموم العمل بمرونة والارتقاء بمستوى العمل مع استعداده لسماع الرأي الآخر.. واحتفائه بوسائل التجديد والابتكار.. وترحيبه بالدورات التدريبية.. ربما كنت قاسياً مع حواء المسؤولة التي تتبوأ هرماً إدارياً غير أني ما زلت أحمل ذات التساؤل مثيراً رياح الحيرة والدهشة!
ثمة ممارسات إدارية تتأبطها ذات الشأن.. وهي تلملم أوراقها المبعثرة في فضاء العمل المسكون بالتوتّر والضغط النفسي والبدني الذي تتجلى تفاصيله في وجوه «الموظفات» ومنسوبات الدائرة.. ولا مجال للبوح واستجلاب أنماط حوار غارق في بحيرة الصمت الذي يرضي غرور «المديرة»!!.
عجباً.. لماذا يبدو ضعف شخصية المرأة في قيادتها الإدارية أمام الأنظمة واللوائح واستسلامها للروتين الوظيفي.. بل ورغبتها في إظهار ملامح الهيمنة وطقوس التسلّط وإصدار الأوامر.. ومساءلة العاملات عن كل صغيرة وكبيرة..
حواء تفتّش عن وميض النظام.. تحتفي بلهجة الدوام.. ربما عجزت عن احتواء المواقف اليومية الطارئة عبر تعامل يفتقد للعمق والنضج الذي يبدو أكثر وضوحاً في القيادة الرجالية.
حواء تقتنص لحظات« التنفيس الإداري» في تأنيب موظفاتها والإلحاح في تطبيق مبادئ روتينية وتنفيذ أعمال شكلية استجابة لرغبة داخلية لديها إرضاءً للذات ليس غير.. ولربّما نالك العجب من تضجر العاملات وتذمّر الموظفات من «إداراتهن» أكثر من الرجال.. وربما أحسسن بالظلم والمرارة لدى المقارنة..
وتظل الأجواء الوظيفية لدى المرأة معبّأة بالصرامة والشدة عبر أساليب تتخلى عن العلاقات الإنسانية بالرغم من أن حواء هي منبع العاطفة ومصدر الحنان ومشاعرها سيّالة.. لكنها تجفّ في «أودية العمل».
ربما كنت مخطئاً ولعل انصياع حواء للأطر الوظيفية وعدم انعتاقها من خيوط الروتين الإداري نقطة إيجابية وحسنة تحسب لها عكس الرجل الأكثر تحرراً من قيود العمل.. لكنها تساؤلات تثار في ديار حواء وهي تمارس القيادة حتى قالوا: إن المنزل الذي تديره امرأة منزل غير قادر على تطبيق مبادئ تربوية سليمة!!!
هكذا أمطروك بسهام الوجع..
عذراً.. يا حاملة مفاتيح الإدارة.. ترجّلي عن صهوة كرسيّك العنيد.. وامنحينا شيئاً من بوحك الشجي.. فلربّما كنت أكثر بلاءً وأعظم عطاءً من الرجل الذي يعشق التغلّب ويهيم بالحرية ويتأفف من أجواء العمل المحفوف بالنظام الحاد..
أنت التي ترتّبين حقيبة العمل وتحفظين نصوص النظام عن ظهر قلب وتتغنّين باللوائح وتذوبين في صفيح العمل المشحون باللظى.. وظللت تحترقين فوق دائرة المسؤولية الملقاة.. تخافين المساءلة في مواقف عدة.. ممّن فوقك.. منهنّ !!
ربما كنت تكرهين التهميش وتحاولين مجاراة الرجل الذي يدّعي التفوق في شتى الممارسات الإدارية.. ويزعم أنك مصابة بعقدة النظام !! والرتابة.
عفواً حوّاء.. هل ثمّة فروق إيجابية وأخرى سلبية في مظاهر القيادة الإدارية بين الرجل والمرأة.. وهل يمكن قراءة تلك المقارنة عبر نظرة حياديّة منصفة تتوخّى الفائدة.. وهل كون المرأة المسؤولة أكثر إخلاصاً للنظم الإدارية والأطر الوظيفية في نزوع صارم حاد يجعلها أكثر تميّزاً وانضباطاً من الرجل..
دعونا ننصت لصوت حواء وهي تذود عن ديارها الإدارية وتحتفي بموقعها الإداري وتقف بشموخ أمام أمواج النقد والتذمّر من قبل موظفاتها اللواتي سئمن من العزف على وتر الروتين وتعبن من حدة النظام.. وها هو الرجل يتهم حوّاء «المديرة» بالجمود وضياع هيبتها أمام حذافير الأنظمة ومتون النظام الإداري الذي يغتال المرونة ويملأ عالمها الإداري بالشكوى والتذمّر..
ترى أيهما الأجدر بالاحتفاء منهج الرجل في احتوائه لخيوط المسافات الإدارية أم سياسة حواء في خضوعها للبنود الإدارية الوظيفية نصاً وتطبيقاً وذوبانها في مداد التعليمات الإدارية البحتة..إنها مجرد قراءة عابرة في فضاء القيادة الإدارية المتباينة لدى الجنسين.. ولا أدري هل كنتُ مدافعاً عن حواء أم مناصراً للرجل.. وتبقى مصلحة العمل.. هي المعيار.
محمد بن عبدالعزيز الموسى/بريدة ص ب 915
|