تعاني معظم البلدان العربية من ندرة الموارد البشرية المتخصصة والقادرة لقيادة برامج البحث والتطوير وبالذات خارج الجامعات.. فقد بلغ عدد الباحثين المتفرغين للبحث والتطوير في المؤسسات الحكومية والأهلية خارج الجامعات ثلاثة عشر ألف باحث منهم 48% من حملة الدكتوراة و2% من حملة الماجستير وبلغ انشغال اعضاء هيئة التدريس في الجامعات بالبحوث العلمية معدلاً قدره 6% من جملة اعضاء هيئة التدحريس في التسعينات يتغير من عام لآخر وبلغ الوقت الذي يخصصه الباحثون من اعضاء هيئة التدريس لأعمال البحث عام 1996م ما يعادل ستة آلاف من الباحثين المتفرغين.
هذه الاحصائيات وردت في دراسة أعدت بمبادرة من الدائرة العلمية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ويتضح ان الرقم الاجمالي للباحثين المتفرغين خارج الجامعات وداخلها ما معدله ثلاثة باحثين من بين كل مليون من القوى العاملة العربية وهو رقم يعادل أقل من 1% من معدل قيمة هذا المؤشر على المستوى العالمي.
ويذكر ان عدد الذين يساعدون هؤلاء الباحثين من حملة البكالوريوس والفنيين والاداريين الدائمين قد بلغ 9 ،44 ألفاً ومع ذلك فان 6% من مجمل الباحثين المتفرغين يعملون في بلد عربي واحد وهو مصر واذا أخرجنا مصر من هذا المؤشر فإن معدل قيمته في بقية البلدان العربية تنخفض الى أكثر من النصف، وهذا الوضع بالنسبة لعدد الباحثين لم يأت صدفة ولكنه تطور انعكاساً لأوضاع منها ضعف الموارد المالية المخصصة لنشاطات البحوث والتطوير في جميع البلدان العربية، وانشغال أعضاء هيئة التدريس الذين فاق عددهم مئة ألف عام 1996م بالتدريس أولاً نظراً للزيادة الهائلة في الطلب على التعليم الجامعي واستجابة الدول بفتح أبواب الجامعات للطلبة الراغبين بالالتحاق بها، وقيام معظم البلدان العربية باستثمار مبالغ لا يستهان بها لتأهيل عدد من الباحثين في الداخل والخارج للعمل في مؤسسات البحث والتطوير الحكومية خارج الجامعات إلا أن نسبة كبيرة من هؤلاء سرعان ما التحقوا إما بالجامعات أو في مواقع قيادية بالحكومة أو في العمل الخاص وقد دلت العديد من الدراسات أن ظروف العمل الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية في معظم مؤسسات البحث العلمي لا تنافس مثيلاتها في القطاعات الاخرى، وتدل العديد من المؤشرات ان البحث والتطوير كعمل قد فقد لمعانه في المجتمع العربي وان معظم المؤهلين يجدون فائدة نسبية افضل لهم إما بالعمل بالتدريس العادي والتدريس الجامعي الاضافي او في العمل الخاص الذي يهيىء لهم ظروفا افضل للتقدم في حياتهم سواء من النواحي الاقتصادية او الاجتماعية، وتتطرق الدراسة الى واقع التعاون العربي العربي والعربي الدولي في ميدان البحث والتطوير وتذكر ان التعاون العربي العربي في مجالات البحث والتطوير هدف معلن سعت لتحقيقه جميع البلدان العربية إلا أن مستوى الانجاز في هذا المجال ظل دون مستوى الطموحات والإمكانات بكثير. وبالمقابل هناك تجربة أوسع في التعاون العربي الدولي سواء كان ذلك بشكل ثنائي او بشكل مجموعة البلدان العربية او عدد منها بمشاركة ودعم طرف دولي. وفي الواقع فإن التعاون العربي الدولي حقق نجاحاً أفضل من التعاون العربي العربي، وتقدم الدراسة شاهدين على نمطين من التعاون كلاهما في الزراعة ويقع مقر كل منهما في سوريا وهما المركز العربي لتنمية المناطق الجافة «اكساد» ومقره دمشق والمركز الدولي لبحوث وتنمية المناطق الجافة والقاحلة «إيكاردا» ومقره حلب، وقد اثبتت الممارسة تفوقاً كما جاء في التقدير تفوق مركز ايكاردا في حجم التمويل الذي يحظى به وخصوصا من خارج المنطقة العربية وفي انجازاته في عدد من البرامج الحيوية.
وتفوق مركز ايكاردا بانتشاره في أكثر من بلد عربي سواء من خلال برامج وطنية أو اقليمية وبالاضافة الى ذلك تعاونت البلدان العربية بشكل ثنائي او مجموعات في تخطيط وتمويل وتنفيذ عدد كبير من المشاريع البحثية مع مؤسسات دولية اهمها برنامج الأمم المتحدة للتنمية ووكالة الطاقة الذرية.
وقد تفاوت مدى نجاح هذه المشاريع التعاونية وأصبح لدى البلدان العربية تجربة غنية في هذا المضمار تستحق الدراسة لبلورة الدروس المستفادة في أنماط التعاون العربي العلمي الناجح.
وقد برز الصندوق العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية كمؤسسة واعدة لبناء قاعدة عربية تدعم التعاون العلمي العربي وفق أولويات ترى مجموعة البلدان العربية او عدداً منها وجاهة تنفيذها.
وقد تم دعم عدد من المشاريع التي تحقق تنفيذها بالتعاون مع مركز ايكارد في حلب وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ولكن مبادرات الصندوق العربي ظلت محكومة بالجو العام العربي الذي عانى من الاجواء السياسية التي سادت عقد التسعينات، ومن شح الموارد التي يمكن توفيرها لدعم مزيد من المشاريع العربية التعاونية في ظل الاجواء السائدة. ولكن الصندوق العربي سيبقى افضل قاعدة مؤسسية لتمويل التعاون العلمي في الوقت الحاضر. لقد اصبح التعاون الدولي سمة العصر في تمويل وادارة وتنفيذ المشاريع العلمية الكبرى في الفضاء والأرض والبحار والمحيطات والطاقة والصيدلة والطب والتربية، ومع وجود هذا التعاون اتجهت البلدان الاكثر تقدماً في البحث والتطوير نحو السرية في بحوثها الاستراتيجية التطبيقية سواء في عصر تقنيات المعلومات والاتصالات، وظلت البلدان العربية خارج اطار المشاريع الدولية وكذلك خارج حلقة التعاون في البرامج البحثية الاستراتيجية التي تهمها.
لقد حان الوقت لإعطاء البحث العلمي وقتاً أكثر وتمويلاً افضل وجهداً أكبر ويجب ان يؤخذ بجدية اكبر لانه السبيل الوحيد لمقارعة الدول المتقدمة والاستغناء عنها تدريجياً في مجالات كثيرة.
وهناك معطيات كثيرة في ايامنا هذه اوضحت ضرورة الاعتماد والاكتفاء الذاتي في امور كثيرة، وعلى رب العالمين الاتكال.
|