نلاحظ في الوقت الحاضر ان هناك توجهاً في العمل الدعوي بدأ يأخذ منحاً جديداً يقوم على الطرح الهادئ البعيد عن الانفعال والحدة في الخطاب وعدم رفض الرأي الآخر وعدم اعطائه قيمة الذي أوجد شيئاً من الملل والنفور لدى المتلقي العادي، يضاف إلى هذا الارتقاء الفكري الذي أخذ يتنامى بفعل وسائل الاتصال المختلفة، لقد تغيَّر الحال ولا بد من مسايرة الزمن للوصول إلى الغاية أو الهدف، فتغيّر الخطاب عند البعض فكان هناك نزول إلى عقلية المخاطب عن الطرح وادخال انواع من الدعابة عليه التي احيانا تكون مبتذلة ولا تروق للبعض الآن انها كانت وسيلة للجذب توجه إلى فئة هي أقرب لمرحلة المراهقة ثم بعد ذلك لاحظنا أخيراً ذلك التوجه الذي يقلل من حدة الصرامة في الطرح عند مخاطبة النخب المثقفة ان كانت لم تصل إلى الحد الذي يرجى لكنها تشهد تحسناً أو لنقل تهذيباً بدأت تغيب عنها الكلمات الحادة وصب النعوت القاسية.
ان الرأي وطرحه هي صفة جُبل عليها الناس منذ بداية حياتهم ولا أدري لماذا خلق الله للإنسان لغة الكلام التي ليست فقط لغة التخاطب، بل تشمل الأخذ والرد والمناقشة فكل منا مهما بلغت درجة ثقافته يكون لديه الميل إلى حب النقاش ولنقل الجدال الذي يرتقي إلى عقل المتخاطبين يختلف في حدته وطرحه وهذه من طبيعة البشر، ونحن في ديننا نسلك ذلك المنهاج الذي وضعه الله لنا وعلمه إلى خير خلقه محمد عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: {$ّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}، ومع أن الخطاب موجه إلى أناس غير مسلمين وكان قبله موسى عليه السلام مع فرعون التي استشهد بها هارون الرشيد لرجل قال له سوف اعظك بعظة فيها بعض الغلظة، فقال الرشيد ان الله ارسل رسوله موسى عليه السلام إلى فرعون بقوله تعالى: {فّقٍولا لّهٍ قّوًلاْ لَّيٌَنْا لَّعّلَّهٍ يّتّذّكَّرٍ أّوً يّخًشّى"}، حيث كان هناك مناقشة كانت تعتمد على طرح الحقائق وبأسلوب لين من أجل الوصول إلى الهدف أو الغاية بعيداً عن الغلظة والفظاظة التي ذكرها الله في كتابه الكريم عند مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم {$ّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ پًقّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ} ومع التغير الحاصل في حاضرنا من كثرة الآراء والاطروحات في الجانب الديني والتي تكون عادة مثار اختلاف بين العلماء يبرز هنا ان المتلقي أو لنقل الباحث ذو ثقافة دينية بسيطة يتشتت بين فرد وجماعة بعدما تتزاحم عليه الأفكار وتتقاطر عليه من كل حدب وصوب فيستشهد برأي سمعه من هذا أو ذاك المحدث أو الملقي أو المجلة أو الشريط مدفوعا احيانا بالعاطفة فيورده بشكل تلقائي مندفع من غير ان يكون هناك فهم حقيقي للب الموضوع الذي أخذ بشكل مبتور أو عدم التيقن من مصادره التي وردت منه والخطأ الكبير والشنيع الذي يحصل هو عندما يكون المتلقي صغيرا في السن، حيث يعطى عند بعض الكبار في السن غير المتعلمين صفة تجعله يشعر بالزهو والفخر على ما يمتلكه من علم بسيط لم يصل إلى حد التمكن فيخوض في مواضيع هو غير ملم بها على الوجه الصحيح ينصب نفسه مفتيا على محيطه معتمدا على أسلوب الصرامة والفرض مما يوجد نوعا من الشقاق والنزاع والقطيعة والنفور فأرجو ان نشهد انحسار هذا السلوك، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في جانب المعاملة والتي يجب ان تغرس في أبنائنا فهي بحق التي سوف تثمر في إيجاد جيل يقوم تفكيره على احترام وتقدير الرأي الآخر ومجادلته بأسلوب عقلاني ومقنع.
|