* موسكو- سعيد طانيوس:
لم يدمر الانفجار الرهيب الذي استهدف عصر امس مبنى المستشفى العسكري الروسي في مدينة موزدوك في القوقاز الشمالي هذه المنشأة بصورة كاملة وحسب، بل هز موسكو وأحاط بظلال الشك مصير كل محاولاتها لتسوية الازمة الشيشانية بالوسائل الامنية-العسكرية، وزعزع الثقة بجدوى الانتخابات الرئاسية المقررة في هذه الجمهورية القوقازية المتمردة.
وفيما ارتفعت حصيلة الخسائر في الارواح في العملية الانتحارية التي نفذت باقتحام شاحنة مفخخة بأكثر من طن من المواد الشديدة الانفجار مبنى المستشفى العسكري الروسي في جمهورية اوسيتيا الشمالية التي تعتبرها السلطات الروسية الجمهورية القوقازية الاكثر هدوءا وامانا الى 38 قتيلا، واكثر من 70 جريحا و9 مفقودين يعتقد انهم قضوا تحت الانقاض.حسب الناطق باسم وزارة الحالات الطارئة ارتسمت في العاصمة الروسية علامات استفهام كثيرة حول جدوى معاندة الكرملين ورفضه التفاوض باي شكل من الاشكال مع من يسميهم ب«الارهابيين الشيشان» الذين ينصرهم «مرتزقة عرب» حسب التصريحات الرسمية للقادة الروس.
وفي عود على بدء، لجأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه الى محاولة معالجة هذه الازمة السياسية بوسائل امنية بحتة، فعقد بوتين اجتماعا مغلقا في الكرملين مع مدير جهاز الامن الفيدرالي «في اس بي» نيكالا يباتروشوف والمدعي العام لكل روسيا فلاديمير اوستينوف، لبحث السبل الامنية والقضائية الآيلة الى منع تكرار هكذا عمليات في الوقت الذي توجه فيه وزيرالدفاع سرغي ايفانوف الى مكان الانفجار، وصرح من هناك انه اوقف عن العمل مؤقتا الجنرال الذي تخضع منطقة الانفجار لامرته عسكريا بسبب تقصيره في اتخاذ اجراءات امنية كان بامكانها ان تمنع وقوعه حسب تعبيره.
وكشف ايفانوف ان نوعية المتفجرات التي استخدمت في هذه العملية مماثلة لتلك التي تم استخدامها في الانفجارات التي استهدفت بنايتين سكنيتين في موسكو صيف العام 1999، وذلك في اشارة ضمنية الى ان مخططي تلك الانفجارات هم انفسهم الذين يقفون وراء تفجير المستشفى في موزدوك يوم امس. لكن دون ان يعترف ان كل الحرب التي شنتها روسيا في الشيشان بعد انفجارات موسكو وكل الاجراءات الامنية التي اتخذتها منذ ذلك الحين لم تؤد الى وقف هكذا عمليات تفجير.
وفي الوقت الذي لم تساور فيه المراقبين في موسكو اية شكوك في ان انفجار موزدوك يحمل توقيع المقاتلين الشيشان الذين يكافحون من اجل الاستقلال عن روسيا اعلن ايفانوف ان التحقيقات توصلت لمعرفة ارقام الشاحنة المفخخة التي اقتحمت مبنى المستشفى وكيف تم بيعها وشراؤها عدة مرات في الاسابيع الاخيرة، وكأن مسألة تجنب وقوع انفجارات جديدة تمكن في مراقبة بيع وشراء الشاحنات التي يمكن ان تستخدم في عمليات انتحارية، وليس في محاولة ايجاد حل تفاوضي لازمة سياسية اصبح عمرها يربو على العشر سنوات !.
وأفاد شهود عيان بأن الشاحنة المفخخة اندفعت نحو بوابة المستشفى العسكري وحطمتها ثم انفجرت قبالة مبنى المستشفى لتحوله الى انقاض على من فيه في لحظات قليلة، وقامت وزارة الحالات الطارئة الروسية بناء على توجيهات الرئيس بوتين بإرسال طائرات خاصة إلى موزدوك لنقل رجال الإنقاذ والمعدات اللازمة واخلاء الجرحى.
ويتوقع المراقبون في موسكو ان تتزايد عمليات التفجير وتمتد الى مدن وبلدات روسية اخرى في الاشهر القليلة القادمة، على اعتبار ان المقاتلين الشيشان سيعمدون الى تصعيد عملياتهم في محاولة للتأثير على موقف بوتين قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في آذار/مارس القادم واجباره على التفاوض مع الرئيس الشيشاني اصلان مسخادوف من اجل التوصل الى حل سياسي لهذه الازمة التي يمكن ببساطة ان تسمى ب«ازمة بوتين» قبل ان تكون مشكلة روسيا التي جنحت للسلم في حلها قبل وصول الرئيس الروسي الحالي الى عرش الكرملين.
|