..وينبغي التأكيد هنا بدءاً أنه بالرغم من عمق المواجهة التي خاضها وفد الصداقة السعودي الذي زار أمريكا وكندا، عبر أسابيع ثلاثة من شتاء عام 1990م، إلا أنه أدرك قدراً من النجاح في محاولة اختراق الفراغ الإعلامي في الساحة الأمريكية، ويجسد ذلك الفراغَ العديدُ من التساؤلات والملاحظات والتكهنات بشأن موقف المملكة من كارثة الثاني من اغسطس عام 1990م، والكيفية التي تعاملت بها مع المتغيرات الناجمة عن تلك الازمة الطاحنة، وخاصةً ما له صلة بالوجود الاجنبي، واحتمالات الحرب والسلام، ومدى فعالية المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها الأسرة الدولية على النظام العراقي لحمله على سحب قواته من الكويت، وهل يمكن أن تكون بديلاً عن حرب يصلى نارها الجميع؟!
* سأختم هذا المقال وما سبقه بطرح عدد من الأمنيات التي أحسب أنها ليست بجديدة على سمع وبصر الكثيرين، غير أن إيرادها مجدداً يخدم غاية أخرى، وهي التأكيد على أهميتها، والرغبة في الاخذ بالصالح منها، وغني عن القول أن بعض هذه الأمنيات أو فلنقل «التوصيات» تمثل قاسماً مشتركاً في أذهان كثيرين من أعضاء وفود الصداقة السعودية الذين شخصوا إلى مناطق أخرى من العالم عام 1990م للغاية ذاتها.
ولقد كان من أبرز «التوصيات» التي أثمرتها رحلة وفد الصداقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ما يلي:
أولاً: استمرار التصدي لنشاط الإعلام المضاد للمملكة، بإيفاد بعوثٍ منتظمةٍ ومؤهلة للحديث والحوار حول الموضوعات التي يحفل بها الرأي العام هناك، فمهما كتب عن المملكة أو نشر، يظل الإتصال المباشر أبلغ السبل تأثيراً في النفوس والعقول معاً، وقد يكون من الملائم إرسال وفودٍ مصغرة، ولكن عبر فترات زمنية منتظمة ومتتالية ما أمكن، خلال العام الواحد.
ثانياً: هناك قناة أخرى لتحقيق التواصل الدائم مع فئات الرأي العام العالمي، والأمريكي خاصة، ممثلة في العديد من الصحافيين والمراسلين الأجانب الذين يشدهم الفضول للقدوم إلى المملكة لتغطية بعض الأحداث، وذلك بتمكينهم من اللقاء مع نخب الفكر والرأي السعودي عبر مواقع شتى، ومعروف أن هؤلاء الصحافيين والمراسلين الأجانب يتعطشون دوماً للقاء أي من هذه النخب للإجابة على تساؤلاتهم، وتسليط الضوء على ما غمُضَ عليهم من أمور، وهذا أفضل وأجدى لهم كثيراً من الاعتماد على الاجتهاد الشخصي، أو استقاء المعلومات والمواقف من مصادر غير موثوقة أو أفرادٍ لا يحملون التأهيل المطلوب.
ثالثاً: هناك حاجة ملحة إلى تطبيق قدرٍ من سياسة «الباب المفتوح» يسمح بموجبها بدخول الراغبين في التعرف على المملكة تعرفاً مباشراً، سواءً كانوا أكاديميين أو صحافيين أو رجال أعمال، على أن تقوم الجهات المعنية في المملكة بوضع تصور مستقبلي لذلك، وإعداد الخطط اللازمة لضمان نجاح الفكرة. نقول هذا من منطلق الفخر بهذا البلد وبما يرمز إليه، ديناً وتاريخاً وإنجازاً، فليس عندنا ما نخفيه أو نخجل منه!
رابعاً: المعروف ان المملكة تحتضن المئات من رجال الأعمال الاوروبيين والامريكيين الذين يعملون إما ممثلين لشركاتهم أو عبر قنوات بعض المصالح المشتركة بين المملكة وغيرها من الدول، هؤلاء يجهلون الكثير عن المملكة، رغم وجودهم بها، عدا بعض الجوانب المتصلة بأعمالهم مباشرة، ويمكن ان يسهموا في تعميق المفاهيم الايجابية عن المملكة بعد عودتهم إلى بلدانهم، فيقوم كل منهم بدور «سفير» النوايا الطيبة لدى مجتمعه، لكنهم يفتقرون إلى اقامة جسور تربطهم بنخب الرأي في المملكة، من خلال برامج إعلامية ولقاءات متفرقة.
خامساً: لوحظ عبر أكثر من موقع في أمريكا وكندا وجود رغبة صادقة لدى العديد من أفراد بعض الأقليات مثل «المسلمون السود» والعرب والأسبان لزيارة المملكة والتعرف عليها عن كثب إنساناً وحضارة وتاريخاً، فيهم الطبيب والمهندس ورجل الأعمال وأستاذ الجامعة، وهم لا يترددون في الإعراب عن رغبتهم في تثقيف «زملائهم» في المهنة أو في التوجه السياسي أو الاقتصادي عن المملكة، بعد ان تتاح لهم الفرصة بأنفسهم للوقوف على واقع هذا البلد ورصد إنجازاته والتحدث مع أبنائه.
سادساً: هناك حاجة ملحة لتكثيف الاهتمام ببرامج الدراسات الإسلامية والعربية التي تقيمها بعض الجامعات الأمريكية وذلك بحصرها وتقويم ادائها ومدى فاعليتها، ودعم ما تثبت جدواه منها مادياً ومعنوياً، وحجبهما عمن هو دون ذلك.
سابعاً وأخيراً، الآن وبعد مرور نحو ثلاثة عشر حولاً من كارثة الخليج الثانية نعود إلى القول باصرار انه قد حان الوقت لإعادة تقويم الإعلام الخارجي للمملكة، وتحديد أوجه القصور فيه ووضع الخطط والبرامج الكفيلة بتصحيحه، فمهما بذلت السفارات من جهد، ومهما كان نصيب وفود الصداقة من نجاح، تظل الحاجة محلة إلى وجود برنامج قوي ودائم للإعلام الخارجي، يفرض وجود المملكة إعلامياً على الساحة الدولية، ويخرس الألسن والأقلام التي تحاول النيل منها.
|