يجب أن نقف مع الله سبحانه وتعالى وقفةً صادقةً، نوجِّه إليه قلوبنا، ونرفع إليه دعاءنا ونستنزل رحمته التي وسعت كلَّ شيء، ويجب أن نراجع أنفسنا مراجعةً صادقةً حتى لا يأخذنا الطوفان ونحن غافلون.
هنالك تيَّارات قوية، يمكن أن تتحول إلى تيارات جارفة إذا لم نحسن وضع الحواجز المناسبة أمامها، إذا لم نكن أكبر من الأحداث ووقعها المخيف، إنَّ تلك الأعيرة النارية التي تنطلق من مسلم إلى مسلم لا تبشِّر بخير، وإنَّ هذه الموجة العارمة من الحقد التي استطاعت أن تحرّك إصبع مسلم على زناد رشاشه ليقتل أخاه المسلم توحي بأن الأمر قد تفاقم وأصبح خطراً يهدد أمن الآمنين، وربما يسوق - لا سمح الله - إلى تناثر ذلك العقد الثمين.
نداء صادق إلى الشباب الذين يدورون في فلك معتمٍ قاتم أن يخرجوا إلى النور، وأن يحتملوا كل معاناةٍ مهما صعبت فهي أهون من إثارة الفتنة وقتل أخٍ مسلم، ألم يقل يوسف عليه السلام«ربِّ السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه ».
لقد وازن عليه السلام بين الوقوع في كبيرة الزنا وبين السجن، فكان السجن أهون عليه وأحبَّ إلى نفسه، قرأت في أكثر من موقع على شبكة «الحاسوب» مقالات تفيد أن كثيراً من الشباب الذين يواجهون قوى الأمن بالسلاح إنما يفضلون الموت على التحقيقات القاسية التي تجرى معهم حين القبض عليهم، وبالرغم من أنَّ هذا الذي يقال إنما ينشر في مواقع لا تُعدُّ مصادر موثقة للمعلومة، إلا أننا نرى أن قتل مسلم، وإثارة الفتنة، ومواجهة وليّ الأمر بالعنف والشدَّة، أعظم وأشدُّ على الانسان من سجنٍ، مهما كانت صعوبته وقسوته.
ولا شك أنَّ «التحقيقات» الأمنية في بلدٍ مسلم يطبِّق شرع الله يفترض أن تكون منضبطة بضوابط شرع الله، وأن يكون أسلوبها مثالاً للعدل والرحمة، مع الشدَّة التي لا تتحوَّل إلى عنف «لينٌ في غير ضعف، وشدة في غير عنف»، ومع ذلك كله فإن الشباب الذين يتجرؤون على اطلاق الرّصاص يحتاجون إلى أن يراجعوا أنفسهم، ويتقوا الله سبحانه وتعالى في بلادهم، ويفكروا في عواقب الأمور، إنَّ هذا العقد المنتظم في هذه البلاد نعمة عظيمة وهو قائم على علاقات راسخة، وقواعد من البيعة والعهد الذي لا يجوز لمسلم أن ينقضه، مهما كانت المسوِّغات والدواعي من الأخطاء والتجاوزات، إن الأخطاء - دون الكفر بالله عز وجل - يمكن أن تعالج بأساليب كثيرة ناجعة نافعة، وليس أسلوب القتال، واراقة الدماء واحداً منها - أبداً-.
إشهار السلاح شرارة فتنة، ودخولٌ في خندق مظلمٍ لن تكون نهايته الاصلاح ولا الصَّلاح، فياليت المسلم الذي تسيطر عليه الأوهام يستيقظ قبل فوات الأوان.
هذه المنظومة الأمنية الواحدة القوية، تحتاج إلى جهودٍ متضافرة، وأرواح متآلفة، وسواعد متكاتفة للحفاظ عليها، ومواجهة مؤامرات الأعداء الذين يريدون بها سوءاً كما توحي بذلك تصريحاتهم وتقاريرهم.
يا أبناء الإسلام، وأبناء المملكة العربية السعودية، إن كل إثارة للخلاف والفتن داخل بلادنا إنما هي دَعْمٌ واضح لأولئك الذين يعملون في الخفاء وفي العلن على تفتيت هذا الكيان الإسلامي الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من أمثال «دانيال بيبس» الذي يتهم المسلمين جميعاً بلا استثناء بأنهم نازيَّون أصحاب عُنفٍ وفتنة وإرجاف، وغير هذا الخبيث كثير من الكتّاب والسياسيين في الغرب ينتظرون يوماً تُشفى فيه صدورهم الحاقدة بتناثر العقد الرائع في هذه البلاد الطاهرة، فهل يرضى أحدٌ من الشباب المسلم أن يكون عوناً لأعداء الإسلام على دينه وبلده ونفسه؟
نحن - في هذه المرحلة - بحاجة إلى نفوس كبيرة وعقول مدركة للخطورة يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، الصغير والكبير، الرجال والنساء، كلُّنا مطالبون بأن نكون على مستوى مواجهة الأحداث، ومراقبة الله سبحانه وتعالى، وتغليب المصالح العامة على المصالح الشخصية مهما كانت، ودرء المفاسد الكبرى التي فيها ما لا يسرُّ ولا يُرضي.
إن شياطين الإنس والجن حريصون كل الحرص على نفخ نار الخلاف لتزداد اشتعالاً، وعلى دعم كلِّ فعل أو قولٍ يثير الفتنة، وعلى تزيين الباطل ليظهر للغافلين كالحقّ الذي تقبله النفوس، فهل نكون نحن أبناء هذه البلاد الطيبة - على ما أوتينا من بصيرة وفطنة وذكاء - ضحيَّةً لشياطين الانس والجن؟، وهل يصح لنا أن نقع فيما وقع فيه غيرنا في بلادٍ أخرى لم تجن من الخلاف إلا الحسرة والندامة، واهتزاز الأمن، وسوء المصير؟؟
اخرجوا يا أبناء الإسلام من هذه الخنادق المظلمة، وانفضوا غبار الأوهام، وارفعوا راية التلاحم والوئام، ولا تكونوا أمام نصائح الناصحين، وارشاد المرشدين، في موقع أولئك القوم الذين قال فيهم الشاعر:
أمرتهمو أمري بمنعرج اللِّوى
فلم يستبينوا النُّصْحَ إلاّ ضُحى الغَدِ
أبعدوا أيديكم عن زنادٍ تنطلق منه رصاصة لتقتل مسلماً، أو لتهزّ أمناً، وتثير فتنة، وتحدِث شغباً في بلدٍ آمنٍ مستقر.
اعرفوا الفرق الكبير جداً، بين جريمة إطلاقِ رصاصةٍ بغير حقّ لإثارة فتنة مهما كانت المسوِّغات، وبين فضيلة اطلاق رصاصةٍ في ميدان جهادٍ واضحٍ، إنَّ بينهما من المسافة ما بين المشرق والمغرب.
إشارة
بني الإسلام، أين العقلُ، هلاّ
غرستم حوله زَهْرَ الرَّشادِ
|
|