* كثرت «اليوم» الجنايات على النفس ما بين قتل واضرار بالنفس، هل لكم أن تفيدونا عن الجناية وحقيقتها وأنواعها؟ وكيف يتم التفريق بين جناية العمل، وجناية الجناية غير المقصودة؟ خاصة وقد تعددت الحوادث في العالم لعل ما تكتبونه يكون شافياً لنا؟.
م م أ/ أع أ/ محمود مصطفى أحمد سليم
مصر القاهرة الأزهر
كثيرون غيري كتبوا عن الجنايات والحوادث وما يدور حولها ما بين مفصل ومقتصر ومن الذين أطالوا وأجادوا في هذا بواسع من الطرح متين شاف كاف:
النواوي في/ المجموع.
ابن قدامة في/ المغني.
ابن حزم في/ المحلى.
ابن حجر في/ فتح الباري.
النواوي في/ شرح مسلم.
العيني في/ عمدة القاري.
السرخيسي في/ المبسوط.
ابن عابدين في/ الحاشية.
ولعل الامام العلامة/ منصور بن يونس البهوتي في كتابه «المختصر» الجيد الذي دعاه الروض المربع هو من أجمل ما كتب ولخص وأبان كثيراً من أحكام الجنايات سواء على النفس أو ما دون النفس ولما كان حال «الرومن» كذلك فإنني بإذن الله تعالى سوف أورد جملا كثيرة منه وأعلق على ما يحتاج الى تعليق وأضيف شيئا من «فقه النوازل» للضرورة الداعية الى ذلك، ولعلكم ومن وراءكم تأخذون بهذا خاصة وقد محصت لكم الجواب ولا مانع من نقله وطبعه مع ضرورة الاشارة الى «المصدر».
جاء ما بين ص424 حتى ص 433 من الروض طبع مكتبة المؤيد بالطائف لسنة 1389هـ قال «البهوتي»:«كتاب الجنايات جمع جناية، وهي لغة التعدي على: بدن أو مال، أو عرض، واصطلاحاً: التعدي على: البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً، ومن قتل مسلما عمداً عدوانا فسق وأمره الى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له وتوبته مقبولة».
قلتُ ما لم يكن هذا القتل متعدياً لأن المقتول يكون له زوجة وولد ومن يقوم عليهم فالقتل هنا «متعدياً» وقبول التوبة لها ضوابط مدونة، وقول البهوتي «الجنايات» هي بمعنى الجرائم من وجه قريب، وقد رأيت الشيخ/ عبدالقادر عودة/ أجاد في هذا وأفاد في كتابه المشهور: «تاريخ التشريع الجنائي» وهو واحد مما يحسن العودة اليه في مثل هذا، يقول الشيخ منصور البهوتي:«وهي أي الجنايات ثلاثة أضرب «عمد» يختص القود به، والقود قتل القاتل بمن قتله بشرط القصد أي قصد الجاني الجناية، والضرب الثاني «شبه العمد» والثالث «خطأ» روى ذلك عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما» قلت كما قال وأضيف على هذا فإن عامة الآثار الصحيحة مما ورد في المصنفات الطوال الحديثة أوردت نصوصاً عن غير عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما كثيرة تبين أمر هذه الاضرب الثلاثة.
وبين البهوتي بعد ذلك يقول:«فالقتل العمد ان يقصد من يعلمه آدمياً معصوما فيقتله مما يغلب على الظن موته به أفلا قصاص إن لم يقصد قتله ولا أن قصده بما لا يقتل غالباً».
قلت إلا إذا كان بينهما عداوة سابقة أو كان القاتل ذا سابقة أو سوابق جنائية بمثل هذا.
وهنا يجمل البهوتي اجمالا طيبا
صور القتل العمد حسب ما يذكره صاحب «زاد المستنقع». يقول:
«وللعمد تسع صور:
احداها ما ذكره بقوله: مثل ان يجرم بماله مور أي نفوذ في البدن كسكين وشوكة ولو بغرزة بابره ونحوها ولو لم يداو مجرم قادر جرمه.
الثاني الثانية: ان يقتله بمثقل كما أشار اليه بقوله: «أو يضربه بحجر كبير ونحوه» كلت وسندان ولو في غير مقتل، فإن الحجر صغير فليس بعمد إلا ان كان في مقتل أو حال ضعف قوة من حرص أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه أو يعيده به أو يلقي عليه حائطاً أو سقفاً ونحوهما أو يلقى من شاهق فيموت.
