** هذا الجيل الحالي يشعر بظمأ شديد لتجارب الرواد ليفيد من خبراتهم، فكم من تجربة اختصرت زمناً، ووفرت جهداً.
إن سنة الله قضت أن الأجيال اللاحقة تستفيد من الأجيال السابقة مما يختزل عليها مسيرة نضالها، ويوفر الكثير من وقتها، إن إفادة الأجيال اللاحقة من تجارب الرواد السابقين يجنّبها «الأخطاء» التي وقع فيها من سبقها!
وهذا لا يعني أن يكون أفراد الجيل الحالي استنساخاً لحياة وتجارب من سبقوهم..!
أو أنهم يكونون مبرئين من كل خطأ!
لكن المطلوب الإفادة ممن سبقوهم ومن تجاربهم بأي شكل.
أذكر ذات مرة أنني مع بعض الأصدقاء لدى سمو الأمير خالد الفيصل في جلسة خاصة.. وكان الأمير خالد يتحدث عن بعض ما مر به من تجارب في مسيرته الحياتية، وما أمتع الأمير خالد عندما يتناول- في جلساته بعض الموضوعات للحديث عنها سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو غيرها، إذ في أحاديثه تتبدى رؤية المثقف المطلع وحكمة الممارس المجرب، وقد اقترحت عليه- ذات لقاء- أن يسجل هذه الأحاديث العفوية- التي تحمل في كل جلسة مضموناً مهما بطرح مشوق!.
***
** إن من تلك القصص المؤثرة تلك الحكاية الواقعية التي رواها الأمير خالد وهو يتحدث عن تجربته الدراسية في بداية حياته.. وأضع هذه الحكاية البالغة الأهمية أمام كل شاب!
يقول الأمير خالد: عندما كنت طالبا أدرس في أمريكا أحسست ببعض الضيق والقلق، وكان الأستاذ جميل البارودي ممثلاً للمملكة في الأمم المتحدة، ومشرفاً عليّ وعلى إخوتي من قِبل والدي فجلست إليه وهو رجل ذو خبرة وحكمة- أروي له ما أُحِسُّ به، وكان عمري في ذلك الوقت بحدود الثامنة عشرة فقال لي:« إذا أحسست بذلك فقم يا بني وتوضأ وصلِّ وسوف تحس بالارتياح والسكينة»!.. يقول الأمير وكانت هذه النصيحة الغالية الصادقة درساً لا أنساه!.
وبالفعل هي نصيحة تعادل وزنها ذهبا، أو بلغة العصر «يورانيوم»!.
ولعل هذا الرجل الناصح تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمؤذنه بلال عندما يحزبه أمر «أرحنا يا بلال بالصلاة»!
من هنا كم أتوق أن يسجل أمثال خالد الفيصل «جيل الوسط» إن صح التعبير- تجاربهم الحياتية في كتب تبقى للأجيال.. ليستفيدوا منها وهم يعْبرون مسيرة الحياة بكل ما فيها من رحيق وحريق، ووهج ودجى!.
إن في حياة أمثال هؤلاء الرجال عبراً ستكون عبيراً في حياة الأجيال الحالية والقادمة عندما يستوعبون الدروس التي عبّرتْ عنها.
فهل يبادر اصحاب هذه التجارب الذين عايشوا مراحل التنمية في بلادنا والمتغيرات في مجتمعنا في تدوين هذه الذكريات تطّلع عليها أجيالنا الحالية والقادمة، هؤلاء الذين يواجهون وسوف يواجهون الكثير من التحولات والعقبات في مثل هذا الزمن «المعتل الآخر» وهم أحوج ما يكونون إلى «قناديل التجربة» التي ترشدهم، وإلى «صواري الحكمة» التي تهديهم إلى سواء السبيل.
« يوم بلا جوال »
** كنت في رحلة قصيرة داخلية «24» ساعة وفي هذه الرحلة لم يكن معي «الجوال» فلقد نسيت أن أصطحبه معي..!
وفي بداية الأمر أحسست أني فقدت شيئاً مهماً لا أستطيع الاستغناء عنه.. وكأنه وُلِدَ معي!.
وقد ظللت أتساءل- وأنا أرى مدى احتياجي الحاد إلى الجوال- تُرى قبل سنوات عندما لم يكن الجوال موجوداً كيف إذن كنت أعيش؟!.
عند هذا السؤال أقنعت نفسي بافتراض أن «الجوال» لم يُخترع بعد، ولهذا تأقلمت بأن أعيش هذا اليوم والليلة بدون جوال!.
هل تريدون الحقيقة!.
لقد ارتحت كثيراً..!.
لقد تفرغت لمهمتي التي من أجلها سافرت، وبقى لي وقت طيب كان يذهب «لثرثرة الجوال» وقد استمتعت في هذا الوقت ما بين «قراءة» لم يقطع رحلتها رنين جوال، وما بين «جلسة حوار» لا يجعلك الجوال تغادر الجلسة أو تقطع الحوار..!.
أصْدقكم القول..
لقد «ارتحت» بدون «الجوال» الذي أحياناً يزعجك بخبر يكدِّر عليك يومك ويرهقك في سفرك!.
جرِّبوا أن تستغنوا «بعض الوقت» عن الجوال وستجدون صدْق ما كتبت لكم!.
|