الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فقد اطلعت يوم الأحد 13/5/1424هـ على مقال في جريدة الجزيرة العدد 11245 للكاتب حماد بن حامد السالمي، الذي عنوَّنه بقوله (تجاوزات كبيرة واجتهادات خطيرة)..!
ويدور هذا المقال حول المراكز الصيفية التي ضاق بها ذرعاً محاولاً إلصاق التهم بها، بل نالت سهامه المسمومة المخيمات الدعوية والخلوية وبعض المؤسسات (التي لم يصرح باسمها)!.
ولما قرأت المقال وجدته قد غالط الحقيقة - هداه الله للصواب -.
وحيث جاء في مقاله «ضرورة العمل على معرفة منابت الفكر الهدام ومنابع تغذيته وتقويته ثم هدم هذا الصرح على أصحابه».!!
رأيت أن هذا المقال بحاجة ماسة إلى بيان ما جاء فيه من أفكار وتصورات خاطئة تحتاج إلى تصحيح، خاصة وأنني ولي أمر لابنين التحقا بإحدى هذه المراكز المنتشرة في هذه البلاد المباركة، وقد لمست من القائمين عليها حسن رعاية وتربية واهتمام بخلاف ما جاء في هذا المقال، ورأيت أن من حقهم عليّ أن أكتب هذه الأسطر فأقول:
افتتح الكاتب مقاله بنقل توصية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لأبنائه الطلاب وحثهم على استثمار الفرص المتاحة لهم في الإجازة بملء فراغهم والاستفادة من وجود المراكز التربوية الصيفية المنتشرة في أنحاء المملكة التي تنظمها وزارة التربية والتعليم.
وكنت أظن أنه بعد هذه التوصية والتشجيع من سمو ولي العهد - حفظه الله - سيشد على عضد القائمين على تلك المراكز ويحثهم على العمل لخدمة أبناء هذا البلد، بدلاً من اختلاق التهم والافتراءات وإلصاقها بغير أهلها.
إلا أنه وبعد نقله لهذه التوصية نثر ما في جعبته وبدأ يلمز المراكز الصيفية إذ يقول: «وفي المراكز الطلابية الصيفية والمخيمات الدعوية والخلوية وما شابهها؟! يقع ضحايا كثر من صغار السن الذين لا حول لهم ولا طول في ظل انتهاك حرمة أمانة الرسالة التربوية وغياب الرقابة الأسرية...». وإخالي أن قارئاً كريماً يقرأ هذا الكلام يرد عليه ما ورد عليّ من تساؤل وهو:
إذا كانت المراكز الصيفية والمخيمات الدعوية يقع فيها ضحايا كثر من صغار السن كما يقول فلماذا سمو ولي العهد - حفظه الله - يحث على تلك المراكز؟ أَغَفِلَ عنها؟ وغفل عنها مجلس الوزراء الموقر؟ وغفل عنها معالي وزير التربية والتعليم وغفل عنها جهاز الوزارة ووفق لها هذا الألمعي؟!
ثم أين تلك الضحايا المزعومة.. أتسمي من يحفظ شيئاً من القرآن الكريم في المراكز ضحية أم من يحافظ على الصلوات والأذكار ضحية؟ أم من يتدرب على بعض المهن اليدوية والأعمال الحرفية والآداب السلوكية ضحية. أفمن يشغل وقته خمس ساعات يومياً في جهاز حكومي وتحت إشراف تربوي ضحاياً أم تريدهم يتسكعون هنا وهناك بعيداً عن الرقابة فتتلقفهم الأفكار الهدامة ويتلقفهم الحاقدون على أمن هذا البلد وولاته والمنحرفون من تجار مخدرات وفساد خلقي وغيرهم؟!
ثم إن التربية في الهواء الطلق - وعلى المكشوف كما يقال - وتحت توجيه وإرشاد ومتابعة من جهاز حكومي تربوي وعلى مرأى ومسمع من المجتمع - كما هو الحال في المراكز الصيفية والمخيمات الدعوية - نعمة عظيمة يجب أن تحمد ويشكر القائمون عليها والساعون لتطويرها بدلاً من أن يذهب أبناؤنا إلى أماكن مشبوهة تعمل في الظلام فيحصل ما لا تحمد عقباه.
وظني أن الكاتب إذا كان يريد الأمن الوطني له ولأولاده كما يقول، أو أمعن النظر في أهداف المراكز الطلابية، أو قام مشكوراً بزيارة لأحدها لغيّر وجهة نظره نحوها إذ إن من أهدافها:
1- تربية الطلاب على مبادئ الإسلام وأخلاقه الفاضلة وإعدادهم ليكونوا لبنات صالحة في مجتمعهم وليشعروا بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم الإسلامية.
2- دعم انتماء الطلاب لقادة المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وكذلك لعلمائهم ومجتمعهم ووطنهم وتعريفهم بمؤسساته ومرافقه وتنمية روح المحافظة عليها ورعايتها واستثمارها.
3- استثمار أوقات الفراغ لدى الطلاب ومن في مستواهم ببرامج تربوية متنوعة وهادفة وإكسابهم المهارات والخبرات المفيدة واكتشاف مواهبهم ورعايتهم.
4- تنمية إحساس الطلاب بمشكلات المجتمع وإعدادهم للمشاركة في حلها.