الثالثة: ان يلقيه بحجر أسد أو نحوه أو مكتوفاً بحضرته أو في مضيق بحضرة حية أو يُنهشه كلباً أو حية أو يُلسعه عقرباًً من القواتل غالباً.
الرابعة: ما أشار اليه بقوله «أو» يلقيه في: نار، أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما لعجزه أو كثرتهما فإن أمكنه فهدر».
قلت لكن يجب في حق المعتدي التعزير يقوم به ناظر ورع عالم مجتهد، لأنه لابد من تأديب الجاني حتى ولو لم يمت المعتدى عليه.. تأديبا له ولئلا يتمادى وقطعاً لأصل حصول الجناية أصلاً وبهذا يتأدب الغير.
الخامسة: ما ذكرها بقوله:«أو يخنقه بحبل أو غيره أو يسد فمه وأنفه أو يعصر خصيتيه زمناً فيموت بمثله.
السادسة: ما أشار اليها بقوله «أو يحبسه ويمنع عنه الطعام أو الشراب فيموت من ذلك في مدة يموت فيها غالباً.
السابعة: أو يقتله بسحر يقتل غالباً.
الثامنة: المذكورة في قوله «أو» بقتله «بسم» بأن سقاه سما لا يعلم به، أو يخلطه بطعام ويطعمه له أو بطعام أكله فيأكله جهلاً، ومن ادعى قاتل بسم أو سحر عدم عمله انه قاتل لم يقبل».
قلت:
لأنه لو فُتح هذا الباب لكثرت الجنايات بطرق مختلفة خاصة في هذا الزمن ولأنه يمكن القتل كذلك عن طريق «طبيب مأجور» لا ذمة ولا دين له بحقنة بما يعيبه بقاتل ولو بعد حين كوباء الكبد والفشل الكلوي النهائي، وداء السرطان مثلاً.
التاسعة: المشار اليه بقوله «أو شهدت عليه بنية بما يوجب قتله» من زنا أو ردة لا تقبل معها التوبة أو قتل عمد ثم رجعوا أي الشهود بعد قتله، وقالوا: عمدنا قتله فيقاد بهذا كله ونحو ذلك لأنهم توصلوا الى قتله بما يقتل غالبا ويختص بالقصاص مباشر للقتل عالم بأنه ظلم ثم ولي عالم بذلك وبينه وحاكم علموا بذلك.
قلتُ: وهذا حق فإن مباشرة القصاص يجب أن تكون تحت نظر وإذن «ولي أمر المسلمين» فلا يجوز ما يسمى بأخذ الثأر هكذا بل لابد من نظر ناظر الأحكام الشرعية المسلم العادل الآمن وإلا أصبحت حال فوضى وفتن وسوء فلابد من ضابط الشرع الناجز بتدبير ونظر من ولي الأمر.
ثم يبين كما في ص425 شبه العمد فهو يقول:«وشبه العمد أن يقصد جناية لا تقتل غالباً ولم يجرحه بها، كمن ضربه في غير مقتل بسوط أو عصا صغيرة ونحوها، أو لكزة ونحوه بيده أو القاه في ماء قليل أو صاح بما قل اغتفله أو بصغير على سطح فسقط فمات» إلخ ص426.
قلت وهناك قتل شبه عمد وقد يصل الى «العمد» وهو القتل المعنوي كهضم الحق والحسد والوشاية تلك التي تجعل الضحية ما بين «مرض نفسي، وخوف، وترقب» فهذا قتل معنوي شديد كم قد يذهب «به» غافل مسكين ولو كان عظيما علماً وفهماً فإن هضم الحق والحسد والوشاية خاصة من «القريب والزنيل والمنافس، قد تجعل «العظيم، علماً، وأدباً، وثقافة، وإدارة» ضحية يموت بسبب ذلك موتاً بطيئاً ولهذا فأدعو ولاة أمور المسلمين الى تدبر هذا خاصة ولهضم الحق والحسد والوشاية صور كثيرة ذات مسارات عميقة عجيبة إن لم يتنبه لها يحصل بسبب ذلك ما لو اطلع عليه عاقل أمين لقال: هذا هو: القتال سواء سواء.
7
7
الجمعة 3 من جمادى الآخرة 1424ه 1 من أغسطس «آب» 2003م. العدد 11264
AL janirah Newspaper Friday 2003/8/1 G. Issue 11264
|