Monday 4th august,2003 11267العدد الأثنين 6 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
من طلال إلى شاكيرا
عبدالله بن بخيت

قبل خمسة وثلاثين سنة «أقل أو أكثر» سجل طلال مداح - رحمه الله - عدداً من أغانيه للتلفزيون. مثل «أسمر حليوة، حليوة مخاصمني هو اللي ظالمني». فثارت ثائرة الصحافة واتهم بكل التهم المتوفرة على ألسنة الناس ذلك الحين. بل حذفه بعضهم من قوائم الأخلاق وتعريفاته المعروضة لمجرد أنه كان يحرك يديه بطريقة لم تكن مألوفة. كان يفرد كفوفه أمام صدره كأنه يلف درسكون شاحنة كنور. كما أنها المرة الأولى التي يلبس فيها فنان سعودي بنطلوناً ويغني به. يعني ارتكب جريمتين: لبس البنطلون وتحريك يديه. وهذا شيء طبيعي إذا عرفنا أن المطرب في ذلك الزمان إما أن يغني وهو جالس، لا يتحرك منه سوى رقبته، يمطها ذات اليمين وذات الشمال. وله الحق في الزحف إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، كما كان يفعل فوزي محسون - رحمه الله - أو يغني وهو واقف كالعمود. أما إذا أراد أحدهم الجمع فعليه أن يقف رافعاً رجله على كرسي حاضناً العود بين بطنه وركبته كما اعتدنا في ما كان يسمى مسرح التلفزيون.
الخروج الوحيد على هذه التقاليد الفنية العظيمة قام به الأستاذ طارق عبدالحكيم بحكم منصبه الرسمي وقوة شخصيته. ففي إحدى المرات غنى في وهو يلبس بشت. يردد «أهيم بروحي على الرابية...» وهو يتنسف به بين مجموعة من الأعمدة. لو أغلقت الصوت ستظن أنه واقف يجرب البشت قبل الخبانة.
بقيت الأمور على هذه الحال إلى أن عرض التلفزيون واحدة من أغاني أم كلثوم، «فكروني».. ذهلت الناس وتخابروا وتهامسوا وتناقشوا. أتذكر كنت حينها أسير في شارع الشميسي الجديد فاستقبلني أحد الأصدقاء عند مدخل الحارة وزف لي الخبر العظيم صارخاً في وجهي «رح عجل شف أم كلثوم على التلفزيون». منعاً للتأخير حطيت نعالي تحت إبطي وعضيت ثوبي ودخلت بيتنا مثل الفشقة. ما أزال أذكر المقطع الذي لحقت عليه «كلمتين أتقولوا شالوا الصبر مني».
راحت الدنيا وتوالت التغيرات، فشاهدنا مطربة فرنسية أبكت حتى أصحاب القلوب المتحجرة بأغنيتها «أكوا دي بانس» إذا لم أكن غلطان. كان شعرها يلتصق بخدها بسبب الدموع المنحدرة من محجريها. فراح التلفزيون يعيدها حتى بعد بزوغ الفجر. ثم لحقتها نجاة الصغيرة وهي تغني بصوتها الخاثر «ساعة ما بشوفك جنبي ما أقدرش أداري وأخبي» ولا يمكن بالطبع ان أنسى مغنية ربما كانت جيبوتية أو مورتانية كانت تغني بطريقة لا يجاريها فيها من بنات اليوم سوى شاكيرا. مضينا على هذا حتى عام 1980م بعدها انقطعت أخبار النسوان في التلفزيون يا لله نشوف تشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة.
كل من جاء من الشرقية يقهرنا بالقصص التي يقصها عن مشاهداته التلفزيونية فقد كنت الشرقية تلتقط كثير من تلفزيونات الخليج حتى ايران وأرامكو.
ما أدري وش صار كأن الأمور تداعت أوانفجرت أو كأن هناك أناساً كانوا يخبئون التقدم التقني فأفرجوا عنه دفعة واحدة: فتح غمض. أصبح الآن عدد التلفزيونات التي تبث أغاني فقط لا يقل عن عشرة ما بين عربي وأجنبي وخليط. الشيء الذي يجمع بين العربي والأجنبي انه لا يوجد تسجيل «فيديو كلب» واحد لأغنية يمكن أن تقول إنها محتشمة.
الله يرحمك يا طلال مداح

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved