ها نحن وقد دخلنا فصل الصيف فصل الرحلات والاستجمام، لا بد لنا أن نأخذ بالحسبان ما قد يعود به علينا وخصوصاً أننا وأطفالنا لا نجد ما هو ممتع أكثر من السباحة لا لكونها رياضة راقية فحسب بل لأننا نجدها ملاذاً آمناً من حرارة الشمس الحارقة التي تهوي على اجسادنا كالسياط، لكن لهذه المتعة اضرار وامراض قد لا نتذكرها قبل وأثناء السباحة والغطس نذكر منها التهابات الأذن الخارجية والوسطى إذا ما كان السابح قد عانى سابقاً من التهاب الأذن الوسطى المتقيح الذي غالباً ما ينتهي بثقب الطبلة ودائماً ننصح المريض بالحفاظ عليها من الماء لذا وجدتُ لزاماً عليّ ان اطلع الاخوة القراء بشيء من التوضيح عن هذه الأمراض شاكراً سعة صدركم في قراءة هذا المقال المفيد.
قبل البدء في الشرح عن التهابات الأذن، أود ان اضع الأخ القارئ في نبذة بسيطة عن تركيبة الاذن تشريحيا ليسهل عليه فهم ما سأتطرق إليه لاحقاً.
الاذن تشريحيا تنقسم الى ثلاثة أجزاء:
1- الاذن الخارجية، وتشمل صيوان الأذن والقناة السمعية الخارجية.
2- الاذن الوسطى وهي عبارة عن غرفة هوائية سداسية الاوجه وتشمل الطبلة، العضيمات الصغرى وهن: المطرقة والسندان والركاب، وتتصل بالحلق من خلال قناة تسمى قناة استايكوس، التي تقوم بوظيفيتين أساسيتين:
الأولى: ناقلة للافرازات من الاذن الوسطى الى الحلق.
الثانية: المحافظة على ثبات ضغط الاذن الوسطى مقارنة بالضغط الجوي الخارجي.
3- الأذن الداخلية التي تتكون من القوعة المسؤولة عن السمع والاقنية شبه الدائرية المسؤولة عن الاتزان.
أولاً التهابات الأذن الخارجية
الأذن الخارجية تتكون من صيوان الاذن والقناة السمعية الخارجية، ووظيفتها نقل الصوت للطبلة التي بدورها تنقله للعضيمات في الاذن الوسطى ومن ثم للأذن الداخلية فالعصب السمعي فالدماغ.
عند حدوث الالتهاب تتورم الأغشية المبطنة للقناة السمعية الخارجية اضافة الى تجمع افرازات الغدد الموجودة في القناة ناهيك عن مخلفات الالتهاب من صديد وخلايا ميتة التي تشكل بيئة مناسبة لحدوث انتانات وذلك بسبب وجود البكتيريا وخصوصاً اللاوكسجينية منها، مما يحدث تورماً وانغلاقاً في القناة السمعية.
الاعراض:
1- ألم شديد في الاذن وخصوصاً عند شد الاذن او الضغط على الفتحة الخارجية للقناة السمعية.
2- ازدياد في حجم الغدد اللمفاوية خلف الاذن من الألم عند حسها.
3- حكة شديدة في الأذن مع شعور بضعف السمع.
العوامل المساعدة لحدوث الالتهاب
1- ايذاء الأغشية المبطنة للقناة السمعية باستعمال أداة حادة لتنظيف الأذن او بسبب دخول بعض المواد الكيميائية للقناة السمعية كأن تكون مكونات المواد المضافة للماء في برك السباحة مثل الكلور وغيره، حيث لوحظ ان جزءاً كبيراً ممن يعانون من التهابات الاذن الخارجية هم ممن يمارسون السباحة.
2- السكري: لوحظ ان التهابات الاذن الخارجية تكثر عند مرضي السكري، وذلك بسبب ضمور الخلايا المبطنة للقناة السمعية وكذلك الغدد العرقية والشمعية عند مرضى السكري.
3- ان حامضية الاغشية المبطنة للقناة السمعية تؤثر بشكل مباشر على حدوث الاتهاب، حيث لوحظ انه اذا زادت عن الرقم 6 أي ان تصبح قاعدية فأنها تشكل بيئة مناسبة لتكاثر البكتيريا.
بقي ان نذكر ان هنالك انواعاً عدة من البكتيريا خصوصاً اللاوكسجينية منها التي قد تترك اثاراً سلبية اذا ما عولجت بالشكل الصحيح، ناهيك عن ان بعض الفيروسات الشديدة الاصابة كالتي تؤثر بظهور حبوب مؤلمة على صيوان الاذن والقناة السمعية وتحدث ايضا عطباً في العصب الوجهي السابع.
اضافة الى ما اسفلت ذكره هنالك ايضا التهابات الاذن الخارجية الناتجة عن الفطريات وهي تتصف بألم وحكة شديدتين وافرازات كثيرة في القناة السمعية وهي تكثر عند من يمارسون السباحة خصوصاً وهنا اود ان أنوه الى عدم استخدام القطرات التي تحتوي على المضادات الحيوية لأنها تزيد من خطورة الالتهاب.
الوقاية
اولاً يجب على المريض عدم استخدام أي اداة حادة في تنظيف الاذن كأن يستعمل مفتاح السيارة او ما شابه ذلك.
ثانياً: على المرضي الذين يشكون من التهابات متكررة في الاذن الخارجية استخدام سدادات الاذن عند السباحة تحاشيا لتكرار الالتهاب وكذلك اجراء فحص للسكري بشكل دوري.
ثالثاً: على المريض مراجعة الطبيب المختص عند شعوره بألم حاد في الاذن او خروج صديد من الاذن وعدم اهمال ذلك، لان مضاعفات التهابات الاذن الخارجية لا تحُمد عقباها لشدة خطورتها.
رابعاً: هنالك بعض التهابات الاذن الخارجية قد تنتج عن استخدام مواد التجميل وسبريهات الشعر، وهؤلاء يُنصحون بعدم استخدام هذه المواد لتحاشي تكرار الالتهاب.
ثانياً: التهابات الأذن الوسطى عند الأطفال
أما بخصوص التهابات الاذن الوسطى فهنالك عدة عوامل تؤثر سلباً في حدوث الالتهابات منها:
أ- انسداد قناة استايكوس بسبب تورم الاغشية المبطنة للقناة ناتج عن التهاب بجوار الفتحة السفلية للقناة كأن يكون التهاب في النامية خلف الانفية «اللحمية» او التهاب اللوزتين والتهابات الأنف والجيوب الأنفية.
ب- انغلاق الفتحة السفلية لقناة استايكوس ناتج عن تضخم النامية الخلف انفية «اللحمية».
ج- ازاحة الفتحة السفلية لقناة استايكوس ناتج عن وجود ورم سرطاني في الجزء المجاور لتلك الفتحة.
وبسبب تلك العوامل السابقة الذكر يحدث انخفاض في ضغط الاذن الوسطى وبالتالي حدوث تورم او انتفاخ في الاغشية المبطنة للاذن الوسطى، الذي يؤدي الى ازدياد في الافرازات وتجمعها في حجرة الاذن الوسطى التي من الصعب نفاذها من خلال قناة استايكوس بسبب انغلاقها وهذه التغيرات تؤدي الى حدوث تصلب من مفاصل عضيمات الاذن الوسطى وسحب الطبلة للداخل اضافة الى ان هذه الافرازات تشكل بيئة مناسبة لتكاثر البكتريا التي انتقلت الى الاذن الوسطى في بداية الامر عن طريق قناة استياكوس وحصول التهاب صديدي في الاذن الوسطى في مراحله النهائية.
التهابات الاذن الوسطى تنقسم الى ثلاثة أنواع:
1- التهاب الاذن الوسطى اللابكتيري «اللاصديدي» وهو في الغالب يكون ناتج عن انغلاق في قناة استايكوس مما يؤدي الى تجمع السوائل خلف الطلبة دون حدوث انتانات في هذا السائل، مما يؤدي الى حدوث ضعف سمع توصيلي ناتج عن وجود هذا السائل، وعدم ارتياح في الاذن او احساس بوجود سائل في الاذن، وهذا النوع يحدث عند الاطفال في سن ما قبل السادسة غالباً، والسبب الرئيسي في حدوثه هو تضخم في الناميات خلف الانفية، وفي الغالب يشكو ايضا المريض من الشخير والتنفس من الفم أثناء النوم.
ما هي العوامل التي تؤثر سلباً في وظيفة قناة استايكوس؟
1- اعتلال في العضلة المسؤولة عن فتح القناة.
2- تورم الاغشية المبطنة للقناة ناتج عن التهاب في الجوار كأن يكون التهاب اللحميات، او اللوزتين، او الجيوب الانفية او حتى حساسية الأنف احياناً.
3- انغلاق الفتحة السفلية للقناة ناتج عن تضخم اللحيمات الخلف انفية.
4- وجود ورم سرطاني في الفتحة السفلية للقناة.
إذا ما حدث أي من العوامل السابقة، فإن ذلك سيؤدي الى ما يلي:
أولاً: استسقاء الاغشية المبطنة للاذن الوسطى.
ثانياً: رشح سائل من الأغشية المتورمة داخل الاذن الوسطى.
ثالثاً: تصلب مفاصل العضيمات الصغرى في الأذن الوسطى ناتج عن سحب الطبلة للداخل.
الاعراض الناتجة عن تشكل السائل داخل الأذن الوسطى هي:
1- الشعور بضغط داخل الاذن وخصوصا اذا حدث ان تعرض المريض لالتهاب حاد في الحلق واللوزتين.
2- الم في الاذن احيانا مصحوب بضعف في السمع.
3- سماع اصوات وطقطقة في الاذن عند التثاؤب او البلغ.
بعد سماع المريض وفحصه يُجرى فحص مرونة الطبلة وضغط الاذن الوسطى للتأكد من التشخيص.
العلاج
بداية يقوم الطبيب بعلاج المريض بالأدوية ولفترة محدودة حسبما يراه مناسباً، فإذا ما وجد استجابة فإنه يستكمل العلاج، أما اذا لم تستجب سيلجأ الطبيب الى المداخلة الجراحية، التي تتخلص فيما يلي:
أولاً: يدخل المريض للمستشفى وتجرى له فحوصات للدم، وفحص سريري كامل للتأكد من خلوه من الامراض التي قد تعيق الاجراء الجراحي تحت البنج العام.
ثانياً: تجري عملية بذل الطبلة للاذن المصابة تحت البنج العام وباستخدام الميكروسكوب الجراحي، حيث تشفط السوائل المتجمعة خلف الطبلة من خلال فتحة صغيرة، وبعد الانتهاء من هذا الاجراء، يتم زرع انبوب التهوية في تلك الفتحة التي تم اجراؤها سابقا وذلك للحفاظ على تهوية الاذن الوسطى كبديل مؤقت لقناة استايكوس، وفي الغالب يبقى هذا الانبوب في الاذن لمدة تصل ما بين ستة اشهر وسنة، تلفظه الاذن بعدما يكون قد أدى واجبه تماماً.
ايضا قبل ان انهي يتم اجراء عملية بذل الطبلة ايضا في حالات التهاب الاذن الوسطى الصديدي الشديد الألم حيث تكون الطبلة منفتخة ولا يخرج الصديد، فيجب اجراء العملية في هذه الحالة ولا يزرع انبوب للتهوية.
بقي ان نذكر انه بعد اجراء العملية يجب المحافظة على الاذن جيدا، فلا يسمح بدخول الماء للاذن قطعيا لأن ذلك يؤدي الى حدوث التهاب في الاذن الوسطى، وذلك عن طريق وضع قطنة مبللة بالزيت ومعصورة جيدا او باستخدام سدادات الاذن عند الاستحمام او عند غسل الرأس.
2- التهاب الاذن الوسطى البكتيري: وحدوثه شبيه بالتهاب الاذن الوسطى السابق شرحه، لكن السائل المتشكل خلف الطبلة وبوجود بكتيريا يتحول الى صديد، مما يتسبب بضعف السمع، ويؤدي ايضا الى حدوث ضغط على الطبلة الذي ايضا يؤدي الى فتح الطبلة وخروج الصديد الى القناة السمعية مصحوبا في البداية بألم شديد سرعان ما يخف بخروج الصديد، اضافة الى ما سبق ذكره يكون ايضا مصحوباً بارتفاع في الحرارة.
أما بخصوص المضاعفات فهي كثيرة نذكر منها:
أولاً: التهاب الاذن الداخلية: وتنتج في الغالب بسبب مرور المواد السامة الناتجة عن الالتهاب البكتيري للاذن الوسطى من خلال فتحات الاتصال ما بين الاذن الوسطى والاذن الداخلية.
الأعراض
1- عدم اتزان 2- شعور بالغثيان. 3- استفراغ. 4- طنين الاذن.
ثانياً: التهاب اغشية الدماغ «السحايا»: وتنتج عن طريق انتقال التهاب الاذن البكتيري الى الاغية المبطنة للدماغ وذلك عن طريق الاوردة المجاورة للاذن الوسطى او عن طريق الاذن الداخلية، واحيانا مباشرة حيث تفصل الاذن الوسطى عن الدماغ رقاقة عظمية من السهل اختراقها اذا كان التهاب الاذن الوسطى شديداً.
الاعراض:
1- صداع شديد. 2- تصلب الرقبة. 3- اعتلال النظر. 4- تشنجات. 5- عطب العصب الوجهي السابع، اضافة الى اعراض التهاب الاذن الوسطى وأهمها ارتفاع الحرارة الشديد.
ثالثاً: خُرّاج الدماغ: وينتقل الالتهاب الى الدماغ كما في الحالة السابقة شرحها «السحايا».
الاعراض: تشبه الى حد ما اعراض التهاب السحايا، ولكن اشد خطورة إذ انها قد تتطور محدثة الوفاة احيانا.
رابعاً: التهاب العظم البترائى: وينتقل الالتهاب من خلال الاذن الداخلية للعظم البترائي.
الاعراض:
1- الم يستوطن الاسنان والوجه ناتج عن تحسس العصب الخامس.
2- عطب العصب العيني السادس محدثا الرؤية المزدوجة.
3- عدم اتزان وفقدان السمع.
4- صُداع شديد.
وجميع الاعراض السابقة الذكر تأتي نتيجة وجود الأعصاب الدماغية الخامس والسادس والسابع والثامن بالقرب من نهاية الهرم العظمي للعظم البترائي.
في النهاية بقي ان نذكر ان التهاب الاذن الوسطى من الأمراض التي قد لا يُحمد عقباها اذا ما عولجت بالشكل الصحيح من حيث العلاج المناسب والوقت الكافي وأهيب بالأهل اعطاء الموضوع أهمية خاصة اذا ما حدث هذا لأي من أفراد اسرهم. شاكرا حسن اصغائكم.
إرشادات عامة لمرضى التهاب الأذن الوسطى
أولاً: يجب ان يعي الأهل ان التهابات الاذن الوسطى اللابكتيرية تنتج في الغالب عن تضخم في الناميات خلف الأنفية اضافة الى عدم اكتمال علاج التهاب متكرر سابق في الاذن الوسطى.
ثانياً: عند خروج الصديد من القناة السمعية فهذا دليل على ان طبلة الاذن قد فتحت بسبب ضغط الصديد المتجمع خلف الطبلة والناتج عن التهاب الاذن الوسطى، لكن اذا عولجت بالشكل الصحيح وروعي الالتزام بارشادات الطبيب المعالج، فإن طبلة الاذن تعود لتلتئم ثانية.
ثالثاً: إذا كان هناك ثقب في طبلة الاذن يجب ان يراعي الأهل عدم دخول الماء الى الاذن وذلك من خلال وضع قطنة مبللة بالزيت او كريم اليدين عند الاستحام او غسل الرأس او وضع سدادة خاصة لهذه الغاية تباع في الصيدليات.
رابعاً: اذا كان السبب المؤدي لحدوث التهابات الأذن الوسطى المتكررة هو تضخم الناميات خلف الأنفية، فلا مجال للعلاج بالأدوية، حيث من الضروري ازالة الناميات جراحيا.
خامساً: في حالة حدوث التهابات الاذن الوسطى اللابكتيرية وتشكل السوائل خلف الطبلة ولفترة طويلة تزيد على ستة اسابيع لا بديل عن الاجراء الجراحي لبذل الطبلة وزرع أنابيب تهوية في الطبلة تلفظه الاذن بعد حوالي ستة اشهر الى سنة.
سادساً: في النهاية اود ان اقول ان ابناءكم هم ابناؤنا ساعدونا للتخفيف من معاناتهم ولضمان جيل قادم خالٍ من الاعاقات السمعية.
إعداد الدكتور نصر البطاينة
استشاري أنف وأذن وحنجرة
مركز النخبة الطبي الجراحي - الرياض
|