تكثر حفلات الزواج خلال الإجازة الصيفية، ولا تكاد تخلو من المباهاة والترف، ويتخللها ألوان شتى من الإسراف والتبذير، ابتداء من الخطبة وما يصاحبها من بروتوكولات بعيدة عن النهج الإسلامي، حتى تعدت الشبكة للمخطوبة إلى هدايا للوالدين، مروراً بالإخوة والأخوات، وانتهاء بالأجداد من الطرفين، حتى وصل الأمر إلى هدايا «للخادمة والسائق» في مظاهر خداعة لا تستند على دين ولا عرف، ثم يأتي عقد القران بعد الخطبة وهو لا يقلُّ عنها في البذخ وذلك بإقامة الولائم ودعوة الأهل والأقارب لحضورها! وإن المرء ليأسى لبعض الشباب في مجتمع مسلم يقودهم التقليد والولع بالمظاهر أثناء الخطبة والمِلْكة، أو في التجهيز للفرح الذي قد يتحول إلى هَمِّ حين ينفضُّ السامر فيعود الشاب إلى مراجعة حساباته، التي أخذه فيها الاندفاع لدرجة أن تصل قيمة بطاقة الدعوة للفرح إلى مئات الريالات «بدون مبالغة» وأحياناً تكون بطاقات للرجال وأخرى أكثر بهرجة للنساء، هذا عدا مكان الفرح الذي قد يصل استئجاره إلى «مائة ألف ريال أو تزيد» وما يتبعه من تجهيزات فنية ومخالفات شرعية، تقوم فيها بعض النساء بالرقص أمام العروسين بحجة إظهار المزيد من البهجة!! وينقسم الناس إلى مؤيد ورافض أو ما يسمى حالياً «متحضر أو معقد» !! فضلا عن الموائد وأصناف الطعام التي يتبارى فيها أصحاب الأفراح، ومآلها غالباً براميل النفايات إن لم تكن الجمعيات الخيرية من ضمن المدعوين!! فالحضور لا حاجة لهم بالأكل، بل ربما يكون لديهم برنامج غذائي بسب أمراض السكر والضغط والكلسترول.
وفي ظل هذه المظاهر غير الحقيقية حق لنا أن نتساءل: وما نصيب الزوجين من كل هذا الإسراف وهما ينويان البدء في الدخول بحياة مستقرة ويطلبان من الله التوفيق وأين هما من قول الله تعالى: {وّكٍلٍوا وّاشًرّبٍوا وّلا تٍسًرٌفٍوا إنَّهٍ لا يٍحٌبٍَ المٍسًرٌفٌينّ} وهذا النداء موجّه للمقتدرين، أما من قدر عليه رزقه وهو مع هذا مسرف فقد قال عنه عز وجل: {إنَّ پلَّهّ لا يّهًدٌي مّنً هٍوّ مٍسًرٌفِ كّذَّابِ} وقد يكون الرجل «والد العروس أو العريس» من عقلاء الناس وممن يخشون عقوبة الإسراف، ولكنهم يواجهون بضغوط من أسرهم بدعوى «ما حنّا أقل من غيرنا» و«هذا فرح ما هو عزا» أو «مالنا الا هالولد أو ها البنت» فيضعف الرجل! ولم نجد لقوامته من مثالب أشد من الضعف والجنوح إلى العاطفة في اتخاذ قرارات مصيرية تترتّب عليها محاذير شرعية أو أمور لها مساس بالحياة التي أمرنا بالمحافظة عليها ومنها عدم تبذير الأموال.
إن السعي للمظاهر الزائفة الزائلة وصل حدوداً يلزم التدخل بها بالتوعية والتوجيه المستمر من قبل الدعاة، ووسائل الإعلام، والتنبيه لخطورة مثل هذه المظاهر على النسق الاجتماعي للأفراد، والاقتصادي للشباب، ومنه بقاء البنات بدون زواج! أو اتجاه الشباب للزواج من الخارج لتخفيف التكاليف!! ولا شك مطلقا ان الجميع يتفقون على أن قضية الإسراف في الأفراح فضلاً عن كونها ترفاً لا طائل منه فهي قضية شرعية بحتة، وعليه يحسن برب الأسرة تربية أبنائه على الاقتصاد بالأموال وصرفها في مظانها، والبعد عن المظاهر الدخيلة، وتنشئتهم على ما يعود عليهم بالفائدة، وهي دعوة صادقة «لكل والدي عروسين» بالعودة لمظاهر الزفاف الشرعية وإدراك الهدف منها وهو إعلان الزواج، واقتصار الدعوة على المقربين من أسرتي العروسين، وإظهار الفرح والأهازيج بمشاركة العروس والاستئناس بوجودها، وإزالة الرهبة من نفسها بحضور أسرتها وعائلة العريس.
فمن سيبادر بالعودة، لتكون أعراسنا عائلية يتضوّع منها الفرح الحقيقي بلا مجاملات ؟!
ص ب 260546 الرياض 11342
|