معاذ اللهِ أَنْ نتهمَ أحداً بسوءِ أو نظُنَ فيه شراً ونحنُ لا نعلمُ من أمرهِ شيئاً فإنّ بعضَ الظنّ إثمٌ كما جاء ذلك في القرآن الكريم، وليس من أخلاقياتِ المُسلمِ الاستعجال بالحكم على الأشخاص والجماعات والفئات ما لم يَثبتْ ضده شيءٌ واضحٌ يوجبُ توجيه الاتهام. وإنّ من الناس من طَبعُهُ الشكُ وعدمُ الثقة بالآخرين ويُطلقُ لنفسهِ العنانَ في شكهِ بالنّاسِ بدون تثبُّتٍ وتروٍّ ولا شكَ أنّ هذا من الحماقة وهذا مُحاربٌ في الإسلامِ إذ إنّ الأصلَ في المُسلمِ الخير ما لمْ يتضحْ غيرُ ذلك. والرسولُ صلى الله عليه وسلّم عاملَ الناسَ في عهدهِ على ظاهرهم ووكلْ سرائرهم إلى الله، فمنْ شَهدَ أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسولُ الله دخلَ في الإسلام وعُصمُ مالهُ ودَمُهُ وحِسابُهُ على الله. وعَنّفَ الرسولُ صلى الله عليه وسلّمَ وغضبَ من فعل أحد الصحابةِ عندما تقاتلَ مع أحد المشركينَ ولمّا تمكنَ ذلك الصحابي أجهزَ عليه وقتله بعدما قال لا إله إلا الله، ولمّا عَلِمَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال له: أقتلتهُ بعدما قال لا إله إلا الله كيفَ بك إذا جاءت لا إله إلا الله يوم القيامة فقال الصحابي إنّما قالها خشية السيف فقال النبي صلى الله عليه وسلم أشققت عن قلبهِ. وجاء أيضاً في القصة التي رواها عكرمة عن ابن عباس قال: مر رجلٌ من بني سليم على نفرٍ من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنماً له فسلّم عليهم فقالوا لا يُسلّمُ علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلَ الله قوله {)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (النساء:94)
إنّ التثبتَ مطلبٌ من المطالبِ الهامة التي لا غنى عنها للعالم والمفتي والقاضي والمُعلمِ والمُحقق وربِ الأسرة لذلك قال الله تعالى في سورة الحجرات آية 6 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} قال ابن كثيرٌ كلاماً ما معناه في تفسير هذه الآية: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وقد خاف على نفسهِ عندما وصلَ إلى مشارف ديارهم وعاد إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأرسلَ إليهم نفراً من أصحابه وأقبلَ القومُ وقابلهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم لماذا منعتم الزكاة وأردتم قتل رسول رسول الله؟ فقال القوم: لا والذي بعثَ محمداً بالحق ما رأيناه ولا أتانا فلمّا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقدمهم الحارث بنُ ضِرار ـ رضي الله عنه ـ قال النبي: منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟ قال الحارث لا والذي بعثك بالحق ما رأيتهُ بتة ولا أتاني وما أقبلت إلا حين استبطأتُ رسول رسولَ الله وخشيتُ ان يكونَ سخطٌ من الله تعالى ورسوله حَلّ عليّ. إنّ الحكمَ على الأشخاصَ لمجرد الظنَ والتَّوقُع والتَّهجُس جريمةٌ خطيرةٌ لها آثارُهُا السلبية على المجتمعِ والأفراد. ورُبما يَظُنُ بعضُ الناس أنّ لديه فِراسةٌ فيما يتوقعُ ويرى في الناس فيقعُ في ظُلم الكثيرِ منهم ويبني أحكاماً ويِعتقدُ أمُوراً لا أساس ولا صحة لها. وما وقوعُ فئاتٍ من المُسلمينَ في تكفير المُسلمين واتهامُهم بالانحرافِ والضلالة إلا بسببِ عدم التثبُتِ والتحري والانقياد واتباعِ خطواتِ الشيطان، حيثُ نجدُ أنّ بعض الشباب المنحرفين بعدما هداهُم الله من انحرافهم انهم يُفتون بغيرِ علم ولا هُدى ولا كتاب منير ويقولون على الله بغير عِلمٍ وهذه مسألة خطيرة ومن المُحرمات. ويوجدُ طائفةٌ من الناس تحكم على منَ يُقابلونهُ بما يتصورونهُ من أمور وتخرُصاتٍ ورجمٍ بالغيبِ وهذا لعمرُ الله من الحكم الجائر الذي لا يرضاهُ الله. وينبغي للمُسلمِ ألا يحكمَ على الأشخاص بما عندهم من المظاهر لأن المظاهر لا تبينُ الجواهر، وربما يكونُ الشخص منظرُهُ مُخيفاً ولكنهُ من ألطفِ الناس وأكرمهم عند التعامل، وربما يكون للمرء منظرٌ حسنٌ وتظهرُ الطيبةُ على وجههِ ومُحياه وهو من أخبث الناس طوية، ويقعُ في أغلب الأحيان من بعض الناس أنهُ إذا رأى رجلاً من الرجال لأول مرةٍ فيقول والله إنّ هذا الرجلُ لمْ يدخلْ مزاجي ولم تطمئنْ لهُ نفسي بالرغم من أنهُ لم يعرفهُ من قبل ولم يظهرْ من أمرِ الرجلِ ما يدعو للريبة والشكِ.ومن الأمورِ التي تقعُ في مجتمعنا أنّ كثيراً من الناس إذا قرأ مقالاً أو سمعَ قصيدةً أو رأياً من أحدِ الناس فإنهُ يستعجلُ في الحكم على ما سَمعَ أو قرأ ويصفُ صاحبَ المقالِ أو القصيدةِ بالعلماني أو الحداثي أو غير ذلك من الأوصاف الجارحة أو النعوتِ المؤلمة. والذي ينبغي على المسلم أن يتقي الله ولا يظُنّ بالمسلمين إلا خيراً مادام أنهُ لم يظهرُ لهُ الا خيرٌ ظاهر ولا يدعُ للشيطان الرجيم مجالاً للوسوسة وعليهِ أن يلتمسَ لأخيه العُذرَ.
(*)الرياض
|