في أعقاب تفجيرات الرياض ومن ثم اكتشاف عدد من الخلايا الإرهابية التي أعقبت هذه التفجيرات، دأبَ بعض محللي القنوات الفضائية على محاولة «التفذلك» والبحث عن الأسباب والدواعي التي جعلت مثل هذه الفئة «تحترف» القتل والتدمير وإراقة الدماء. أما أغرب ما سمعت من تبريرات وتحليلات لهذه الأعمال، أو بالأحرى اللعب عليها، ومحاولة استثمارها، قول أحدهم: ان أولئك جهاديون ودعاة إصلاح وبحث عن حوار. والغريب أن هذا «المحلل» إياه يقولها بأسلوب جزمي، وكأنه اطلع على برنامجهم «الإصلاحي»، فانتهى إلى هذه النتيجة.
نعم، نحن كسعوديين نواجه الكثير من التحديات. فمثلما تحققت الكثير من الإنجازات كان ثمة في المقابل أخطاء. وهناك حوارٌ قائم بين فعاليات المجتمع من القمة السياسية وحتى أصغر مهتم في المجتمع، يدورُ حول كيفية هذا الإصلاح، وكيف نبدأ، وما هو سلم الأولويات. وكبار المسؤولين في المملكة يُقرون أن مسيرتنا التنموية تكتنفها بعض الأخطاء ولا بد لها من التصحيح والتطوير، فالذي لا يعمل هو فقط الذي لا يُخطأ، فنحن نعاني من مشكلة دين عام، ومن مشاكل اقتصادية، ومن مشكلة بطالة متفاقمة بين الذكور ناهيك عن النساء، ومن زيادة في أعداد السكان تعتبر من أعلى معدلات زيادة السكان في العالم تلتهم الأخضر واليابس، كما أن لدينا مشكلة تزداد إلحاحاً مع مرور الوقت في توفير المياه، ولدينا مشاكل في التعليم، ولدينا مشاكل في الرعاية الصحية نظراً لتزايد السكان، ولدينا تشوهات هنا وهناك في الإدارة البيروقراطية، ولدينا مشاكل اجتماعية، ولدينا مشكلة مخدرات.. كل هذه قضايا يتحدث عنها الجميع ويناقشها الجميع، وليس أسراراً أو خطوطاً حمراء يَحرمُ تجاوزها أو نقاشها، غير أن هذه المشكلة والقضايا في جانب ومطالب هؤلاء التدميريين في جانب آخر. فهم لا يهمهم الفقر، ولا يؤرقهم البتة تفاقم معدلات البطالة، وليسوا معنين أصلاً بفهم القضايا الاقتصادية فضلاً عن الاجتماعية حتى يبحثون عن إصلاحها. كل ما هنالك أنهم «أناس بسطاء»، سُذج، يعيشون في «قوقعة» معزولة تماماً عن المجتمع وحقائق الحياة، ويغلب عليهم النزوع إلى الماضي والتلذذ بالعيش فيه، ومحاولة احيائه كما كان من جديد، وكل ما يسعون إليه هو «فرض» رؤاهم على الجميع بقوة السلاح.. ترى ذلك في لغتهم، في خطبهم، في أدبياتهم، في ملابسهم، في اهتماماتهم، والآن في عملياتهم الإرهابية. ومنذ هزيمتهم التي بدأت في أفغانستان عندما بادروا إلى استعداء الغرب بجرائم 11 سبتمبر، وهم يبحثون عن الانتقام من العالم دون استثناء. ولتحقيق هذه الغاية فإن هؤلاء على استعداد تام لأن يحرقوا البيت بمن فيه وباعثهم الحقد والتشفي من جهة وفرض رؤاهم المتخلفة حضارياً من جهة أخرى.. هذه هي الأسباب حصراً لهذه العمليات الإجرامية، وهذا ما حصل منذ الاثنين الدامي، وحتى عملية القصيم، مروراً بتلغيم المصاحف في مكة بيت الله الحرام.
يقول أحد مشائخ هؤلاء التكفيريين في موقعه على الإنترنت مبرراً جرائم الرياض: (وقد يظن بعض الناس أن هذه محرقة أخرى للمجاهدين ولكن هيهات هيهات، فقد انتقلت المعركة الآن من بلاد الأفغان إلى «أرض العرب»، وهذه لم تكن أبداً بالحسبان، وإنهم والله يُساقون سوقاً إلى مضاجعهم) ويواصل مؤكداً أن القضية هي قضية انتقام من «العدو» الأمريكي ليسَ إلا، فيقول: (وإن بيننا وبينه لثارات قديمة، فإن أيديهم وأسلحتهم مازالت مضمخة بعدُ بدماء إخواننا واخواتنا، ولازال إخواننا أسرى في سجونهم، ولن تنته هذه المعركة أبداً ما دامت السماوات والأرض، إلا أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)!!.
والسؤال: هل هذا خطاب له علاقة بما يقوله «المتفذلكون»؟. هذا بالنص ما يحملون من فكر وما تكتنفه رؤاهم من انحرافات، فليسّ ثمة كما يقول شيخهم سوى «ثارات قديمة» سوف ينتقمون لها وإن مَرَ «مجاهدوهم» على جثث المسلمين في أرض العرب!. فأين الإسلام، وأين حرمة الوطن والمواطن والمقيم، وأين الاصلاح، وأين الحوار، بل وأين «الجهاد» من ذلك كله؟. ثم أين مشاكلنا المعاصرة كسعوديين من ثنايا هذا الخطاب؟.. فهل ثمة ما يدعو إلى التبرير، غير الانتهازية في اختلاف الأسباب لغايات لا تخفى عن العاقل؟..
|