ليس الغرض من مقالنا هذا بيان فداحة جرم التفجيرات التي حدثت في الرياض، ولا اظهار قبح تلك الأحداث المنكرة التي هي من أعظم ضروب السعي في الأرض فساداً، فهي تشتمل على عدة مفاسد، كل واحد منها بمفرده يعد جرماً شنيعاً، وإثماً فظيعاً، فمن ترويع للآمنين، الى زعزعة للأمن والاستقرار، الى ازهاق للأرواح، الى اتلاف للأموال، وافساد للممتلكات الى غير ذلك، ولاشك ان ذلك منكر عظيم، لو كان في أي بلد اسلامي، فكيف إذا كان في بلد الحرمين الشريفين، البلد الذي يتمسك بعقيدة السلف، ويتخذ كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهجا ودستور حياة يحكمهما في جميع أموره صغيرها وكبيرها.
ويبلغ هذا الجرم الى ما لم يكن يتصوره أي مسلم عندما يطال مكة المكرمة، التي جعلها الله بلداً آمناً، وحرم حتى ازعاج الحيوانات فيها، وجعل مجرد التفكير في الفساد فيها إثماً عظيماً يستوجب عقاب الله تعالى، كما قال - تعالى - {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
وإنما الغرض من هذا المقال هو ابراز أوجه الحكمة، ومظاهرها، في معالجة ولاة الأمر، لهذه الأحداث، وأسبابها وتداعياتها، وسوف نحاول حصر تلك المظاهر في ثلاثة مظاهر:
المظهر الأول: يتجلى في تحديد المشكلة، وحصرها، واعطائها حجمها الحقيقي، ووضعها في اطارها الصحيح، ولاشك ان هذا من الحكمة البالغة؛ لأن معالجة أي مشكلة أو أي مرض من الأمراض الاجتماعية تتوقف على تشخيص المشكلة، وتحديد معالمها، فتلك المشكلة صدرت من فئة تحمل أفكاراً منحرفة عن الدين الاسلامي، وخارجة عن منهج السلف الصالح، تلقت ذلك خارج المملكة بعيداً عن مناهجها وتوجهاتها.
ومن هنا نجد ولاة الأمر في هذا البلد الكريم حرصوا كل الحرص على بيان ان ما حدث لا يمت الى الاسلام الصحيح بصلة، وان الدين بريء من ذلك كله، وهكذا نرى ان ولاة الأمر كان هدفهم الأول هو حماية الاسلام، والدفاع عن الدين حتى لا يلصق به المغرضون ما يشوه جماله، وصفاءه.
وبما ان تلك الأفكار المنحرفة، والمفاهيم المغلوطة الخارجة عن منهج السلف، وافدة علينا، وغريبة من مجتمعنا، فلا مجال - أبداً - ولا يمكن بأي حال ان تنسب الى مناهجنا التعليمية المستمدة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه سلف الأمة. وليس هناك أي مجال أيضا الى ان ينسب ذلك الى مؤسساتنا الدينية، وجمعياتنا الخيرية.
هذا التحديد العلمي الدقيق للمشكلة مع جعل الجهود تتركز على المشكلة نفسها، وتسلط العلاج على أسبابها الفعلية الواقعية، مما أدى الى ظهور النتائج الايجابية في ظرف وجيز.
المظهر الثاني: سلوك منهج الوقاية؛ لأنه تبين من خلال تحديد المشكلة، وتشخيص أبعادها أنها ناتجة عن فكر منحرف، وتوجه فاسد، وفهم مريض، ومن المعلوم ان الأفكار الفاسدة والمفاهيم الضالة هي أمراض معنوية، وعاهات عقلية، تشبه الأمراض الحسية، والعلل الجسمية، فكما ان الأمراض الجسمية تحتاج الى علاج ووقاية، فكذلك الأمراض المعنوية والعلل الفكرية تحتاج الى علاج ووقاية.
