الماء عصب الحياة، فبدون ماء لا يمكن أن تكون هناك حياة، والحض على ترشيد الاستهلاك يفهم أحياناً ويؤول تأويلاًَ خاطئاً، كأن يكون التصور موحياً بعدم القدرة على توفير الشيء أو العجز عن تأمينه، وهذا بلا ريب تصور قاصر وخاطئ في نفس الوقت، إذ أن الترشيد في الاستهلاك يدل دلالة واضحة على وعي المستهلك وإدراكه الكامل بإيجابية هذا العمل، وقد لا يكون تأثير الترشيد واضحاً وملموساً على المدى القريب، إلا أن انعكاسه وتأثيره على الاقتصاد حتماً سيساهم في قوته واستقراره، وحينما يعمد المستهلك على ترشيد الاستهلاك وعلى سبيل المثال المياه، فإن المردود والعائد من هذا الترشيد أو بالأحرى الاستعمال الصحيح البعيد عن الإسراف والتبذير سيؤول إليه، لأنه بعمله هذا خفف الضغط على ضخ الكميات المطلوبة من المياه عبر محطات التحلية، والتي بلا ريب تكلف الكثير لاعتمادها على الطاقة، وتبعاً لهذا الانخفاض في الطلب فإن التكاليف في هذه الحالة ستقل، وبالتالي تتم الاستفادة من هذه القيمة التي وفرها المستهلك بترشيده الاستهلاك بالمساهمة في دعم المجالات الأخرى، والمساهمة كذلك في تطويرها كالصحة والتعلم والصناعة.. الخ، وفي النهاية فإن المستهلك هو المستفيد الأول من هذا العمل، إذن المسألة ليست عجز أو عدم قدرة، فبلادنا ولله الحمد والمنّة تنعم بخير وافر، والدولة أيدها الله تتحمل جزءاً ليس باليسير من هذه التكلفة حرصاًمنها على رخاء المواطن في العيش الكريم، بقدر ما هو حس وطني صادق ينطوي على إدراك كامل، مع ما تتطلبه المرحلة من تكامل في هذا الاتجاه فإذا كان الإنسان يساهم مع أسرته الصغيرة في شق دروب الحياة، فإن الوطن هو الأسرة الكبيرة والمساهمة مع هذه الأسرة الكبيرة تتمثل في التفاعل مع أهدافها، ومن ضمنها بلا ريب الحرص والمحافظة على مقدراتها ومكتسباتها من خلال الترشيد كما أسلفت، من هذا المنطلق فإنه يتوجب علينا أفراداً وجماعات العمل الجاد، والمسألة لا تتطلب اكثر من الاهتمام والمتابعة ابتداء من الموظف، والمعلم، والطبيب، ورب الأسرة، وربة البيت، والتي يقع على عاتقها أيضا مسؤولية مراقبة بيتها، ولعلي أوجز بعض النقاط التي من شأنها بإذن الله المساهمة في الترشيد أورد منها:
1 المنزل وكل شيء يبدأ من المنزل وأخص ربة البيت لأنها في الغالب تكون متواجدة وقتاً أطول بأن تكون على قدر كبير من المسؤولية وهي راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها، ومراقبة الخادمات اثناء الغسيل والتأكد ايضا من إغلاق الصنابير (البزابيز) جيدا وخصوصاً في حالة انقطاع المياه وعودتها مرة أخرى، وحتى لا يرتفع ضغط (أبو العيال) ويتعدى المؤشر درجة النصف عندما يعود إلى المنزل فلا يجد ماء، وقد يتسبب هذا الأمر في مشاكل أنتِ في غنى عنها وباستطاعتكِ منع حدوثها بقليل من الحكمة والحرص في استعمال الماء كما أسلفت.
2 العمائر السكنية، من المعلوم أن إيجارات الشقق السكنية يدفع مع الإيجار مبلغ مقطوع من قبل المستأجر وهي غالباً (300) ريال تمثل قيمة الاستهلاك في السنة، وهذا في تقديري لن يساهم في الترشيد بقدر ما يساهم في الإسراف والتبذير وخصوصاً من قبل محدودية الوعي، إذ أن الساكن (يحط حيله) على المواسير بلا مبالاة طالما أن صاحب العمارة مسؤول عن تأمين الماء في حالة انقطاعه، وفي تصوري، في حالة صعوبة تحديد قيمة استهلاك كل شقة على حدة لأنهم مشتركون في خزان واحد، فإذا كان بالإمكان تحديد (فاتورة) لكل شقة فإنه بلا ريب أفضل والخبراء في هذا المجال بطبيعة الحال (ابخص) في مدى إمكانية تحقيق هذا الأمر، فإذا لم يكن متاحا وفي المرحلة الحالية على الأقل بأن يتحمل صاحب العمارة فاتورة المياه فقط، ما عدا ذلك فإنها مسؤولية السكان بمعنى أن يتم تقسيم فاتورة كل وايت ماء على السكان بالتساوي، من هنا فإن الساكن سيكون اكثر حرصا على استهلاك المياه بالشكل الصحيح وعدم هدره طالما أنه (سيدفع دراهم) في حالة الانقطاع، وأرجو أن لا تعتبروني متحاملاً على المستأجرين في هذه الناحية فأنا مستأجر وإذا انقطع الماء وبعملية حسابية بسيطة تجد كل السكان وأولهم أنا قد بادروا بالاتصال بصاحب العمارة مرة واثنتين وثلاثاً، فإذا حسبت قيمة المكالمات مجتمعة فإنها ربما تكفي لقيمة وايتين ماء.
3 التأكيد على أقسام الصيانة في المباني والمنشآت في القطاعين العام والخاص بضرورة تفقد دورات المياه أعزكم الله وقفل الصنابير جيداً بعد خروج الموظفين، وهذه نقطة بالغة الأهمية، لأن الموظف عندما يغادر المبنى فإنه لن يعود إلا في الصباح الباكر ما يعني في حالة نسيان احدهم الصنبور مفتوحاً فإن المياه في هذه الحالة (تسرسب) ولمدة سبع عشرة ساعة على أقل تقدير، وهذا الماء المهدر كفيل بتغطية حاجة أحد الأحياء ولمدة أسبوع.
4 على صاحب المنزل التأكد من السباكة وعدم وجود تسريب من الداخل، كأن تكون إحدى المواسير مكسورة ليتسرب الماء عبر الجدران مساهما في خلخلة المبنى، وذلك يتم من خلال المقارنة بين فواتير الاستهلاك، بمعنى إذا كانت فاتورة المياه زادت عن المعدل الطبعي وبفرق واضح، فإن هذا يعني وجود خلل وتسريب، لذا يجب التأكد من هذه النقطة المهمة، وبالإمكان مساهمة الحاسب الآلي في هذه الناحية بالإشارة في فاتورة المشترك بأن قيمة الاستهلاك زادت عن معدلها الطبيعي لوجود هذا الفرق.
بهذه النقاط التي أشرت إليها أنفاً سنساهم بإذن الله في استهلاك المياه بالشكل الصحيح والحد من هدره ما يعود بالنفع والفائدة لنا جميعاً، سائلاً المولى عز وجل من فضله وان يغيثنا غيثاً هنيئاً مريئاً إنه جواد كريم.
إطرافة:
(ليس في قاع الحقيبة يمكن للمرء أن يقتصد ولكن عند فتحتها). مثل ايرلندي
|