5- تنمية روح التعاون والعمل الجماعي المثمر لدى الطلاب وتربيتهم على الحياة المستمدة من التوجيه الإسلامي بما فيه من خصال حميدة وأخلاق فاضلة.
6- تدريب الطلاب وتعويدهم على التخيط والتنفيذ للبرامج والمشروعات وتحمل المسؤولية وإدارة الآخرين.
7- الإسهام في تزويد الطلاب بالقدر المناسب من المعلومات والخبرات التي تجعلهم عناصر فعالة في مجتمعهم.
8- حماية الطلاب من آثار الفراغ السلبية واستثماره بالبرامج المفيدة.
9- تكوين الاتجاهات الإيجابية نحو العمل المهني والتدريب على ممارسته وإتقانه وغير ذلك من الأهداف التربوية.
ثم إني لأعجب أشد العجب من قوله: «كان هذا.. قبل أن تتكاثر وتتوالد المراكز الصيفية ويصبح في كل منطقة أو محافظة عدد كبير منها»..!
نعم أعجب من تضايقه من نمو هذه المراكز التي جاءت مواكبة للنمو السكاني المتزايد في هذه البلاد المباركة. ولموافقة متطلبات العصر الحضاري الحديث وللحاجة الماسة إليها لكثرة الفراغ لدى الشباب.
فهل يريد الكاتب أن يكون مركزاً وحيداً على مستوى المملكة وفي الطائف، كما كان في الثمانينيات والتسعينيات، فما هذا التحجر؟
ولماذا يضيق بها ذرعاً وكأنها خلية سرطانية أو بؤرة جرثومية إذ يصفها بالتكاثر والتوالد؟
وقوله: «ثم تتحول من الأنشطة الترويحية والرياضية والفنية إلى جماعات تدعي أنها توعوية فلا يختار لها إلا طلاب من شريحة معينة.. أما بقية الطلاب من غير هذه الشريحة فليس لهم مكان إلا الرصيف» فيه دليل واضح على جهله الشنيع بأنشطة تلك المراكز الطلابية وحبذا لو زار الكاتب أحد المراكز الصيفية واطلع على الأنشطة العلمية والرياضية والفنية والمسابقات الترويحية التي لا تخفى على كل من أراد الحقيقة.
ثم إن تسجيل الطلاب في المراكز له وقت محدد يُدعى له جميع الطلاب بحسب الفئات العمرية - تقتضيها الرسالة التربوية - لا كما يزعم أنهم من شريحة معينة وبإمكانية الاطلاع على سجلات وكشوفات التسجيل في تلك المراكز ثم نراه يتطاول على وزارة التربية والتعليم بقوله: «نحن لو تتبعنا أوجه وطريقة إدارة الأنشطة في المراكز الصيفية اليوم من رأس الهرم الإداري في الوزارة إلى إدارات المراكز نفسها لوجدنا كثيراً من التجاوزات الكبيرة والاجتهادات الخطيرة التي تجري في حق أبنائنا».
ولا أدري ماذا يقصد بتلك التجاوزات الكبيرة والاجتهادات الخطيرة إذ لم يسق مثالاً على ذلك سوى ما ذكره عن بعض المجهولين.
وإني أعجب من جرأة هذا الكاتب على تطاوله على وزارة التربية والتعليم التي تبذل ما في وسعها لتربية أبنائنا التربية السليمة بتوجيهات من قادة البلد المبارك وبجهود حثيثة من معالي الوزير (رأس الهرم في الوزارة) ووكلائه والعاملين المخلصين في الوزارة والذين يسعون لتربية أبنائنا التربية السليمة، مستخدمين كل السبل النافعة والوسائل الحديثة المبنية على دراسات عميقة وذلك لإيمانهم أن وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة.
وأما استشهاده بالتكفيري التائب ومحاولة اللمز به على المراكز الصيفية والمنابر فإنه مما لا شك فيه أن لكل قاعدة شواذاً وإن وجود شاب ضُلل عليه الحق وأعمي عنه بحاجة إلى أن يتأكد أولاً من مصدر ضلاله ومنبع فكره وهذا يحتاج إلى إثبات وتأكيد ودراسة بدلاً من رمي التهم هنا وهناك من غير أدلة مقنعة وبراهين ساطعة.
وعلى فرض أن هذا الشاب كان ملتحقاً بأحد المراكز فلا يلزم منه القدح فيها إذ هو لا يساوي شيئاً بالنسبة إلى الآلاف من الطلبة الواعين الذين يعلنون السمع والطاعة لقادة هذه البلاد المباركة ويحاربون مظاهر الغلو والتشدد، وإلا فيلزم من ذلك اغلاق جميع المدارس والجامعات بحجة تخرج بعض المتأثرين بالمنهج التكفيري منها.
فالعبرة إذن بالعموم والمنهج المعتمد للتربية، ومناهجنا ولله الحمد لا تقر بتلك المناهج التكفيرية، بل تحاربها.
وهناك نقاط وأفكار خاطئة في هذا المقال لا يتسع المجال لذكرها، وأدع المختصين من المسؤولين في الوزارة للرد على مثل هذه الافتراءات.
وأملي من الكاتب أن يقبل هذا الطرح بصدر رحب، وأن يتفضل بزيارة لأحد المراكز المعتمدة ويرى ما يقدم لأبنائنا من تربية وترويح وفق خطط مدروسة، بدلاً من إلقاء التهم جزافاً.
ناصر بن محمد الصائغ - الرس
|