ولهذا رأينا ولاة الأمر - حفظهم الله - أوعزوا الى العلماء، وطلبة العلم، والمشايخ، والدعاة والمفكرين، أن يبينوا حقائق الاسلام، ومنهج السلف الصالح، ويظهروا حكم الدين في مثل هذه الأعمال الاجرامية وان يناقشوا القضايا بكل حرية وشفافية، على أسس علمية، بحجج وبراهين؛ ليكون ذلك وقاية وحصنا حصينا يقي - بإذن الله تعالى - عقول شبابنا، ويحمي أفكارهم من أن تتسرب اليها الأفكار المريضة، والمفاهيم السقيمة، فرأينا تكثيفا للمحاضرات في الجوامع، والجامعات، والمنتديات، وتكثيفا للندوات، والبرامج العلمية والدينية في وسائل الاعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة. مما كان له كبير الأثر، وعظيم الوقع، في نشر الوعي الصحيح بين جميع فئات المجتمع، وبخاصة الشباب.
وهذه الجهود التوعوية، والوقائية ينبغي ان تستمر، ولا تتوقف، لأن الحاجة اليها ماسة، والضرورة الملجئة اليها مستمرة.
المظهر الثالث: المعالجة الحاسمة، لأن المناقشة الفكرية، والاقناع العلمي، والمناظرة بالحجج الباهرة، إنما تنفع وتجدي مع من لم يصل بهم الأمر الى حال ميئوس منها، ومع من لم يرتكبوا جرائم، ويسعوا في الأرض فسادا، أما من ارتكب المفاسد واقترف الجرائم، فلابد أن يقدم الى المحاكم الشرعية، لتحكم فيه بما شرعه الله - عزوجل - ولابد أن ينال عقاب ما اقترفته يداه، حماية وصيانة للمجتمع، والأنفس، والأموال، والأعراض، من عبث العابثين، وفساد المفسدين.
ومن هنا جاءت الجهود العظيمة، والأعمال الجليلة لأجهزة الأمن المنوط بها حماية الأمن والاستقرار، واشاعة الطمأنينة في المجتمع.
وقد برهنت الأجهزة الأمنية على قدرات عالية، وامكانات رفيعة كانت مثار اعجاب الجميع، مما يدل على المستوى الرفيع من التدريب والمهارة، والقدرة التي وصلت اليها - بفضل الله وتوفيقه - ثم بالدعم، والمساندة، والتوجيه، والمتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية - حفظه الله ورعاه-.
والمراقب والمتابع للجهود الأمنية يلحظ أنها كانت في غاية التركيز ومنتهى الاحتياط، بحيث كانت محصورة النطاق في حدود ما تدعو اليه الحاجة والضرورة، حتى ان المواطنين لم يحسوا بأية مضايقات، ولم يشعروا بأي تقييد لحرياتهم.
وهكذا يرى المحلل والمراقب ان هذه المعالجة الحكيمة للأحداث، والتعامل العلمي الرصين مع الأسباب والمسببات، قد جعلت - بفضل الله تعالى - المملكة تخرج من هذه الأحداث أقوى مما كانت عليه، وتعززت قوة الجبهة الداخلية، وازداد التفاف الشعب بالقيادة الرشيدة، واشتد تماسك الشعب، وقوي اعتزازه بدينه، وعقيدته.
ولولا فضل الله تعالى، ثم هذه الحكمة العلمية الرصينة، لربما كانت النتائج سيئة.
فالحمد لله الذي قيض لبلد الحرمين الشريفين ولاة أمر حكماء بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني - حفظهم الله ورعاهم - ووفقهم الى المحافظة على حمى الملة والدين، والى الذود عن الحرمين الشريفين، ورعاية المقدسات الاسلامية.ونسأل الله - تعالى - ان يحفظ هذه البلاد الطاهرة من كل سوء، ويبقيها منارة اشعاع للاسلام والمسلمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(*)وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية
|